عاصفة ترابية على سطح المريخ التقطت العام 1977

 لندن ـ سامر شهاب أكَّدَت تقارير صحافية أن العلماء وعلى رأسهم العالم الكيميائي ستيفن بينير يقولون "إننا جميعًا من كوكب المريخ"، وقد أظهرت مقالات مماثلة في الصحف وعلى مواقع الإنترنت هذه المقولة وأدلتها المذكورة في جميع أنحاء العالم. وقالت صحيفة "تلغراف" البريطانية في 28 من شهر آب / أغسطس إن العالم الذي ألهم كل هذه العناوين هو كيميائيّ يُدعَى ستيفن بينير.
وكي يدافع الدكتور بينير عن قوله ادَّعَى أنه شاهد رجالاً صغار الحجم خضرًا لونهم أخضر، ومع ذلك، فإنه يُعد واحدًا من أبرز خبراء العالم بشأن أصل الحياة.
وقال المتخصص في علم المعادن في معهد كارنيجي ومؤلف كتاب "قصة الأرض، روبرت هازن "ستيف واحد من أساتذة علماء الكيمياء العضوية، الذي يعالج هذه المشكلة".
والسبب وراء الاكتشاف الجديد الذي وجده الدكتور بينير هو محاضرة ألقاها في مؤتمر الجيولوجيا في فلورنسا في 29 آب/ أغسطس، وفي أثناء حديثه لم يوجه صور الأقمار الصناعية للقنوات على كوكب المريخ، أو على تلال كوكب المريخ التي تبدو غامضة وتشبه وجه الإنسان.
وبدلاً من ذلك، تحدى زملاءه العلماء بأخذ نظرة فاحصة على الأدلة المتوفرة لدينا بشأن كيف بدأت الحياة.
واعتمادًا على كيفية عرض تلك الأدلة قال الدكتور بينير: قد يكون المريخ أكثر مكان يمكن بدء الحياة عليه من الأرض".
وأفضل وسيلة لتحديد الجواب الفعلي ما أوضحه الدكتور بينير "يجب أن ننظر إلى أنواع معينة من المواد الكيميائية على كلا الكوكبين".
وقال الدكتور بينير، وهو زميل متميز في معهد" Westheimer/ ويستيمر"، في مؤسسة "Foundation for Applied Molecular Evolution"، المنوطة بتطبيق التطور الجزيئي، في غينسفيل في ولاية فلوريدا، في مقابلة عبر الهاتف بعد عودته من إيطاليا "أنا حقًا لم يكن لديّ حيلة في هذه المعركة، ويمكن أن تذهب في أيّ من الاتجاهين، وسأكون سعيدًا في أيّ حال من الأحوال بالقدر ذاته".
وعلى مدى السنوات القليلة الماضية جمع الدكتور بينير وزملاؤه الأدلة، والتي يمكن من خلالها الإشارة إلى أن المواد الكيميائية أصبحت مسألة حياة، فالمركبات العضوية الصغيرة يمكن أن تتفاعل مع بعضها بعضًا لتقدم شكل سلسلة أو خيوط، والجزيئات تتكاثر ذاتيًا.
وهذه الخيوط، والمعروفة باسم "RNA" الحمض النووي الريبي، يتّحد ويشترك في وقت لاحق إلى مستويين: الحمض النووي الذي نعمل عليه وغيرنا من الكائنات الأخرى لترميز وفك شفرات جيناتنا.
وفي التجارب الكيميائية، أثبت الدكتور بينير وزملاؤه حدوث العديد من التفاعلات في هذا المسار، ولكنهم اكتشفوا أيضًا حواجز وعقبات في الطرق.
فعلى سبيل المثال، سلائف الحمض النووي الريبي يمكن ربطها بكثير من الطرق، بعضها جيد وبعضها سيئ، في حين أن بعض ردود الفعل يمكن أن تقود الجزيئات العضوية نحو الحمض النووي الريبي "RNA"، والعديد من الآخرين يمكن تحويلهم إلى قطران لزج.
واكتشف الدكتور بينير وزملاؤه أن هناك معدنًا يسمى بورات يمكن أن يساعد الحياة في التغلب على هذه العقبة، ومن خلال ارتباطه بسلائف من الحمض النووي الريبي يقوم بورات بمنع الجزئيات من التفاعل بطرق مدمرة، لذلك هم أكثر عرضة لتشكيل مركبات يمكن أن تؤدّي في نهاية المطاف إلى نشوء الحياة.
ولكن حتى في وجود عنصر البورات وجد الدكتور بينير وزملائه أن هذه السلائف لا يمكنها أن تصنع بعض التغييرات النهائية التي يمكن تحويلها إلى حمض نووي ريبي.
وأخيرًا وجد الباحثون وسيلة للخروج من هذا المأزق، وهو معدن يُسمى مولبيدات يمكن أن يتفاعل مع العناصر الأولى لمساعدتهم في أن يحصلوا على الحمض النووي الريبي.
وفي الوقت الذي قد تعمل فيه هذه الكيمياء في المختبر، مع ذلك، قد لا تعمل في العصور المبكرة على الأرض.
وقال الدكتور هازين وجيولوجيون آخرون "إنه من غير المحتمل أن عنصر البورات أو عنصر مولبيدات الأمونيوم كان وفيرًا على هذا الكوكب".
واليوم، تم العثور على عنصر بورات في الصحاري التي تشكلت بعد تبخر البحار الكبيرة، لكن الصحاري قد لا تكون موجودة قبل 4 مليار سنة، وهناك عدد من الدراسات تشير إلى أن الأرض في العصور الأولى تمت تغطيها بالماء، وكان هناك عدد قليل من القارات.
أما بالنسبة إلى عنصر مولبيدات الأمونيوم، فإنه تشكل فقط في وجود الأكسجين، ويظهر الغلاف الجوي للأرض في وقت مبكر أنه كان تقريبًا خاليًا من الأكسجين.
وفي هذه اللحظة، يبدو كوكب المريخ أكثر تبشيرًا ومرجوًا منه بالنسبة إلى الدكتور بينر، وتوحي الأدلة التي جمعتها الأقمار الصناعية أن كلاً من المحيطات والقارات كانت موجودة في وقت مبكِّر من الحياة على كوكب الأرض، وتحت هذه الظروف تشكل عنصر البورات.
وظهرت فى شهر حزيران/ يونيو هذا العام الكثير من الأدلة التي تدعم هذه الفكرة، فبعد دراسة نيزك من المريخ قال علماء في جامعة هاواي "إنه يحتوي على مستويات عالية من البورون، وهو مكون من مكونات عنصر البورات".
وأظهر أيضًا الغلاف الجويّ لكوكب المريخ في وقت مبكر علامات تشير إلى وجود الأكسجين، مما يتيح لتشكيل عنصر مولبيدات.
ومع التزود بكل من بورات وموليبدات، فإن المريخ ربما يكون مكانًا مفضلاً لظهور وخروج الحمض النووي الريبي "RNA"، وبدء الحياة.
ويمكن لتأثيرٍ عملاقٍ على سطح الكوكب الأحمر أن ينفض الصخور المحملة بالميكروب، التي وقعت على الأرض في وقت لاحق.
وفي محاضرته الأخيرة، لم يقدم دكتور بينر هذه الحجة كدليل أننا ننتمي إلى كوكب المريخ، وبدلاً من ذلك، قدم طريقة لتنظيم تفكيرنا عن أصل الحياة، وكانت إحدى محاضراته بعنوان "شجرة المنطق"، عرضت سلسلة من الأسئلة مرتبطة بأن العلماء يتعيّن عليهم أن يسألوا أنفسهم.
والسؤال الأول هو، هل بدأت الحياة كحمض نووي ريبي RNA؟ وإذا كان الجواب بالنفي، حيث يعتقد بعض العلماء أن يكون الأمر كذلك، فإن عليهم التعامل مع مجموعة مختلفة من التحديات لتفسير أصل الحياة.
وللعلماء الذين يقبلون أصل الحياة القائم على الحمض النووي الريبي، فهم في حاجة إلى العثور على كيمياء لتقديمه.
وبالنسبة إلى الدكتور بينر فهو لديه فرضية واحدة: إذا لم يرغب العلماء في ذلك، فإن الأمر متروك لهم لإيجاد بديل، وهو ما فعله في الواقع علماء آخرون.
وإذا كُنت تقبل الكيمياء الخاصة بالدكتور بينر فعليك أن تجد مكانًا فيه أكسجين وأرض جافة حيث يمكن أن تكشفها، وإذا لم تكن الأرض في وقت مبكر تلبي تلك المعايير فعلينا أن نبحث في مكان آخر.
وقال الدكتور بينر "هذا هو المنطق الذي يدفعك إلى المريخ".
وقال الدكتور هازين، الذي دعا الدكتور بينر لتقديم محاضرة في إيطاليا،: "إنه قدّم مبررًا منطقيًا جيدًا"، وأشاد باقتراحات الدكتور بينر المحدّدة بشأن ما هي الأدلة التي ينبغي على الجيولوجيين أن يبحثوا فيها لمعرفة الطريقة التي ينبغي أن نذهب بها إلى شجرة المنطق.
ويأخذ دكتور هازين أفكار الدكتور بينر على محمَل التحدّي في العثور على أدلة لاختبار أفكارنا عن أصل الحياة، وهو يدرس الآن صخورًا يعود تاريخها إلى 3.8 مليار عام من غرينلاند، والتي يوجد في داخلها معادن البورون، وإذا وجد البورون ذات مرة وكذلك عنصر البورات في الصحاري، وهو شيء يشكّ فيه الدكتور هازين، فإنه قد يكون هناك بعض القرائن وراء هذه الصخور.
وقال الدكتور هازن "أريد أن أثبت نفسي مخطئًا قبل أن يفعل ذلك شخص آخر".
وإذا توصل بحث الدكتور هازن إلى  النتائج، فإن الدكتور بينر سوف يتخلى بسعادة عن فكرة أن أسلافنا بدؤوا على الكوكب الأحمر، وقال " لدي كل الصحاري التي أحتاجها، وليس عليَّ أن أذهب إلى المريخ.