تذكرة وحقيبة سفر 2

تذكرة.. وحقيبة سفر (2)

تذكرة.. وحقيبة سفر (2)

 صوت الإمارات -

تذكرة وحقيبة سفر 2

بقلم - ناصر الظاهري

من الأوقات، وتلك المدن التي بقيت في قاع الذاكرة، حتى لو غابت لحين، فإنها تحضر، وإنْ حضرت جلبت معها سعادة أخرى مضاعفة، رائحة السعادة القديمة، ومتعة التذكر: 

بيروت: في شتائها الجميل في منزل صخري، كأنه نُحت من ضلوع جبل، بتلك المدفأة التي تبعث رائحة احتراق الحطب، وطقطقة الكستناء التي تشبه حلزوناً متكاسلاً، دفء الألفة للجلسة المنزلية، وأصدقاء حميميون جاءوا من زوايا متباعدة، جالبين معهم ما تؤرثه الأسفار البعيدة، وما يخزّنه الحنين، كانت ضحكات من الخاطر، أصداؤها قلوب الأصدقاء، وكانت امرأة غادرتنا وأشعلتنا، ونسيت عطرها في المكان.

القدس: هي المدينة الوحيدة التي جعلتني أفقد التوازن حينما وقفت على أول تلالها، والأذن لا تصدق، والعين تكذب، والنفس سابحة في شيء لا يشبه المكان، كانت ساعتها الشمس توحي بالمغيب، ولا تدرك، هل أنت قريباً من السماء أم بعيداً عن الأرض، كانت فوضى في حواس الجسد، لا أعرف هل أجلس، أم أقف، أم أقفز، أم أصمت متأملاً؟ كانت السعادة تغمرني من كل جانب، فلم أملك إلا أن أصلي ركعتين واجبتين، وأقرأ: هل أتى على الإنسان حين من الدهر..!

القاهرة: كثيرة لحظات السعادة في القاهرة، لكن واحدة منها، تلك التي قادتني الخطى إلى قبر ذلك الرجل الراقد تحت ثرى الكبرياء، شعرت بحب في ذاك المكان، وتراءى لي في الوجوه الزائرة الصدق، وكثير الوفاء، لقد بقيت صورته بالأسود والأبيض، والشيب على الفودين، والمنديل الهرمي في جيب سترته العلوي، وشموخ العربي، معلقة على جدار الطين طويلاً، وبقيت عالقة في الذاكرة أطول، وأذكر أنني بكيته بدمع طفولي يوم الفاجعة، ومشيت في جنازته المقامة، وشعرت بفقد عائلي، وبيتم، وبظلام أزرق، فقط حين ألقيت عليه السلام، ارتاحت النفس، وغدت مطمئنة، وتسرب لها شيء كرعدة ذكر الوطن، وزهو انتصاره!

صنعاء: لها تربة ما زالت من غبرة التاريخ، ولها قصص تسطر بحروف الأولين، ولها محبة تحضرها معك، دخلتها من أبوابها السبعة، فيها عطر من أروى، ومسك من بلقيس، صنعاء.. ولا تحتاج أن يطول السفر، فيها فقط شعرت كم هي الفطرة مسعدة، وكم فيها من تقوى، فقلت: ليتني كنت راعياً في جبل أو سهل أو وهاد، لا تردك إلا إذا ما الشمس غربت أو سمعت غناء بنت العم أو قادتك ماشيتك ورعيك للبيت الحجري، صنعاء، وشيء من الضلوع تكسر!
مراكش: لها شيء من العين، هل طينها اللزب أم نخيلها العزب؟ تدخلها وكأنك في عرس أسطوري، تتناقلك الأشياء في حضرة حراسها السبعة رجال، كدرويش انقطع به نسله الأندلسي هناك، يجوس أزقتها، وتجلسه عصاه بين دكان عطّار أو حانوت ورّاق، تسري به همهمات الصوفية، كطائر من نور، ينشد قطباً من المعرفة، والتجلي، لكنه وإنْ غاب يعود، متسربلاً بالحكايات، وسِفر الأسفَار!

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

نقلا عن جريدة الاتحاد

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تذكرة وحقيبة سفر 2 تذكرة وحقيبة سفر 2



GMT 20:25 2024 الثلاثاء ,26 آذار/ مارس

خيارات غزة: ما العمل؟

GMT 20:23 2024 الثلاثاء ,26 آذار/ مارس

حين تثأر الإمبراطوريات المجروحة

GMT 20:17 2024 الثلاثاء ,26 آذار/ مارس

«نجوى فؤاد».. ليست نمرة

GMT 19:49 2024 الثلاثاء ,26 آذار/ مارس

عودة الجماهير للملاعب!

GMT 19:43 2024 الثلاثاء ,26 آذار/ مارس

الفلوس.. والقضية

GMT 12:23 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك أجواء هادئة خلال هذا الشهر

GMT 18:59 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

النزاعات والخلافات تسيطر عليك خلال هذا الشهر

GMT 11:27 2020 الإثنين ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج القوس الأثنين 30 تشرين الثاني / نوفمبر2020

GMT 19:26 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

أخطاؤك واضحة جدًا وقد تلفت أنظار المسؤولين

GMT 20:03 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

يبشّر هذا اليوم بفترة مليئة بالمستجدات

GMT 00:44 2024 الأحد ,18 شباط / فبراير

النفط يرتفع بسبب التوترات في الشرق الوسط

GMT 04:15 2019 الجمعة ,07 حزيران / يونيو

تضحية غريبة من شاب هندي لإعادة محبوبته

GMT 02:26 2020 الخميس ,30 كانون الثاني / يناير

غادة عبد الرازق تكشف عن حقيقة زواجها مرة أخرى

GMT 13:23 2019 الإثنين ,11 شباط / فبراير

وضع أول دليل لإعداد وصياغة التشريعات في دبي

GMT 14:34 2018 الثلاثاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

شركة "تسلا" تُعلن نيتها إطلاق أول "بيك آب" كهربائية

GMT 21:25 2018 الخميس ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

راندا المهدي تحقق أنجازًا تاريخيًا في سباق "إيرون مان"

GMT 13:13 2013 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

عرض فيلم زبانا لسعيد ولد خليفة للمرة الاولى في فرنسا
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates