تفسير قوله تعالى "ولقد كرمنا بني آدم"

يتناول علماء مركز الفتوى بالأزهر الشريف اليوم معني الكرامة، من خلال قول الحق سبحانه "وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ" { الإسراء : آية 70}.

الكرامةُ مقوّم أصيلٌ من مقومات الإنسانيّة، ومن دعائم القدرة على السواء في التّعامل، ولقد تعاهد الله الإنسان منذ خلقه بالتّكريم، فخلقه بيده، وأمر الملائكة بالسجود له، إمعانًا في إظهار كرامته على مولاه، قال سبحانه:

"وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ" {الأعراف: آية11} وإتمامًا للكرامةِ فقد خلقه في أحسن صورة، قال تعالى: "وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ" {غافر: 64} ومن إكرامِ ابن آدم أن حباهُ الله العقل والفهم، والنّطق، والقدرةَ على الإبانة، والتمييز، وتدبير أمر المعاش والمعاد، وأن جعله متصرفًا في طيّبات الأرض، كلّها مسخّرةٌ له، ومن أعظم صور التكريم المخاطبة بالشرائع، وحصر التوجه بالعبوديّة إلى الله وحده، وتحرير الإنسانية من أغلال الوثنية، وعبوديّة الفكر، ومن ذلك جعل التّقوى هي المعيار الأساسيّ الّذي يتفاضلُ به البشر، وليس الجنس، أو اللون، أو الصورة، يقول الله تعالى في سورة الحجرات: "إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ" { الحجرات : آية 13} الأمر الذي جهر به النّبي – صلى الله عليه وسلم – مذكرًا في حجّة الوادع: "أَلَا لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى عَجَمِيٍّ، وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ، وَلَا أَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ، وَلَا أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ، إِلَّا بِالتَّقْوَى" فمن أراد الكرامةَ حقّ الكرامة، فليتّق الله، ومن كرامة الإنسان على الله كذلك أن عقد له الخلافة في الأرض، ووكل إليه إعمارها، وحمّله أمانة ومسئولية القيام بذلك على أوفق الوجوه، وربط له ذلك بأهداف عليا محررًا إرادته، ومطلقًا لها العنان في أنْ تشرّق وتغرّب، ما دامت تسيرُ على منهاج الله، إنّ حفظ كرامة الإنسان هو ما تصلح معه المطالبة بالتبعة، وتتحقق به المسئولية، والقرآن الكريم مشحون بالآيات التي تنهى عن ظلم الإنسان، بأي صورة من صور الظلم بما في ذلك النّيل من كرامته، إن النفوس الكريمة تستشرف للمهام الكريمة، وتقهر الصعاب، أمّا ذلك الّذي يرغم الأنفس تحت صنوف المذلة والمهانة فلا أرضًا قطعَ، ولا ظهرًا أبقى.