درسان من سمير فرنجيّة

درسان من سمير فرنجيّة

درسان من سمير فرنجيّة

 صوت الإمارات -

درسان من سمير فرنجيّة

بقلم : حازم صاغية

لم يتولّ سمير فرنجيّة منصباً وزاريّاً، ولم يتقلّد مناصب عليا في لبنان، وهو لم يكن قطباً يجرّ وراءه كتلة نوّاب تابعين

مرّة واحدة، وكانت في 2005، أحرز مقعداً نيابيّاً. مع هذا، وربّما بسبب هذا، احتفظ اسمه دائماً بدلالات تتعدّى المنصب. وحين توفّي قبل أيّام، بدا لوفاته وقع مهيب مستمدّ من ذاك الاسم، وجزئيّاً من افتقاره إلى المناصب.

السرّ في سمير فرنجيّة كثير الأوجه. فهو، فضلاً عن نظافة كفّه في بلد تكاد السياسة فيه تعادل التلوّث، كان وثيق الصلة بفئات اجتماعيّة ليست في حساب السياسيّين التقليديّين.

لقد صادق دائماً كتّاباً ومثقّفين ومهنيّين وناشطين، وصحافيّين كان في شبابه واحداً منهم. هؤلاء بدوا مادّة لسياسة بديلة، ولتصوّر بديل من السياسة. وجودهم كان مصدر إيحاء بأنّ ثمّة سبباً لتفاؤل بلبنان أفضل، تفاؤلٍ ظلّ، على رغم كلّ شيء، راسخاً في سمير، وأيضاً -على خلاف سياسيّي الطوائف والمناطق- أنشأ علاقات متينة مع رجال ونساء فيهم السنّة الطرابلسيّون والشيعة الجنوبيّون والدروز الجبليّون، فهو بالتالي كان المرشّح النموذجيّ عن لبنان حين يكون دائرة انتخابيّة واحدة، دائرةً تنقسم تبعاً لاعتبارات تتعلّق، لا بالطوائف والمناطق، بل بالأفكار والمصالح. لقد كان سمير سياسيّ المدينة- الأغورا، المدينة- الرأي العامّ التي من منصّتها المرتفعة، إنّما الحميمة والودودة، تُرى الأطراف والمناطق والعصبيّات.

بهذا كان اسم سمير فرنجيّة يخاطب الرغبة الممنوعة لدى لبنانيّين كثيرين في التحديث والتقدّم. كان محبوباً لأنّه، بالقليل المعروف عنه، كان واعداً بشيء آخر، بكلام آخر، بسياسة أخرى.

تجربته وحيويّتها التي لا تتعب، نمّتا عن درسين مهمّين: في شبابه انتمى إلى حركات اليسار الراديكاليّ التي وفّرت لكثيرين في الستينات بديلاً من تقليد ليبراليّ غائب.

هذا ما عرفته بلدان كثيرة عهدذاك، وعرفته خصوصاً قطاعات شبابيّة وطلابيّة تنتمي إلى النصف الأعلى من الهرم الاجتماعيّ ويزعجها نمط الحياة السائد. ولحسن حظّ سمير أنّه لم ينتمِ إلى الفرع «الناجح» سياسيّاً في عائلته. هذا ما أتاح له أن يطلّ على النقص الفادح في التكوين السياسيّ التقليديّ، وعلى ضرورات التغيير، تبعاً لما هو متوافر منها حينذاك.

لقد نبّهه صدوره عن الفرع «الفاشل» سياسيّاً في العائلة إلى أهميّة العمل الثقافيّ الذي لا ينتبه إليه السياسيّون «الناجحون»، مثلما نبّهه إلى جوانب القصور في التركيبة السياسيّة القائمة، علماً بأنّ السياسيّين «الناجحين» ليسوا سوى هذه التركيبة إيّاها. هكذا، وعلى عكس الآخرين، كان لسمير فرنجيّة زمن، ومن يكون له زمن يكون له معنى

فهناك سمير الستينات وسمير السبعينات وسمير التسعينات...، ممّا لا يصحّ في تقليديّي السياسة اللبنانيّة «الناجحين». هؤلاء مقدودون من حجر لا ينشقّ ولا يسري عليه التحوّل.

أمّا الدرس الثاني الذي علّمته إيّاه الحرب ومآسيها، فكان بمعنى ما فرملةً وتنظيماً للدرس الأوّل. إنّه الحدّ من ضرر الذهاب بعيداً في الراديكاليّة وإعادة الاعتبار لفكرة التسوية التي قام عليها لبنان أصلاً. إنّه رفض العنف كائنة ما كانت مسوّغاته، ورفض الحكم بالغلبة والقوّة. هنا، يظهر سمير فرنجيّة بوصفه الشخص الثالث إلى جانب كلّ متحاورَين اثنين. الساعي دوماً إلى صياغة القواسم المشتركة. المهجوس بأشكال حديثة في العمل السياسيّ: بالندوات، بالمؤتمرات، بالمحاضرات... أمّا 14 آذار، كما تصوّرها، فليست إطلاقاً لغرائز طائفيّة وعنصريّة. إنّها انطلاق لمشروع استقلاليّ وديموقراطيّ ومنفتح في آن.

الدرس الأوّل، من عهد الشباب، كان عن الحاجة الماسّة إلى تغيير ما. الدرس الثاني، من عهد النضج، كان في الحاجة الماسّة إلى رسم حدود التغيير. ذاك أنّ المطلوب في النهاية، ووفقاً لما جاء في كتابه، أو رحلته «إلى أقاصي العنف»، هو تأسيس عالم يستبعد القوّة والقسوة، ويطاردهما في الأماكن المعتمة من النفس البشرية، قبل أن يحاصرهما في السياسة. هذه هي وصيّة سمير فرنجيّة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

درسان من سمير فرنجيّة درسان من سمير فرنجيّة



GMT 05:04 2024 الأربعاء ,17 إبريل / نيسان

حين تصدق إيران نكذّبها!

GMT 22:12 2024 السبت ,13 إبريل / نيسان

إنّها نوايا إبادة ثقافيّة... لا أقلّ!

GMT 19:20 2024 الأحد ,24 آذار/ مارس

لبنان: لماذا الوطن الواحد أصلاً؟

GMT 03:03 2024 الأحد ,17 آذار/ مارس

محطّة تشاك شومر المحتملة

بلقيس بإطلالة جديدة جذّابة تجمع بين البساطة والفخامة

القاهرة - صوت الإمارات
النجمة بلقيس عادت من جديد للتفاعل مع جمهورها واستعراض إطلالة جديدة لها عبر انستجرام، لتوثق أحدث ظهور لها بفستانها الأسود الجديد الذي نال تفاعل قطاع كبير من جمهورها، كما أنها عادت للظهور بأزياء من علامة فيرساتشي الشهيرة التي سبق وقد تألقت بها أكثر من مرة في الماضي. تفاصيل أحدث إطلالة للنجمة بلقيس النجمة بلقيس اختارت في احدث ظهور لها، ارتداء فستان أسود أنيق من علامة فيرساتشي الشهيرة، وتعتبر بلقيس من عاشقات اللون الأسود وسبق وظهرت به في العديد من إطلالاتها الجذابة، وهذه المرة اختارت فستان أنيق نال إعجاب محبيها بمجرد نشر صوره عبر حسابها على انستجرام. بلقيس استعرضت أناقتها بفستان أنيق باللون الأسود انسدل طويلًا ومجسمًا مع صيحة الكب التي زادت من أناقته، والتي جاءت بتصميم مستقيم، كما تزينت منطقة الصدر بحزام رفيع يتوسطه اكسسوار...المزيد

GMT 18:48 2021 الأحد ,17 تشرين الأول / أكتوبر

إطلالات جريئة مفعمة بالأنوثة من ميس حمدان

GMT 22:14 2018 الثلاثاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

"برنت" يتعافى من خسائر 8 في المائة ويقفز فوق 60 دولارًا

GMT 23:20 2018 الأربعاء ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

" SHA Wellness Clinic & Spa" في إسبانيا للباحثين عن الاسترخاء

GMT 09:46 2018 الأربعاء ,10 تشرين الأول / أكتوبر

"أراضي دبي" تنظم ملتقى عقاريًا بالتعاون مع البنك الدولي

GMT 07:10 2013 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

مؤسسة الإمارات للطاقة النووية تسهم في تنويع إمدادات

GMT 13:51 2017 الجمعة ,08 كانون الأول / ديسمبر

شيخة بنت سعيد آل مكتوم تدعم "عبايا الخير" بـ 46 ألف درهم

GMT 07:18 2016 الخميس ,21 كانون الثاني / يناير

الوردي والبرتقالي لموضة ألوان الاكسسوارات هذا الموسم

GMT 11:22 2013 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

"IPAD 5" أنحف وأخف بـ25% من الجيل الرابع
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates