تنشئة الجيل

تكثر التحديات في عصر التكنولوجيا والحداثة أمام الأهل والمربين، وتظل التربية هي المسؤول الأول عن تنشئة الجيل؛ على أن تحدي نقل الموروث الثقافي الثمين والهوية الوطنية الإماراتية إلى الأجيال الشابة بشكل عملي وملموس، هو العنصر الأصعب والأهم أمام مؤسسات التنشئة الأسرية في الإمارات.

ولعل الخلط في فهم الحداثة وعصرنة الموروث من أهم القضايا التي تؤرق المربين خاصة أن الأطفال والشباب منفتحون بقوة على أسباب الحضارة والتقنيات بحيث تعد المرجع المعرفي الرئيسي بالنسبة لهم، وشدد مختصون على أهمية تدريب المعلمين في مختلف المؤسسات التربوية وتمكينهم من التعامل مع التقنيات الحديثة، والتركيز على التربية القيمية والأخلاقية في مواجهة عصر العولمة.

التحدي الأكبر
يرى الدكتور أحمد بن عبد العزيز الحداد، كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دائرة الشؤون الإسلامية والعمل الخيري بدبي أن العملية التعليمية ستظل التحدي الأكبر لبناء الأجيال التي يراد لها أن تكون صانعة للحضارة وموجدة للسعادة، وحامية للسيادة، فمتى استطاعت الأمة أن تنشئ جيلاً بهذه المواصفات فإنها ستكون أمة ناجحة راقية، وإلا فإن جميع طموحاتها ستخيب، وقد يكون إنشاء الأجيال بهذه المواصفات عسيراً لدى كثير من الدول لتوقفه على خطط مدروسة، وميزانيات ضخمة، وتضحية كبيرة من الأسر أولاً ومن النشأ ثانياً، إلا أنه يسير جداً على دولة الإمارات العربية المتحدة التي هيأت كل سبل النجاح لهذا المراد العظيم، فخططها الطموحة العشرية والمئوية تقدمت بها عن الأمم المتقدمة، وإمكانياتها المادية قد تكون الأكبر بين دول المنطقة لتحقيق الطموح الكبير الذي لم يقتصر على أرجاء الأرض ظاهراً وباطناً، بل ترقى إلى أجواء الفضاء، ولم يقتصر على الطاقة التقليدية حتى أوجد الطاقة النووية والنظيفة، ولم يقتصر على فهم التقنية الحديثة حتى أبدع في تقنية المعلومات، فضلاً عن الصناعة المدنية والعسكرية المتطورة، وهذا ما يبرهن عليه عمل الجيل الحاضر الذي كان أقل حظاً مما يبذل للجيل الصاعد.

ويتابع الدكتور الحداد: المطلوب، تمكين الناشئة من تحقيق أهدافهم وطموحاتهم فيما يجدون في أنفسهم القدرة على الإبداع فيه، فكلٌّ ميسر لما خلق له، فمنهم من يكون له طموح في العلوم النظرية فهذا لا بد أن يؤصَّل تأصيلاً حميداً من خلال أسس المعارف وبأيدي ربانيين يحسنون صناعة العلم ويعرفون مواطن غرسه، حتى يكونوا متنورين بالمعرفة متمسكين بدينهم الحق السمح الذي فتح المشارق والمغارب بقِيمه وسماحته، ومنهم من له قدرة على فهم العلوم التطبيقية أو التجريبية فهذا بعد غرس قواعد الإيمان وأخلاقياته المثلى في فؤاده؛ لا بد أن تتاح له فرص التعليم المتفوق مبكراً حتى يشب ويترعرع فيه فيتيسر له الإبداع والابتكار، وهو الهدف الاستراتيجي للدولة من التعليم التطبيقي.

 

مواقع التواصل
ويقول الدكتور محمد عبد الرحمن مدير كلية الدراسات الإسلامية والعربية بدبي: لا يختلف اثنان على الدور التربوي الذي تؤديه المؤسسات التعليمية وهذا ما يجعل الجانب التربوي تجاه النشء يكاد يسبق الجانب التعليمي إلا أن هذا الدور يضع تلك المؤسسات أمام تحد كبير تشترك فيه مع مختلف فئات المجتمع والتي تختلف من عصر لآخر، وباعتقادي أن أهم ما يواجه العملية التربوية في عصرنا الحالي هو ثورة تكنولوجيا المعلومات وثورة مواقع التواصل الاجتماعي.

ويضيف: لا يخفى على أحد أهمية تلك الوسائل نظراً لما تلعبه من دور فاعل في الحياة اليومية وبالرغم من الدعوات الكثيرة التي تنبه بمخاطرها إلا أن الواقع يؤكد مكاسبها المتمثلة في سرعة التواصل وسهولة الحصول على المعلومة، وتقوية العلاقات الاجتماعية.

ويؤكد الدكتور عبد الرحمن أن المؤسسات التعليمية ليست بمنأى عن الثورة التكنولوجية نظراً لأهميتها في مجال التعليم وتسهيله على الطلبة، إضافة إلى أن لمواقع التواصل الاجتماعي دوراً يساعد في حل مشكلات تربوية تعزز من جذب المتعلمين وزيادة الرغبة في التعلم، كونها توفر خدمات تعليمية أفضل، تساعد على التعلّم عن طريق تبادل المعلومات مع الآخرين، والمناقشة البناءة.

ويمضى إلى أنها تساعد على تنشيط المهارات لدى المتعلمين، وتزيد من قدرتهم وتحفزهم على التفكير الإبداعي بأنماط وطرق مختلفة.

 

مسؤولية مشتركة
من جهته يقول الأستاذ الدكتور عبدالحفيظ بلعربي رئيس جامعة الفلاح إن أهم التحديات التي تواجه المؤسسات التعليمية والتربوية ما يتعلق بفئة الشباب، والقدرة على استيعاب احتياجاتهم، وقدراتهم، والولوج الآمن بهم إلى عالم التكنولوجيا والتقنيات الحديثة، بما فيها مواقع التواصل الاجتماعي، وشبكات التواصل.

ويشير بلعربي إلى أهمية التعامل مع الطالب بالقدر الذي يهيئ له أساليب التواصل الفعال والآمن مع احترام عقله ومواهبه المختلفة، منوهاً بأن التحدي الحقيقي في هذه المرحلة يكمن في عملية بناء الإنسان، باعتباره الثروة الأغلى، مضيفاً أن ذلك يعد مسؤولية مشتركة بين المؤسسات التعليمية والتربوية والمجتمع ككل.

ويتناول الدكتور بلعربي أهمية تدريب المعلمين في مختلف المؤسسات التربوية وتأهيلهم، وتمكينهم من التعامل مع التقنيات الحديثة، والتركيز على التربية القيمية والأخلاقية في مواجهة عصر العولمة، إلى جانب ضرورة التعامل مع العوالم الافتراضية على أنها باتت واقعاً لا يُمكن تجاهله.