التربية البيتيّة والمدرسيّة وجذور العنف

التربية البيتيّة والمدرسيّة وجذور العنف

التربية البيتيّة والمدرسيّة وجذور العنف

 صوت الإمارات -

التربية البيتيّة والمدرسيّة وجذور العنف

بقلم : لطفية الدليمي

يسهم التعليم إسهامًا عظيما في جعل البشر أخلاقيين وانسانيين إذا كان تعليمًا قويمًا ملتزمًا بالمعايير العلمية والأخلاقية والتربوية، وكان المدرسون والمعلمون ذوي إمكانات تربوية خلّاقة، واذا توفرت لهم المدارس التي تمثل إمكاناتها وتجهيزاتها الحدود المعقولة لاحترام الكرامة البشرية، أما في مدارس بلدنا المبنية بالطين وتلك الآيلة للسقوط والأخرى التي يجلس فيها التلاميذ على الارض ولا تتوفر لهم ادنى مستلزمات التعليم وابسطها، فإنها تشكل منبعا لكارثة مقبلة تمدنا بالغاضبين والمستلبين والمقهورين والعنيفين.
 
عندما ينحدر مستوى التعليم إلى الحضيض في بلد ما وترافقه أحداث جسام كالحروب والاحتلال والصراعات الطائفية والعرقية تتأثر أوضاع البشر على نحو بالغ الخطورة وتتردى سلوكيات الناس وتستعاد أخلاقيات إنسان الكهف التي تعتمد الأساليب البدائية في التعامل مع الآخر وتستخدم تقنية الهجوم والدفاع كما تفعل الضواري في الغاب والكهف، فالحيوان لا يجيد سوى آليات الدفاع الغريزية وإبراز قوته ليفتك بمن يهدد وجوده وقوته وموقعه، الضواري لا تجيد الحوار وكذلك المتشدد الذي يتفاخر بسلوك دموي مبررا به الدفاع عن قضية مقدسة ينتحلها وهو غير مؤمن بها قطعيا، فنراه يمارس وحشية الذئاب وجحود الضباع ويفقد كل ما يمت للقيم الأخلاقية الإنسانية فلا يعود في نفسه المريضة المنحرفة عن السوية الإنسانية موضع للمحبة وقدرة على تذوُّق الجمال والفن والتعامل بالمروءة الإنسانية وشخص كهذا المتشدد لا يمتلك أي حس بالمواطنة فقد انتمى بحكم دمويته إلى سلوك التوحش ولم تعد للرحمة والأخوة الإنسانية موقع في نفسه المضطربة وعقله المشوش.
 
 يلعب التعليم أدوارًا أساسية في تكوين الشخصية الإنسانية السوية والشخصية الإنسانية العنيفة، وتؤدي المناهج و توجيهات المعلمين وسلوكهم إلى ترسيخ قيم معينة لدى الصغار ممن هيأتهم التربية البيتية ليكونوا أحد اثنين: أما تحوُّلهم إلى مواطنين صالحين او تزرع لديهم بذور العنف والتشدد والاستبداد والتعالي والتفوق القومي والعرقي والطائفي فيتأثر هؤلاء بالأحاديث العائلية والممارسات اليومية والطقوس الدينية والمعتقدات التي يقال للطفل انها الأفضل وكل ما عداها زائف وغير حقيقي، وتبني هذه السلوكيات العائلية والبيئية التي يتعرف اليها الطفل قبل المدرسة شخصية ذات أطر محددة تؤمن بتميز العرق أو الطائفة أو القومية وتضفي على المختلف ، صفات سلبية كريهة تصوره أشبه بالوحش المتربص الذي يشكل وجوده خطرا عليهم، هكذا نشأ الملايين من الأطفال في مجتمعاتنا ومجتمعات اخرى تدنت فيها مستويات التعليم فأنتجت التشدُّد والتطرف والارهاب.
ويلعب التعليم بعد العائلة الاساس الاول والحقيقي لبناء مفهوم المواطنة فيما لو توفرت له المناهج القويمة التي تكرس قيم المساواة والعدالة وبوسع التعليم لو افترضنا جودة مناهجه وعصريتها وانسانية توجهاتها ، أن يؤسس للدولة المدنية المعاصرة التي تحلم بها الشعوب المحرومة من حقوقها تحت حكم المستبدين السياسيين والدينيين القوميين، وما لم تتغير نظم التعليم، ومالم تقم الدولة بتهيئة الاباء والامهات عبر التعليم الالزامي وبرامج التلفزة والاذاعة ليتشربوا مفاهيم المواطنة والمساواة والعدالة - فإن المناهج التعليمية لاتكفي لبناء شخصية الطفل السوية التي تزدهر في ظل القيم الانسانية.
 
لقد نشأت أجيال عديدة على نزعة شوفينية تكره الآخر المختلف وتخشاه وتعده مهددا لوجودها بفعل التربية البيتية والمدرسية ففي النظم الشمولية يكرس عدو وهمي لابد من مواجهته والانتصار عليه من أجل حماية الوطن وهي ذريعة المستبدين الأبدية في كل زمان، مما يكرس لدى الأجيال نزعات عنف وكراهية ضد العدو المفترض او العدو المتخيل.

 

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

التربية البيتيّة والمدرسيّة وجذور العنف التربية البيتيّة والمدرسيّة وجذور العنف



GMT 02:32 2020 الإثنين ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

التعليم عن بُعد

GMT 23:41 2018 السبت ,03 آذار/ مارس

أبي حقًا

GMT 15:19 2017 الثلاثاء ,19 كانون الأول / ديسمبر

تقييــم رؤســاء الجامعــات؟!

GMT 13:52 2017 الأربعاء ,13 كانون الأول / ديسمبر

التلميذ.. ونجاح الأستاذ

GMT 16:14 2017 الأربعاء ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

حكايات من المخيم " مخيم عقبة جبر"

GMT 15:42 2017 الأربعاء ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

الإرشاد النفسي والتربوي

GMT 21:56 2017 الأربعاء ,13 أيلول / سبتمبر

علمني

GMT 12:23 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك أجواء هادئة خلال هذا الشهر

GMT 18:59 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

النزاعات والخلافات تسيطر عليك خلال هذا الشهر

GMT 11:27 2020 الإثنين ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج القوس الأثنين 30 تشرين الثاني / نوفمبر2020

GMT 19:26 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

أخطاؤك واضحة جدًا وقد تلفت أنظار المسؤولين

GMT 20:03 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

يبشّر هذا اليوم بفترة مليئة بالمستجدات

GMT 00:44 2024 الأحد ,18 شباط / فبراير

النفط يرتفع بسبب التوترات في الشرق الوسط

GMT 04:15 2019 الجمعة ,07 حزيران / يونيو

تضحية غريبة من شاب هندي لإعادة محبوبته

GMT 02:26 2020 الخميس ,30 كانون الثاني / يناير

غادة عبد الرازق تكشف عن حقيقة زواجها مرة أخرى
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates