الحُرّيّة

الحُرّيّة

الحُرّيّة

 صوت الإمارات -

الحُرّيّة

بقلم - إبراهيم أمين مؤمن

لقد نحِلَ اللهُ على موجوداته كُلّيّانيّة حريّة الإختيار ، وأول من امتلكَ حق الحريةِ المحضةِ من الموجودات كانتْ الجمادات.

نفخ فيها الروح ووضع فيها القلب والعقل وعرضَ أمانته فأبتْ أن تحملها.

فالحريّة مقرونة بالفكر والإحساس لأنها قرار ، فإذا فقدَ الموجود العقل أو القلب زال عنه الاختيار ولو كان الخيار ممكناً واحداً.

أمّا ثانى مَن نُحل الحرية المحضة هو ءادم عليه السلام ، فقد عُرضتْ الأمانة عليه فقبلها كامل الفكرِ والإحساس دون قسرٍ أو تجميل ٍ،  حيث النفس جامحةٌ دائماً إلى الثقة المُفرطة والعجلة العمياء رغبةً فى إحراز اللذة المحضة فأخطأ بقبولها.

فما انفصل ذاك القبول عن ذواتنا نحن أبناءه ، فجشّمنا تبعة الإختيار وتداعياته الذى جرّ علينا النِحلةَ الثالثة وهوالإختيارالثالث.

ومن رجِم ِ الإختيار الثانى ولِدَ الثالث ، ذاك الإختيار له خصوصية ذاك لأنه تمَّ فى عالم الذرِّ والكوارك ، فلم يكن هناك من ينقل خبره إلا الله ،  مما أستوجبَ علينا الإيمان بالغيب دون إعمال عقولنا  ، فالعقول لا تدرك الغيبيات .

أحضرهم من ظهره عليه السلام ومنحهم الفكر والإحساس ليمتلكوا الحريّة المحضة ، وعرض عليهم نفس خيار أبيهم ءادم فنحو نحوه ،  وكان ذلك معزوّاً أيضاً إلى جموحهم الغير مُدرك منهم نحو النعيم.

وكانتْ الحرية هى أول منحة فى الموجودات ، حريّة محضة لم تكن نسبية مطلقاً.

فأوجد الله الكون كله من موجودات مكلفَة أو غير مكلفَة تحت مظلة الحرية الخالصة.

فلما أخرجها الله من يده ومنحها فى أيدي البشر تعقّدتْ ماهيتها .

تكلمَ  فيها الفلاسفة والساسة وعلماء النفس والإجتماع والدين فانفلتتْ من أيديهم جميعاً ولا نكاد  نقف على تعريف صائب إلا وجدنا فيه الضد والنقيض لمعناها، كلهم سقطوا فى التيه ، ولمَِ لا وهم يريدون أن يثقفوا مصطلحاً مُحاطاً بقيود وسلاسل ، مصطلحاً ليس له وجود .

فالحرية لمْ ولنْ تُعرّف التعريف الصحيح ما دامتْ عارية النسب أو الإضافة أو الوصف.

فلا يوجد على الحقيقة تعريف للحرية ، وإنما يوجد تعريفاً لها إذا وصِفتْ مثل "الحرية المحضة " أو أضيفتْ مثل "حرية العقيدة " أو نُسبتْ مثل حريتى ، إشارة من ناسبها إليه بتعريفها لأمر معين ، أمّا تعريفها المجرد "حرية " فليس له أساس لإن الإنسان موجود بخاصيتى الجهل والظلم  علاوة على أنه مُحاطاً بسياج التكاليف الربّانيّة والدستورالبشرى.

ولنتناول معاً بعض التعاريف الأكثر شهرةً ونبين كيف تضاربتْ فيما بينها ، فمنهم من أوجدها ومنهم من أنكرها فأُبهمتْ وانعدمتْ.

الفلاسفة :
سبينوزا: فالحريّة في حالة الطبيعة حسب تصور باروخ سبينوزا هي حرية مطلقة تشمل كل ما يقع تحت قدرة الفرد في غياب تام للجريمة أو الخطيئة.

ويرى أيضاً  بأننا عبيدٌ لانفعالاتنا و أفكارنا الغامضة ودوافعنا .

وهذا التعريف يبين أن الحرية غير ممكنة بسبب استحالة التجرّد من الخطيئة.

أما كانط : فيري الإنسان عاجزاً عن الإختيار بسبب عجزه عن إدراك ما يدور حوله. ففى معرض كتابه يقول "أيُّ محاولة من العقل لتفسير إمكان الحرية تبوء بالفشل ، على اعتبار أنها معارضة لطبيعة العقل من حيث أن علمنا محصور في نطاق العالم المحسوس وأن الشعور الباطن لا يدرك سوى ظواهر معينة بسوابقها ، وهذه المحاولة معارضة لطبيعة الحرية نفسها من حيث أن تفسيرها يعني ردّها إلى شروط وهي علية غير مشروطة. 

وكانط أنكرَ الحرية الممكنة أيضاً بسبب جهل الإنسان بالعوالم الغيبية الغير محسوسة ، إذ انها تُعجزه عن الإختيار السليم.

و سارتر يعتبر أن الحرية لا تتحدد فقط في الاختيار، وإنما في إنجاز الفرد لمشروعه الوجودي ، مادام أنه ذاتا مستقاة تفعل وتتفاعل ، أمّا الإحساسات والقرارات التي يتخذها ، فهي ليست أسبابا آلية ومستقلة عن ذواتنا ، ولا يمكن اعتبارها أشياء وإنما نابعة من مسؤوليتنا وقدرتنا وإمكانيتنا على الفعل.

وهكذا نرى سارتر يُنكر الحصول على الحريّة بسبب عجزه عن إنجاز مشروعه الوجودىِّ كما قيّده أيضاً بحريّة الأخرين ، حيث تصادم حرية المرء بحريات الأخرين يُبطل عملها.

أمّا فولتير فقال "أنا لست من رأيكم ولكنني سأصارع من أجل قدرتكم على القول بحريّة "

وصف فولتير حريته بقوله: "تتوفر الحرية بالنسبة لي حين أستطيع أن أفعل ما أشاء "

فاعتنق الترْك وطرْح التحدّى ، وذاك معزوّا لإيمانه العميق بعدم وجود مصطلح للحرية ، اذ أنه خاصة الإله.

الأديان :
أما بالنسبة للأديان فالمسيحية ربطتْ الحرية بالخطيئة فما دام العبد فى طاعة الربِّ فهو حر.

 وبهذا المفهوم يعتبرون الرّهبانَ المحجوبين عن كل ما يشتهون أحراراً.

وفى الدين الإسلامى تخاصم العلماء فى القضية الأزلية وهى " هل الإنسان مُخيّر أمْ مُسيّر ".

وحتى إنْ كان مُخيّراً ،  فالبيقين أنّه يجهل الكثير ويعجز عن فعل الكثير.

وهكذا تبينَ أنّ الأديان لمْ تُثبت وجود الحريّة للمُكَلفِ ، بل جاءتْ بنقيض الحريّة وقالتْ تلك هى الحريّة.

الحريّة في عصر التنوير:
حُدد مفهوم الحريّة الذي نتفهمه في عصرنا الحالي في عصر التنوير، وكانت الفكرة ببساطة هي التحرر من الدين ، المذهب ، العقيدة ، القوالب الجاهزة ،  التعميم ، الأحكام المسبقة ، وإعمال عقله فى كلِّ ما يُعرض عليه.

 وحسب إيمانويل كانط فإن هذا يعني : خروج الإنسان من  سباته العقلي الذي وضع نفسه بنفسه فيه عن طريق إستخدام العقل.

وبعصر التنوير نجد أيضاً أنه يدعو إلى التحرر من الفِكر القديم  وإستخدام عقله ليُمسك بتلابيب الفِكر الجديد السليم .

ممّا سبق يتبين أنّ الحريّة مفهوم غير ملموس خارج عن نطاق البعد الذى نعيش فيه ، وأنه كلما أمسكنا به إنفلتَ من أيدينا .

وأن الحرية المحضة فى عالمنا المُدرَك لا يملكها إلا الله  ، وكذلك الإنسان متى استطاع أن يفعل ما يشاء حصل على الحرية بمضامينها كاملة ، وما يستطيع إلى ذلك سبيلاً إلا فى  بعد من الأبعاد الاخرويّة وهو الخلود فى الجنة.                    

أستطيع  أن أضع بعض التعاريف لها بقلمى وجهدى الخالص :

الحرية النسبيّة :هى مقدار ما يُتحقق من الحريّة المحضة .

الحرية المَحضة :هى  فعل كل شئ بقدرة وإدراك.

الحرية النفسيّة  :هى مقدار ما يُتحقق للذة الروح ِ.

الحرية بالنسب إلى كلِّ مناحى الحياة :هى مقدار ما يُتحقق من رغبات من عدّة ممكنات مِن كلِّ مناحى الحياة.

بعض صور القسر على الحرية :
1-الخطاب الإشهارى الضال : هى وصلة إشهارية تفرّغ العقل من محتواه الثقافى الصادق ، وتملأ مكانه ثقافة الخطاب المُستَلَب الكاذب.

من الميكانزمات النفسية التي تُوظف من أجل تحقيق هذا الغرض إستخدام الخطاب الجنسي الشبقي لبعض المشاهير وطرح إمتيازات زائفة ،

فتبيع له الأصفاد  والتى تُعلب فى معنى الحرية وهى على الحقيقة قيّداً وغِشاوة ودروشة كاسحة.

والحل هو عقلنة الإستهلاك الفردي والجماعى بالبحث والتقصّى بالفكر والعلم والمشورة عمّا هو أفضل .

2-تَرِكةُ الإستبداد الثقافى والسياسي والإجتماعى :سالبوا الحرية يتبعون ميكانزيمات متعددة للوصول إلى أغراضهم .

فهم يعزفون ألحانهم الشيطانية على أوتار التعددات الدينية والمذهبية والحزبية والعِرقية علاوة على توظيف أساليب الترهيب والترغيب.

وكل هذا من أجل دروشة العقول وطمس الوعى المُدرَك، فيُفرغ المجتمع من قواه الثقافية الحيّة .

والكارثة أن الذى يتصدر المشهد هم رجال الدين والقساوسة ورموز ثقافية عليّة.

هؤلاء المتصدرون يساهمون بطريقة مباشرة فى توتير الأجواء بين طبقات الناس ، وخاصة أن أيديولوجياتها متباينة إلى حدٍّ كبير ، تلك الأيديولوجيات بمثابة بيادق تعاركتْ من أجل بقاء رؤوسهم ، وما رؤوسهم  إلا مَنْ غرّوهم وغشّوهم  .

ولجهل الكثير من الناس كانت طُرقُهم فاعلة فانخرط الناس على الفور فى مشروعات النزاع والتعطيل وعملوا على مراكمة دواعى التعثر فى إيجاد حرية ينعم فيها الإنسان.

والحل ..التخلص من العصبية للدين والمذهب والحِزب والعِرق ، والتريّث فيما هو منوط لك بالتفكير فيه وغير المنوط  وإعمال العقول فيه  ووضعه تحت ميكرسكوب العقلنة والإدراك.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الحُرّيّة الحُرّيّة



GMT 20:35 2023 الأحد ,22 كانون الثاني / يناير

مجانية الالقاب على جسر المجاملة أهدر قدسية الكلمة

GMT 02:34 2022 الإثنين ,12 كانون الأول / ديسمبر

بيروت تتوالد من رمادها وتتزين بكُتابها.

GMT 00:53 2021 الأربعاء ,19 أيار / مايو

”أعطنى مسرحًا أُعطِكَ شعبًا مثقفًا”

GMT 20:38 2021 الأربعاء ,14 إبريل / نيسان

صندوق أسرار الزمن المعتّق

GMT 05:09 2021 الإثنين ,08 شباط / فبراير

دراما كورونا

بلقيس بإطلالة جديدة جذّابة تجمع بين البساطة والفخامة

القاهرة - صوت الإمارات
النجمة بلقيس عادت من جديد للتفاعل مع جمهورها واستعراض إطلالة جديدة لها عبر انستجرام، لتوثق أحدث ظهور لها بفستانها الأسود الجديد الذي نال تفاعل قطاع كبير من جمهورها، كما أنها عادت للظهور بأزياء من علامة فيرساتشي الشهيرة التي سبق وقد تألقت بها أكثر من مرة في الماضي. تفاصيل أحدث إطلالة للنجمة بلقيس النجمة بلقيس اختارت في احدث ظهور لها، ارتداء فستان أسود أنيق من علامة فيرساتشي الشهيرة، وتعتبر بلقيس من عاشقات اللون الأسود وسبق وظهرت به في العديد من إطلالاتها الجذابة، وهذه المرة اختارت فستان أنيق نال إعجاب محبيها بمجرد نشر صوره عبر حسابها على انستجرام. بلقيس استعرضت أناقتها بفستان أنيق باللون الأسود انسدل طويلًا ومجسمًا مع صيحة الكب التي زادت من أناقته، والتي جاءت بتصميم مستقيم، كما تزينت منطقة الصدر بحزام رفيع يتوسطه اكسسوار...المزيد

GMT 21:04 2024 الأربعاء ,24 إبريل / نيسان

الإمارات تواصل دعم مستشفيات وعيادات رفح في غزة
 صوت الإمارات - الإمارات تواصل دعم مستشفيات وعيادات رفح في غزة

GMT 08:31 2020 الأربعاء ,01 تموز / يوليو

تحقق قفزة نوعية جديدة في حياتك وانطلاقة مميزة

GMT 21:15 2012 الأربعاء ,26 كانون الأول / ديسمبر

جهازا "إبسون" صديقين للبيئة

GMT 21:02 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

قد تتراجع المعنويات وتشعر بالتشاؤم

GMT 11:16 2020 الإثنين ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الحوت الأثين 30 تشرين الثاني / نوفمبر2020

GMT 18:55 2019 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

علماء يبتكرون خلايا عصبية صناعية لعلاج مرض الزهايمر

GMT 14:37 2018 الإثنين ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

حمدان ومكتوم بن محمد يحضران أفراح حسين محمد والديبيلي

GMT 17:29 2018 السبت ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

دار"سوثبي" في لندن تستعد لبيع لوحة أثرية مصرية نادرة

GMT 13:04 2018 الأربعاء ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

علماء أميركيون يعيدون البصر إلى فئران عمياء

GMT 03:21 2018 السبت ,20 تشرين الأول / أكتوبر

"جاكوار F-Type" ستأتي في 2020 بمحركات بي إم دبليو

GMT 15:45 2013 الإثنين ,14 كانون الثاني / يناير

أكاديمية الشعر تصدر ديوان" أشجان" لعفرا بنت سيف المزروعي

GMT 05:39 2018 الأحد ,17 حزيران / يونيو

مهرجان صيف الخرج الـ 39 ينطلق بمدينة السيح

GMT 21:52 2014 الخميس ,16 تشرين الأول / أكتوبر

الفرو موضة التسعينات التي عادت بقوة هذا الموسم

GMT 20:55 2013 الثلاثاء ,05 شباط / فبراير

"مركز إبداع" الإسكندرية يقيم معرض "جرافيك"

GMT 10:06 2016 الأحد ,21 شباط / فبراير

لون أزرق مضيء لإطلالة راقية
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates