القرود

تتقاسم القرود عمومًا نسبة 98% من الحمض النووي مع البشر، إلا أن قرود "bonobos" تتقاسم أشياء كثيرة مع الفصائل البشرية بشكل أكبر مما يعتقد وخصوصًا في اللغة المشتركة، واكتشف الباحثون الذين يتابعون حياة قرود "bonobos" أنهم يتواصلون معا على طريقة الأطفال الرضع، إذ تستخدم نداءات عالية النبرة تسمى  peeps والتي يمكن تكييفها مع مجموعة من المواقف المختلفة كما تساعد في نقل الحالات العاطفية، ويؤكّد العلماء أنها إشارات مماثلة لتلك التي يثرثر بها الأطفال.

وتساعد هذه النتائج في تقديم رؤية جديدة عن كيفية تطوير البشر لقدراتهم على التواصل من خلال اللغة الأولى المستخدمة، ويُعتقد أن الإشارات التي تستخدمها قرود bonobos تتشابه مع المحاولات الأولى للكلام بواسطة أسلافنا في التواصل مع المجموعات المختلفة.
ودرس الباحثون الهيكل الصوتي للإشارات التي ينتجها قرود bonobos الذين يعيشون في غابات الكونغو ووجدوا أنها متطابقة عند استخدامها مع مجموعة متنوعة من الحالات الإيجابية والمحايدة مثل التغذية والسفر والراحة والنضافة الشخصية، ويشير الباحثون إلى أن القردة يفسرون هذه الإشارات في ضوء السياق الذي تتم فيه، مما يتطلب منهم الوصول إلى استنتاجات ذكية حول المعنى.

وتعكس هذه الطريقة نظيرتها التي يبدأ من خلالها الأطفال الرضع في إصدار الأصوات مثل الهمهمة والثرثرة قبل بداية استخدامهم للكلمات، ويعتقد أن هذه هي الخطوات الرئيسية نحو تعلم الكلام، وتختلف تلك الإشارات عن أصوات أخرى مثل الضحك والبكاء والتي تستخدم بشكل مستقل بمعزل عن الحالة العاطفية والسياق.

وأكّد الدكتور زانا كلاي من جامعة برمنغهام والذي يقود الدراسة "عندما درست قرود bonobos في وضعها الأصلى في الكونغو، دهشت بسبب إشاراتها المتكررة والتي تنتج في سياقات مختلفة، وأضبح واضحا لنا أننا نحتاج إلى فهم السياق والموقف الذي تنتج فيه الأصوات والإشارات حتى يمكننا التفريق بينها وفهم معناها، وكلما نظرنا بشكل أعمق كلما وجدنا تشابها بين الحيوانات والبشر".

وتصدر الكثير من الحيوانات نداءات وإشارات تستخدم فقط في سياقات معينة، وكشف الباحثون الذين يدرسون القرود أنهم ينتجون أصواتًا عالية تعتمد على ما يقومون به في الوقت ذاته، وتقدم الدراسة الجديدة التي نشرت في دورية  journal PeerJ مفتاح الحلقة المفقودة في الخطوات التطورية لاستخدام الحيوانات للغة والتي يستخدمها الإنسان أيضا في سياقات محددة.

وتقترح الدراسة أن هذا الوضع حدث منذ 6 أو 7 ملايين من السنين المنصرمة عندما كان يعتقد أن الإنسان وقرود bonobos لديهم الكثير من الأسلاف المشتركة والتي انشقت عن قرود أخرى، وشوهدت وهي تصنع بعض الأدوات من الفروع والضخور مثل ما كان يفعله الجنس البشري في وقت مبكر، وعلى الرغم من تشابه شكلها مع "الشمبانزي" إلا أنها فصيلة مختلفة عنه وتعيش في مجتمعات بعيدة أكثر سلمية.

وتملك قرود Bonobos 15 نوعًا من الإشارات المختلفة والتي ترتبط بحالات عاطفية محددة مثل الصراخ والتهديد والتحية ودعوات التنبيه، ومع ذلك تبدو هذه الإشارات أكثر مرونة في ظل استخدامها في سياقات متنوعة.

وبين الدكتور كلاي "بالنسبة للأطفال الرضع ترتبط إشاراتهم بتعبيرات الوجه مثل البكاء والضحك، وهي مرتبطة أيضا بالتأثر سلبا أو إيجابا، مما يلقى الضوء على انعزالهم عاطفيا، ومن المثير للاهتمام أن إشارات قرود bonobo  ترتبط أيضا بتعبيرات وجه محايدة حيث تنتج والفم مغلق دون أي تعبيرات خاصة، وتشير البيانات المتوفرة لدينا إلى أن المرونة الوظيفية لها جذور تطورية تسبق تطور الكلام البشري".