بوادر نهضة العصر الرقمي الجديدة لم تؤطرها أفكار غرامشي ولا سارتر
آخر تحديث 13:02:16 بتوقيت أبوظبي
 صوت الإمارات -

بوادر نهضة العصر الرقمي الجديدة لم تؤطرها أفكار غرامشي ولا سارتر

 صوت الإمارات -

 صوت الإمارات - بوادر نهضة العصر الرقمي الجديدة لم تؤطرها أفكار غرامشي ولا سارتر

نهضة العصر الرقمي الجديدة
الجزائر - صوت الامارات

هكذا، وفي غفلة عن المثقف الذي لم يعد نابليون يتحسس مسدسه كلما رآه، لأنه لم يعد منخرطاً بما يكفي في معركة الدفاع عن صوت المقهورين، انطلقت مسيرات الحراك الشعبي الجزائري في الـ23 من فبراير (شباط)، سلمية هادئة، إلا أنها هادرة منذ البدء، دائمة التجدد بحيث لَم تفتر حرارتها للمطالبة بالتغيير عبر أيام الجمعات المتتاليات، منذ الأولى حتى هذه الخامسة عشرة. كل جمعة تأتي معها بثمرة نضالية جديدة، بدأت بإلغاء العهدة الخامسة، وانتهت بوضع بعض رؤوس الفساد في السجن، وتأجيل الانتخابات، وما زال الطريق طويلاً ومثمراً...

انطلقت الثورة السلمية على يد شباب قادمين من هذا الزمن الرقمي، يدركون بعمق الحياة وفنون الاتصال بالعالم الخارجي، وعبر نوافذ وسائط التواصل الاجتماعي، واليد البيضاء لمارك زوكربيرغ الذي غير العالم أكثر من أي مثقف أو فيلسوف أو داعية، يدركون أن المجتمعات البشرية كلها في أزمة، تعاني من أهواء التسلط والاستغلال، وفي واقع شديد التعقيد.

رغم أنني أكاد أكون متأكدة أن هؤلاء الشباب، وهؤلاء العمال، والطلبة، والتجار البسطاء، الذين يؤثثون المسيرات الأسبوعية، من النساء والرجال، لم يسمعوا أبداً صوت «ريجيس دوبريه» يقول إن العصر عصر علم، وبالتالي لم يعد للمثقف دور كبير في تعبئة الجماهير، ولا بفكرة «جان بول سارتر» القائلة بفاعلية المثقف الملتزم، وضرورة أخذه بيد مجتمعه، إلا أن المؤكد أن هؤلاء الشباب المنتفضين القادمين من الغبن والبطالة والفقر والإقصاء، وندرة الحلم بل انتفائه، هؤلاء الشباب الذين تنتظرهم زوارق الموت، كبروا بسرعة، ونهلعلي حرب، وإنهم لا غرو يسخرون من المثقف المستقيل، المثقف الذي تخلى عن وظيفته النقدية والمشاغبة، وعن انخراطه في هموم الإنسان، يسخرون من ذاته المتورمة جداً التي يدفع بها دفعاً مثل كرش ضخمة. المثقف الذي لم يجرب نكران الذات، ولا يحمل قضية، ولا تهمه قضايا الناس؛ إنه المثقف المبهور بمرآته، الفرحان بتعداد جوائزه وإكرامياته، وعلاقاته الثرية الواسعة لخدمة بهرجته وحياته الخاصة، المتعالي بحيث يتهم العامة بالجهل؛ إنهم في المقابل يتفرجون عليه في قفص التدجين.

حقاً إنه عصر نهضة جديد، بمعيار مختلف تاريخياً عن عصر نهضة شبلي شميل، وطه حسين، ومحمد عبده، وقاسم أمين. نهضة مختلفة، تقوم بها طبقة جديدة من الشباب، تشكل الأغلبية الواسعة في المجتمع، لم يشملها التصنيف الطبقي الكلاسيكي. شباب أغلبيتهم متعلمون، منفتحون على العالم الخارجي، نشطاء على شبكات التواصل الاجتماعي، تخرجوا من الجامعات في تخصصات مختلفة، لكن البيروقراطية أقصتهم من الحصول على عمل. شباب تكونوا سياسياً خارج الأحزاب السياسية التقليدية المسماة بالمعارضة أو بالموالاة. لم يجدوا منبراً لهم لمناهضة الاستبداد بكل أنواعه سوى كبريات ملاعب كرة القدم بالجزائر، يؤمونها بالآلاف، ليس في العاصمة فحسب، بل في كل مكان تدور فيه الكرة، وتدور فيه الأرض. تشتعل مختلف الملاعب كل أسبوع بالأناشيد وأغاني التذمر. كانت تُظهر الشكوى في البداية، ثم تحولت إلى الرفض، ثم إلى الغضب، ثم الثورة والنزول إلى الشارع بكل سلمية، لتحويل مسار النهر نحو مطالب الديمقراطية والدولة المدنية والحرية والعدالة والمواطنة الحقيقية، واسترجاع القدرة على الحلم.

بوادر نهضة العصر الرقمي الجديدة لم تؤطرها أفكار «أنطونيو غرامشي» من «دفاتر السجن»، ولا نية «جان بول سارتر» الطيبة في الالتزام، ولا تاريخ الأنتلجنسيا الفرنسية أو الأنتلجنسيا الروسية، بل وُلدت على أيدي شباب، نسبة عددهم تشكل أكثر من 80 في المائة من سكان البلاد. بوادر نهضة وُلدت بالغة وعاقلة ومتوازنة. انطلقت بهتافاتها الحاسمة في أشكالها اللغوية الشعبية المرنة، ومضمونها الرافض لأي صلح أو تصالح أو أي تفاوض مع رموز الفساد لنظام ريعي قمعي. كانت أصوات الشباب مدوية تملأ سماء العاصمة مثل رعود تحت الشمس:

- مكانش الخامسة يا بوتفليقة جيبو الـ«ب آر» وجيبو «الصاعقة»!

يعني لا تفاوض... هاتوا أعنف ما لديكم من الفيالق المدربة للقمع، وهاتوا أكثر القوات الخاصة للدفاع عن «النظام» وأقساها، فلن نتراجع، وسنظل على سلميتنا، فلم يعد بإمكاننا الصبر. فإما الموت في البحار أو الموت في الحراك.

أمشي وسط الجموع منذ اليوم الأول، بحار متلاطمة أغلبهم من الشباب. كل جمعة جديدة نعبر النفق الذي أُطلق عليه اسم (غار حراك)!!، نجتازه نحو ساحة موريس أودان، ساحة جميلة وسط العاصمة، تحمل اسم المثقف والمناضل الإنساني، شهيد ثورة التحرير الجزائرية موريس أودان (Maurice Audin) الذي اختطفه الجيش الفرنسي سنة 1957 وتم اغتياله، ولَم يعثر له على أثر، ولَم يعتذر النظام الفرنسي عن فعلته هذه رسمياً وأمام العالم، إلا أخيراً على لسان رئيسها الحالي إيمانويل ماكرون.

ها نحن نعبر النفق ثم الساحة، ثم نتوجه نحو البريد المركزي. يبدو وجهي مألوفاً لدى بعضهم، ربما من بينهم من كان طالباً لي في الجامعة في إحدى الدفعات خلال أكثر من ربع قرن من التدريس، أو ربما شاهدني على شاشة ما. يُشهر هاتفه ليأخذ سيلفي على السريع. نبتسم معاً. نبتسم جميعاً للكاميرا وللمستقبل. إنها «ثورة الابتسامة»، إنها «الثورة البيضاء». حتى وإن كان بعضهم، كما يبدو من أحاديثنا الخاطفة، قد اطلع على بعض رواياتي وأشعاري المنددة بالنظام الفاسد التي أشار بعض النقاد إلى أنها تنبأت بالزلازل التي سبقت الثورات العربية، فإنني متيقنة اليقين كله أنهم قرأوا كتاب الحياة، كتاب الحياة اليومية، بما فيه من فنون القهر والبطالة والإقصاء واللاجدوى واللاحُلْم، كتاب الحياة القاسية، تعلموا منه الحلم والمقاومة والثورة.

نسير جنباً إلى جنب في مليونية عامرة بحلم التغيير، وهم يرفعون أصواتهم الشجية والصارمة نحو ملكوت السماء، هاتفين:

- كليتو البلاد... يا السراقين!

قد يهمك أيضًا

"تاريخ مصر الوسطى" أعلى كتب "هيئة الكتاب" مبيعا فى معرض القاهرة

صدور الجزء الأول من "ديوان رفعت سلام" عن الهيئة العامة للكتاب

emiratesvoice
emiratesvoice

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بوادر نهضة العصر الرقمي الجديدة لم تؤطرها أفكار غرامشي ولا سارتر بوادر نهضة العصر الرقمي الجديدة لم تؤطرها أفكار غرامشي ولا سارتر



نانسي عجرم بإطلالات عصرية جذّابة

بيروت ـ صوت الإمارات
النجمة اللبنانية نانسي عجرم دائمًا ما تطل علينا بإطلالات جذابة تجعلها حديث الجمهور، خاصة وأنها تعتمد على الظهور بأزياء أنيقة يكون غالبًا شعارها البساطة التي تلائم هدوء ملامحها، ومؤخرًا خطفت نانسي عجرم الأنظار بإطلالة جذابة أيضًا جعلتها محط أنظار محبيها اعتمدت فيها على صيحة الشورت، وهي الصيحة التي سبق وقد ظهرت بها من قبل في أكثر من مرة، فدعونا نأخذكم في جولة على أجمل إطلالاتها بهذه الصيحة التي نسقتها بطرق متعددة. تفاصيل أحدث إطلالات نانسي عجرم بصيحة الشورت نانسي عجرم خطفت أنظارنا في أحدث ظهور لها بإطلالة اعتمدت فيها على صيحة الشورت، وتميزت بكونها ذات طابع يجمع بين العملية والكلاسيكية، حيث ظهرت مرتدية شورت جلدي مريح باللون الأسود وبخصر مرتفع. فيما نسقت مع تلك الإطلالة توب باللون الأبيض بتصميم مجسم مع فتحة صدر مستديرة، ونس...المزيد

GMT 18:36 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

تنجح في عمل درسته جيداً وأخذ منك الكثير من الوقت

GMT 13:17 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك ظروف جيدة خلال هذا الشهر

GMT 18:37 2020 السبت ,31 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الحمل السبت 31 تشرين أول / أكتوبر 2020

GMT 17:29 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

أمامك فرص مهنية جديدة غير معلنة

GMT 08:24 2021 الإثنين ,12 إبريل / نيسان

لست ورقة بيضاء

GMT 19:17 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

ينعشك هذا اليوم ويجعلك مقبلاً على الحياة

GMT 05:49 2019 السبت ,05 تشرين الأول / أكتوبر

6.6 مليارات درهم تصرفات عقارات دبي في أسبوع

GMT 03:04 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

أصابع الجمبرى بالأرز والبقدونس

GMT 03:23 2019 الإثنين ,18 آذار/ مارس

زلزال بقوة 5.5 درجة يهز جنوب غربي إندونيسيا

GMT 07:17 2019 الثلاثاء ,29 كانون الثاني / يناير

الخاتم قطعة مجوهرات لا غنى عنها

GMT 22:43 2019 الثلاثاء ,01 كانون الثاني / يناير

البشير يُشكّل لجنة لتقصي حقائق ما تمر به السودان من أزمات

GMT 15:30 2018 الجمعة ,05 تشرين الأول / أكتوبر

الكشف عن تفاصيل حادث حريق أبوظبي

GMT 07:08 2018 السبت ,08 أيلول / سبتمبر

ضعف المبيعات يدفع "سامسونغ" إلى تعجيل إطلاق Note9

GMT 17:04 2018 الأربعاء ,14 شباط / فبراير

أصالة تعلن أن حبها لطارق العريان لا تكفيه السطور
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates