فيرلين المسجون قصة اللعنة التي لاحقت أمير الشعراء
آخر تحديث 00:47:39 بتوقيت أبوظبي
 صوت الإمارات -

"فيرلين المسجون" قصة اللعنة التي لاحقت أمير الشعراء

 صوت الإمارات -

 صوت الإمارات - "فيرلين المسجون" قصة اللعنة التي لاحقت أمير الشعراء

بيروت ـ وكالات

كان أحد المبدعين الذي دخلوا حلقة «الشعراء الملعونين» هؤلاء الذين عاشوا حياتهم منبوذين تعساء لا يفهمهم أحد. كان منهم بودلير ورامبو وملامي وكوربيار وفيليي دو ليل أدون، لكن «بول فيرلين» الذي توج أميرا للشعراء سنتين فقط قبل وفاته كان من أهمهم. يكرمه المتحف الفرنسي للأدب والمخطوطات بعرض إنتاجه الشعري أثناء فترة صعبة من حياته هي فترة سجنه، وهي المرة الأولى التي تعرض فيها النسخة الأصلية لهذا الديوان المسمى «من الزنزانة» أو«سيلولارومان» ومخطوطات أصلية نادرة. المعرض يسرد قصة حياة الشاعر التي كانت صعبة وقاسية، عرف فيها الفقر والمذلة رغم قيمة أعماله الأدبية، حيث ولد في مدينة متز بشمال شرق فرنسا وتلقى تعليمه الثانوي في مدينة باريس، عمل بشهادته في مكاتب دار البلدية وكان قليل المواظبة على العمل، يتردد على المقاهي والأندية الأدبية إلى أن اكتشف ميوله الأدبية. غرق منذ سنوات شبابه الأول في فخ الإدمان على الخمر خاصة بعد وفاة قريبته إليزا التي كان مغرما بها، حياته أخذت منعطفا آخر حين التقى رامبو صيف 1871، في ظروف تاريخية واقتصادية صعبة بالنسبة لسكان العاصمة الفرنسية الذين عاشوا أحداث «لاكومون دو باري» الدامية. منذ ذاك الوقت كما يكتب الناقد «جيرار باور» لم يذق طعم الراحة لا رامبو ولا فيرلين. علاقتهما بدأت بالصداقة أولا بعد أن استضاف فيرلين الذي كان صيته قد بدأ يذيع في فرنسا رامبو الفتى الأشقر الجميل القادم من أرياف شرلفيل لتتحول بعد ذلك لعلاقة غرامية عنيفة قضت على العلاقة الزوجية لفيرلين وغيرت مسار حياته. * وراء كل قصيدة قصة * قصة النسخة الأصلية لديوان «من الزنزانة» بحد ذاتها متميزة، إذ إن وجودها لم يكن معروفا إلا للمقربين من فيرلين وكان الرسام كازالس أول من كشف عن وجودها بعد شهر من وفاة الشاعر الفرنسي. انتقلت بعدها لمكتبة رجل السياسة الفرنسي لويس بارتو ثم إلى ملكية مجمعين خواص ثم اختفت عن الأنظار في السنوات الخمسين إلى أن عرض مزاد سوثيبيز النسخة الأصلية للبيع عام 2004، اقتناها مؤسس متحف الأدب والمخطوطات «جيرار لريتيي» مقابل 300 ألف يورو. وهي مصنفة منذ 2005 رسميا ضمن ما يسمى بـ«الكنوز الوطنية» أي أنها تحظى باهتمام بالغ من وزارة الثقافة التي تمنع بيعها لأجانب أو إعارتها للخارج. المعرض الذي حط رحاله في باريس بجادة سان جيرمان دوبري بعد أن نظم العام الفائت في مدينة «بروكسيل» يعتبر حدثا متميزا لأنه يسلط الضوء على الظروف التي رافقت صدور ديوان بول فيرلين الذي يضم اثنتي وثلاثين قصيدة هي من أروع إبداعاته الشعرية. قصائد مفعمة بالحزن وأحاسيس الندم خصص لها سنتين من حياته هي فترة سجنه في ضاحية مونس ببروكسل من 11 يوليو (تموز) 1873 إلى 16 يناير (كانون الثاني) 1875. بعد خروجه حاول فيرلين طبعها لكنه فشل ولم يطبع ديوان «من الزنزانة» إلا عام 1992 أي بعد وفاته بمائة وعشرين سنة. يقول جان بيارغينو الكاتب ومدير دار نشر بارول: «قد يكون سبب عدم نشر هذا الديوان كونه يكشف عن هول المعاناة النفسية التي لازمت فيرلين طوال حياته: حيرته بين زوجته وعشيقه، بين حياة هادئة رتيبة وحياة مثيرة صاخبة، بين المشاعر النبيلة وبين السقوط في الرذيلة، بين الجنة وبين النار». فيرلين كان إنسانا معذبا وحبيس هواجس لاحقته منذ طفولته، عاش ذكريات مرعبة كمنظر إخوته الأجنة الذين توفوا عند الولادة والذين ظلت والدته محتفظة بهم في أوعية من زجاج تكلمهم وتناديهم بأسمائهم لسنوات كثيرة. كان يرى نفسه قبيح الوجه، بشعا وقد مثل نفسه في سيرته الذاتية في شكل قرد وحين طلب منه صديقه الرسام كاستور اختيار أبيات من شعره للوحة التي رسمها له اختار الأبيات التالية من قصيدة «غاسبار هوسر» التي يقول مطلعها: أتيت يتيما هادئا.. غنيا وحسبي أعيني الساكنة.. في العشرين.. غموض جديد.. تحت مسمى نيران الحب.. جعلني أجد النساء جميلات.. لكنهن لم تجدنني جميلا.. * فيرلين يطلق النار على رامبو * المعرض أعاد سرد أحلك فترات حياة فيرلين «سنوات السجن والعار» شاهدة عليها تقارير الشرطة البلجيكية التي ألقت القبض على الشاعر الفرنسي بعد أن أطلق النار على صديقه وعشيقه الشاعر أرثر رامبو تحت تأثير الخمر والغيرة. وقد أفادت النسخ الأصلية لمحاضر الشرطة ورسائل الشاعر رامبو وفرلان مع أصدقائهم وأقاربهم بحيثيات ما أصبح يسمى «بقضية بروكسل»: كانت علاقة فيرلين برامبو قوية ولكنها في نفس الوقت عنيفة مثيرة للمتاعب، فارق السن بين الاثنين رامبو 18 سنة وفيرلين 29 سنة الإسراف في الخمر مع شخصية الشاعرين وخصوصا رامبو الذي كانت تصرفاته مستفزة وطائشة كانت سببا في احتدام الخلافات بين الاثنين، بعد شهور من الإقامة في مدينة لندن، قرر فيرلين الرحيل متأثرا بحياة التشرد والضنك ومعاملة رامبو الذي كان يقول عنه، إنه أجمل الملائكة سوءا والعودة لزوجته ماتيلدا، لكن رامبو لحق به وأقاما الاثنان في فندق بمدينة بروكسل، لتعود الخلافات بينهما من جديد بسبب قرار رامبو العودة لباريس. فيرلين الذي كان يائسا قرر الانتحار لكنه كان ثملا فأصاب صديقه رامبو في الكتف إصابة طفيفة، أدت لدخوله السجن لمدة سنتين ليس فقط بتهمة الشروع في القتل بل أيضا بتهمة الشذوذ الجنسي الذي أثبتته الشرطة البلجيكية في محضر رسمي يعرضه متحف الأدب والمخطوطات لأول مرة. * أشعار من وراء الزنزانة: * ابتعاد فيرلين عن الخمر وحياة التشرد داخل السجن جعلته يركز على إنتاجه الأدبي، فكان يكتب على الأغلفة وبأعواد الثقاب المبتلة حين لا يبقى من أموال والدته شيئا يشتري به الورق والحبر. كتب قصائد ونصوصا من بيئة السجن كهذه الرسالة التي كتبها لوالدته يصف فيها أيامه الأولى في السجن: «يتم إيقاظنا في الساعات الأولى من الصباح، نجول في بهو السجن تحت أعين الحارس ثم نقتاد في صف واحد لعنابرنا أين توزع علينا وجبات من عصيدة العدس أو البزلاء ذات الطعم الكريه، أما المصلى المخصص لنا فهو كئيب يبعث على القنوط». الهواجس التي ظلت تلاحقه طوال حياته تفاقمت في فترة سجنه فكتب أشعارا حزينة مليئة باليأس كهذه الأبيات التي يصف بها إحساسه بالألم لفقدان زوجته التي حصلت على الطلاق بعد دخوله السجن: ينهمر الدمع في قلبي.. كما ينهمر المطر على المدينة ما هذا السقام.. الذي يقتحم قلبي.. يا لصوت المطر العذب.. في الأرض وفوق الأسقف.. ما أعذب صوت المطر.. على مسامع قلب أصابه الملل.. ينهمر الدمع دونما سبب.. في القلب الذي أصابه الأسى.. ماذا أما هناك أي خيانة؟ هذا الحزن هو إذن بلا سبب.. إنه لأسوأ حزن.. ألا أعرف لماذا؟ دونما حب، دونما كره؟ يحس قلبي بهذا القدر من الألم.. أو هذه الأشعار التي يصف بها إحساسه بالعزلة داخل السجن وشوقه للحرية: السماء من فوق السقف شديدة الزرقة، كثيرة الهدوء.. ومن فوق السقف شجرة تهدهد سعفتها.. الجرس في السماء التي نرى يرن بهدوء وعصفور على الشجرة التي نرى.. يغني ألمه.. إلهي.. إلهي الحياة هنا بسيطة هادئة.. تلك الضوضاء الوديعة.. تأتي من المدينة..

emiratesvoice
emiratesvoice

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

فيرلين المسجون قصة اللعنة التي لاحقت أمير الشعراء فيرلين المسجون قصة اللعنة التي لاحقت أمير الشعراء



GMT 01:28 2023 الثلاثاء ,03 كانون الثاني / يناير

"أنت تشرق. أنت تضيء" رشا عادلي ترسم لوحة مؤطرة

GMT 05:28 2022 الثلاثاء ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد حسن خلف يصدر دراسة أسلوبية لسورة القمر

GMT 01:16 2021 الإثنين ,29 آذار/ مارس

حكايات من دفتر صلاح عيسى في كتاب جديد

GMT 00:28 2021 السبت ,30 كانون الثاني / يناير

"بنات كوباني" كتاب أميركي عن هزيمة "داعش"

GMT 12:02 2021 الجمعة ,29 كانون الثاني / يناير

67 كتاباً جديداً ضمن "المشروع الوطني للترجمة" في سورية

GMT 20:20 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تحقق قفزة نوعية جديدة في حياتك

GMT 18:06 2013 الجمعة ,12 إبريل / نيسان

لورين ستونر تخطف الأنظار على شاطئ ميامي

GMT 21:37 2018 السبت ,29 كانون الأول / ديسمبر

ثياب ميلانيا ترامب تثير ضجة في مواقع التواصل الاجتماعي

GMT 19:50 2013 السبت ,23 شباط / فبراير

"سامسونغ سمارت بي سي برو"بمميزات عدة

GMT 19:57 2017 الأربعاء ,07 حزيران / يونيو

يسرى محنوش تحيي حفلة فنية على المسرح البلدي في تونس

GMT 04:19 2022 الثلاثاء ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

85 ألف درهم تعويضاً لعامل سقط من على سلم

GMT 01:37 2019 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

الصين تطلق بنجاح خمسة أقمار صناعية للاستشعار عن بُعد

GMT 16:28 2019 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

شرطة رأس الخيمة تفعّل نظام الاستدعاء الإلكتروني

GMT 00:00 2019 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

الإمارات خارج قائمة أوروبا للملاذات الضريبية قريباً
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates