بقلم : محمد الحمادي
هل اتخذت قطر قراراً نهائياً بأن تتخلى عن أن تكون دولة وأن تصبح كياناً ليست له أي أجندة سياسية أو مواقف وإنما يتحرك وفق أجندة الفتنة والدم والدمار والتفرقة والخروج عن النص الخليجي والعربي؟!
هناك فرق شاسع بين منطق الدولة ومنطق المليشيا، فالدولة أي دولة، ينبع قرارها وموقفها من مقاربات ومنطلقات وطنية أولاً، ثم من منطلقات قومية ومصالحية، ويكون قرارها وموقفها نابعين من إرادة حرة.. أما المليشيا، فهي تابعة، تحارب بالوكالة، وتعادي بالوكالة، وتخاصم بالوكالة..
وتعمل لحساب قوى مجهولة أو معلومة لا علاقة لها بما يضر الوطن أو ينفعه، وكل ما يصدر عن قطر، يوحي بأنها كيان تابع شأنها شأن حزب الله الإرهابي و«الحوثيين» و«داعش» و«النصرة» و«القاعدة»، لا تحركها مواقف ولا منطلقات وطنية، وإنما تتحرك وفق أهواء المقاول الذي يعمل هذا الكيان عنده.. فيعادي من يعاديه المقاول، ويوالي من يواليه.
صارت قطر تخدم مقاولين عدة متناقضين في الظاهر، وربما هم متحالفون في الباطن، ويظهر هذا جلياً في خدمة قطر المخلصة لمصالح إيران، ومصالح إسرائيل معاً، فهي تمول وتدعم الإرهاب بأوامر من إيران، وهي تشق الصف الفلسطيني، وتوسع الهوة بين «حماس» و«فتح» لحساب إسرائيل، وهي تعبث في الشأن المصري والليبي لمصلحة جماعة الإخوان الإرهابية، وهي تدعم الجماعات الإرهابية في سوريا، وهي تقترب أكثر وأكثر من العراق المخطوف من إيران، وصارت قطر بكل أسف تجمعاً عالمياً واضحاً لكل الكيانات الإرهابية، وصارت ملاذاً آمناً للإخوان و«النصرة» و«داعش» و«القاعدة»، وصارت نقطة انطلاق العمليات الإرهابية في دول المنطقة العربية.
«منطق المليشيا» الذي تتبناه قطر الآن يجعلها بعيدة تماماً عن كونها دولة يمكن التعويل على مواقفها، فهي حريصة على أن تستمر الأوضاع المتفجرة في المنطقة العربية لمصلحة إيران وإسرائيل، والدور القطري هو دور التأجيج والإشعال، وهذا كله لخدمة قوى إقليمية بعينها، لذلك أصبح هناك اعتقاد بأنه من شبه المستحيل أن يتم التعامل مع قطر على أنها دولة عربية أو خليجية أو دولة من الأساس، لأن قطر صارت مخطوفة ورهينة إرادات خارجية، ليس بينها إرادة أبناء الشعب القطري الشقيق نفسه، وقطر لم يعد يحكمها أهلها، بل صارت محكومة من طهران وتل أبيب، ومن التنظيم الدولي للإخوان، ولا أظن أبداً أن تصريحات المسؤولين القطريين الساعية إلى شق الصف الخليجي والعربي، نابعة من إرادة هؤلاء المسؤولين، وإنما هي إملاءات واضحة من قوى أخرى وكيانات أخرى، ويبدو أن المسؤولين القطريين وصلوا إلى مرحلة اللاعودة، فهم يقولون ويكتبون ما يملى عليهم، كما يبدو أن تجمع المليشيات الإخوانية والإرهابية داخل قطر، أصبح أقوى من الفريق الحاكم، ولم يعد لهذا الفريق من الأمر شيء بدليل هذا التخبط والارتباك الواضحين بعد تصريحات أمير قطر الصادمة.. فالفريق الحاكم لا يمكنه التراجع أو نفي ما أملي عليه من تصريحات، كما لا يمكنه تبرير ما حدث سوى بادعاءات الفبركة والقرصنة والاختراق! وهى مزاعم لا تنطلي حتى على الأطفال، معنى ذلك أن الفريق الحاكم في قطر صار صورة ولم يعد أصلاً كما كان، أصبح صدى ولم يعد صوتاً كما كان، صدى لأصوات أخرى في طهران وتل أبيب، وهكذا ارتضت قطر رغماً عن شعبها أن تكون كياناً يتحرك طبقاً لأجندات متناقضة ومتضادة لقوى إقليمية متعددة، فهل فات الوقت لإعادة «قطر الدولة»؟