دمشق - نور خوام
يميل المسيحيون في سورية إلى عدم تبني موقف سياسي واضح، في الصراع، فغالبية المسيحين لا يدعمون النظام ولا الثوار. وغالبًا ما يتم تصوير المسيحيين بأنهم داعمين للنظام السوري. وهناك سببان رئيسيان لذلك "فمعظم المناطق المسيحية لم تشهد مظاهرات ضد النظام، كما أن العديد من قادة الكنيسة، أعلنوا تأييدهم للرئيس السوري بشار الأسد.
وشجع النظام وبعض الجماعات الإسلامية هذا التصور، بما يخدم أهدافهم لتأطير الصراع في سورية طائفيًا. ومع ذلك، فإن النظرة الفاحصة على المشهد المسيحي، تظهر صورة مختلفة لذلك. وقضى جورج فهمي، الزميل المشارك، في برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، العام الماضي في إجراء مقابلات مع المسيحيين السوريين، سواء المتدنيين أو العلمانيين، في مختلف المدن السورية، قائلًا "دمشق، حلب، وحمص والقامشلي. فبعضهم لايزال يقيم في سورية، في حين غادر آخرين البلد". وأكد أن هناك مسيحيين يؤيدون النظام، بما في ذلك كبار الشخصيات الدينية والمسؤولين في الدولة ورجال الأعمال، الذين تجمعهم المصالح مع النظام. وكذلك يوجد مسيحيين دعموا الثورة من أول يوم. ولشرح القضية لابد من التحليل من عدة جوانب.
الجهات الفاعلة السياسية:
بدأت قبل خمسة أعوام في دمشق، مجموعة من المسيحيين اجتماعًا لمناقشة كيفية دعم المسيحيين للثورة. ورفضوا موقف قيادة الكنيسة الداعم لنظام الأسد، وقاموا بصياغة رسالة للتأكيد على قيم الحرية والكرامة لجميع السوريين، والتي سلمت للقادة. وعمل النشطاء المسيحيون على رفع مستوى الوعي بين زملائهم المسيحيين بشأن الثورة وأهدافها. وكان من بين مجموعة النشطاء، باسل شحادة، المخرج السينمائي الشاب الذي ذهب إلى حمص، لتوثيق الثورة من خلال الفيديو. والذي قتل في أيار/مايو 2012 حين قصّف النظام المدينة
. وفيما شارك النشطاء المسيحون في مدن، مثل حمص وحلب القامشلي، في المظاهرات والاعتصامات. وتم القبض على كثيرين منهم.
ومع عسكرة الثورة، اتجه الكثير من هؤلاء المسيحيين إلى العمل الإنساني. فأسماء عائلتهم المسيحية، تسهل لهم المرور عبر نقاط التفتيش التابعة للنظام، لإيصال المساعدات إلى المناطق الواقعة تحت الحصار. وتضم المعارضة السورية اليوم، بما في ذلك الجيش السوري الحر، العديد من الشخصيات المسيحية، من بينها جورج صبرا، لجنة المفاوضات العليا، وعبد الهاد ستيفو، نائب رئيس الائتلاف الوطني للثورة السورية وقوات المعارضة.
الجهات الفاعلة غير السياسية
وتعتبر هذه المجموعات، سواء الداعمون للنظام أو الثورة، أقلية بين المسيحيين. فالأغلبية ليست مع النظام ولا مع المعارضة. فهم ينظرون بتشكك تجاه الثورة، خاصة بعد أسلمتها، إلا أنهم لا يدعمون النظام. وقال أحد القادة الدينين الكبار كيف أبدى المسيحيون في منطقته استعدادهم لحمل السلاح، للدفاع عن أحيائهم ضد هجوم الجماعات الإسلامية المسلحة، ولكن هذا لا يترجم دعم النظام. فهم يرفضون الخدمة مع الجيش، وغير مستعدين للقتال من أجل هذا النظام.
ويعتقد الكثيرون منهم أن النظام لا يهتم كثيرًا بسلامتهم. ففي أبريل / نيسان 2013، ألقى المطران يوحنا إبراهيم، رئيس الكنيسة الأرثوذكسية السريانية في حلب، قبل أسبوع واحد من اختطافه، اللوم على النظام السوري، لفشلها في التعامل مع الأزمة الحالية. كما أن بعض المسيحيين الذين اعتادوا دعم النظام، أبدوا الأن سخطهم من سوء الخدمات العامة التي تقدمها الدولة حيث يتهمون النظام بتجاهل المناطق المسيحية. وحذّر أسقف سوري آخر قبل بضعة أشهر، النظام بعدم اختبار صبر المسيحيين في منطقته بسبب تردي الخدمات العامة.
وعلى عكس أولئك الذين يدعمون النظام أو الثورة، هذه المجموعة ليس لديها أي موقف سياسي واضح في الصراع الحالي. وأنهم ببساطة يهتمون فقط بسلامتهم وتوفير الخدمات.
المواقف شكلتها الظروف
وتتأثر مواقف المسيحين تجاه كل من النظام والمعارضة في كثير من الأحيان بعاملين. أولا، درجة الفصل بين المسلمين والمسيحيين. ففي المناطق التي يوجد فيها فصل واضح بين الطائفتين، كما هو الحال في أحياء معينة من حمص وحلب، ويميل المسيحيون أقرب إلى دعم النظام. ففي هذه المناطق، من السهل للنظام القيام بمجازر ضدهم، كدعاية لتطرف الثوار ووصفهم بأنهم إرهابيون يرتكبون مجازر ضد الأقليات. ولك في الأحياء المختلطة، فالأمر معقد بالنسبة للمسيحيين بأن يعتقدوا أن جيرانهم إرهابيون، لذا فهم أكثر عرضة لفهم أسباب أولئك الذين اختاروا الثورة.
والعامل الثاني، أن تهديد الميليشيات الإسلامية أيضًا يخيف المسيحيين. فالفصائل الإسلامية السورية فشلت في معالجة مخاوف المسيحيين. وعلى العكس من ذلك، فقد استخدمت هذه الأفكار في كثير من قضايا العنف ضد الأقليات الدينية. وتعتبر الجماعات الإسلامية تهديدًا حقيقيًا لهم، لذا فمن المرجح أن يميل المسيحون مع النظام. وكما هو الحال مع الكثير من الأشياء الأخرى في سورية، فهناك منطقة رمادية. ينقسم المسيحيون في سورية سياسيًا، تمامًا مثل المجتمعات الدينية الأخرى في البلاد، كما لا يمكن التعامل معها على أنها مجموعة متجانسة. وعلاوة على ذلك، لا يمكن تحديد موقفهم السياسي، بأنه لصالح أو ضد النظام، فموقفهم السياسي يتشكل من خلال مصالحها في مجال السلامة والخدمات العامة، ويتأثر وفقًا لمكان تواجدهم، وخاصة درجة العزل الديني، أو عدمه، ووجود تهديد الإسلاميين.


أرسل تعليقك