نادي الجزيرة

تبقى الأندية هي المنصة الرئيسة لإعداد الأبطال، خصوصًا في مراحلهم الأولى، ويتعاظم دورها في الدول العربية، التي ما زالت لم تنتشر بها ثقافة الأكاديميات سواءً الحكومية والخاصة، فالنادي هو المكتشف الأول، والنادي هو مهد الانطلاقة لأي نجم أو بطل، والنادي هو أول بيئة لتحويل اللاعبين من مرحلة الهواية إلى مرحلة الاحتراف، وهو أيضًا الأسرة الأولى، والدائرة الانسانية والتربوية والقيمية للأجيال الجديدة، وفيه يتكون الطموح، وتتسع دائرة الإدراك لأهمية الإنجاز، وتتكون أولى مشاعر الانتماء لدى الأبطال.

وأنديتنا في الدولة وبعد كل مناسبة قارية أو عالمية أو أولمبية تتحول مع الاتحادات إلى مرمى لاستقبال السهام والطعنات، وفي بعض الأحيان تصبح "شماعة" لتعليق أسباب الفشل عليها، ومن هذا المنطلق فقد كان من الضروري أن نخصص إحدى حلقات التحقيق للتعرف إلى دور تلك الأندية في صناعة الأبطال، ولماذا لم تقم بدورها كما ينبغي؟ وأهم التحديات التي تواجهها في هذا السياق على اعتبار أن الألعاب الفردية تعاني الظلم والاضطهاد والتجاهل، في مقابل تغول كرة القدم عليها وابتلاعها كل الإيرادات تاركة لها الفتات.

مسؤولو الأندية في هذه الحلقة من التحقيق يضعون أيديهم على الجرح، ويطرحون وصفات العلاج، ويردون بكل صراحة على من يحملهم المسؤولية الأكبر في تراجع نتائجنا في المناسبات الكبرى سواءً كانت القارية أو العالمية أو الأولمبية، بل وضعوا النقاط على الحروف في المحور الخاص بالعلاقة بين النادي والاتحاد واللجنة الأولمبية، وشخصوا بالضبط أين هو الخلل في آليات تلك العلاقة، وما هو المفهوم الخاطئ الذي يجب أن يصحح، وما هي الإمكانات التي يجب أن تتوفر كي تقوم بدورها المأمول

في البداية يقول محمد حسن السويدي رئيس شركة الألعاب المصاحبة في نادي الجزيرة إن الهيئات الرياضية والمسؤولين عن الرياضة في الدولة لا يبدون الاحترام الكامل للألعاب الفردية إلا من رحم ربي، وإن رياضة الإمارات إذا كانت بها إنجازات في الألعاب الفردية فهي بفضل دعم الشيوخ فقط، وباستثناء ذلك فالكل يتجاهلها، في حين أنها الطريق الأسهل للوصول إلى منصات التتويج، ورفع علم الدولة في كل المحافل.

وقال: "أقولها بكل ثقة، إن الأندية تملك الخامات التي يمكن أن تصقل وتتحول إلى أبطال، نحن في الجزيرة مثلاً لدينا لاعب جودو واعد هو علي الدرمكي عمره 15 عامًا، وقد اكتشفناه في إمارة نائية، واستقطبناه، ونسعى بكل قوة لتوفير البيئة المثالية له حتى يبرز خصوصًا أنه يوجد فيه كل مؤهلات بطل المستقبل، سواءً كانت بدنية أم ذهنية أم شخصية أم نفسية، ونحن واعون لذلك، ونحاول أن نضعه على بداية الطريق الصحيح، ليكمل مشواره مع التحدي لتحقيق طموحات الجميع في تلك اللعبة التي حققت لنا الإنجاز الوحيد في الدورة الأولمبية الأخيرة في ريو دي جانيرو".

وعن الخلل في صناعة الأبطال في الإمارات ومن يتحمل المسؤولية فيها يقول محمد حسن السويدي: "الاتحادات تتحمل المسؤولية بمنتهى الصراحة ليس في الإمارات فقط، ولكن على المستوى العربي، فهي لا تقوم بدورها الصحيح في تبني اللعبات القريبة لتحقيق الإنجازات العالمية أو الأوليمبية، ولا تملك رؤية للمستقبل، ولا برنامجًا للحاضر، وربما تكون تلك الاتحادات مظلومة عندما تقول إنها لا تتلقى الدعم الكافي لصناعة الأبطال على المستويات القارية والعالمية والأولمبية، وهنا نقول إن الهيئة العامة لرعاية الشباب والرياضة تتقاسم معها المسؤولية لأنها لا توفر الدعم الكافي لتلك الاتحادات".

وعن عناصر منظومة صناعة البطل الأولمبي قال: "بداية يجب أن نعترف بأن الألعاب الفردية هي منجم الذهب للعرب جميعًا في الدورات الأولمبية، بدليل أننا لم نحقق أي إنجاز بعد أكثر من 100 عام من المشاركات في لعبة جماعية، في حين أن الـ108 ميداليات التي تحققت لكل العرب عبر التاريخ الأولمبي كلها للألعاب الفردية "المغمورة"، أما عن منظومة صناعة البطل فهي تتكون من 3 عناصر واضحة، والإدارة المحترفة تتقدم هذه العناصر الثلاثة في الأهمية، وأقصد بتلك الإدارة الأطراف كافة بداية من اللجنة الأولمبية وخططها واستراتيجيتها وآلياتها في تحقيق أهدافها، ثم الاتحادات في دورها الفني المهم في ترجمة أفكار واستراتيجيات اللجنة الأولمبية إلى واقع، والأندية التي تعد أجنحة الاتحادات والبيئة الحاضنة للأبطال في المراحل الأولى".
 
وقال: "من بعد الإدارة يأتي دور اللاعب نفسه وشخصيته وطموحه، لأن البطل لا بد أن تتوفر لديه سمات شخصية أولها الانضباط والطموح وقوة الشخصية، والرغبة في النجاح والتحدي، والعنصر الثالث يتمثل في الدعم المالي وهو الذي يسهم في توفير أفضل بيئة تأهيل وتنافس للاعبين، وفرص الاحتكاك العالمية المناسبة لهم بما يسهم في تطوير مستواهم"

وتابع: "إذا كنا نريد تحقيق ميداليات أولمبية فلا بد أن نبحث عن اللعبات الأقرب لذلك، ونوفر لها الاستراتيجية المناسبة، ونتابع الاتحادات في تطبيق تلك الاستراتيجية أولاً بأول وهذا دور اللجنة الأوليمبية، ثم نتابع الأرقام لنتأكد أنها في تحسن مستمر بالمعدلات الزمنية المطلوبة، وعلى اللجنة الأولمبية مع الهيئة مع الاتحادات أن توجد الآليات لتفريغ اللاعبين من أجل مواصلة مسيرتهم الرياضية دون الإضرار بأعمالهم أو دراستهم، والنادي هنأ في ذيل قائمة التأثير في هيئات ومؤسسات الدولة في تفريغ اللاعبين".

وعن الاتهامات المتبادلة بين الاتحادات والأندية واللجنة الأولمبية يقول محمد حسن السويدي: "النادي لا يملك الآليات لإلزام مجالس التعليم أو المؤسسات الحكومية والخاصة بتفريغ اللاعبين، وبالتالي نحن كأندية يدنا "مشلولة" في هذا الاتجاه، وقد وجدنا صعوبة في هذا الأمر مع اللاعب الواعد علي الدرمكي لأنه من كلباء وكان علينا استقدامه إلى أبوظبي، وأن نوفر المدرسة لاستكمال تعليمه، وهو يعيش حالياً بعيداً عن أهله".

وعما تحتاجه الأندية كي تقوم بدورها قال: "لا بد أن يكون هناك قرارات سيادية تدعم صناعة الأبطال وتوفر لهم الظروف المناسبة من تفريغ وإمكانات مالية ومدربين ومشاركات دولية، وأتذكر في الثمانينات عندما كنت لاعبًا لكرة اليد وكانت لدينا استحقاقات قارية حصلت على إذن خاص مدته 3 أشهر لمرافقة المنتخب يضمن لي الغياب عن المدرسة، وعندما عدت من المعسكرات والبطولات لم يحاسبني أحد على الغياب في تلك الفترة، ولكن هذا حدث دون ضمانات قانونية، وبتفهم خاص من المسؤولين في المدرسة ومجلس التعليم الذي كنت أنتمي إليه، وهذا غير مضمون حاليًا، بل العكس هو الذي يحدث، يحاسبون اللاعبين على الغياب ويحاسبون الموظفين على التخلف عن الحضور، ويخصمون منهم الدرجات والمكافآت والترقيات".

وأضاف: "علمت أخيرًا أن هناك توجهًا من اتحاد الجودو لإرسال لاعبنا الواعد علي الدرمكي إلى اليابان في معسكر محاكاة في اليابان مدته عامان، فكيف سنتعامل مع هذا الأمر مع التعليم؟ وكيف نقنع أسرته إلا إذا كانت الحوافز جيدة.