صنعاء القديمة مدينة تسحرك بجمال معمارها التقليدي الذي يحكي تاريخ هذه البقعة التليدة، وشوارعها الضيقة ومبانيها المتلاصقة تبدي من المدينة نمطا خاصا بها يختلف عن كل ما قد تراه عيناك في العالم الفسيح.  أهم ما يميز المدينة القديمة كثرة المساجد بها، فلا تنظر إلى أي اتجاه إلا وتشمخ أمامك مئذنة مسجد تعظم فيه شعائر الله، وتأتلف فيه قلوب المؤمنين، ويلتمسون فيه العلم وحفظ وتلاوة القرآن الكريم.  لكن أشهر هذه المساجد على الإطلاق وأقدمها هو ما يعرف بـ"الجامع الكبير"، الذي يتبوأ مكانة خاصة في أفئدة اليمنيين والمسلمين منذ فجر الإسلام حتى الآن. لبناء هذا الجامع قصة حفظها التاريخ، وسجلت في كتب الأئمة والباحثين والمؤرخين، وهناك روايات تنسب إلى الرسول الكريم محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم.  فالروايات تؤكد أن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم هو من أمر ببناء هذا المسجد في العام السادس للهجرة، أي قبل فتح مكة، وبالتالي يعد من أقدم المساجد في الإسلام، وأول مسجد يبنى في اليمن بحدودها المعروفة حاليا.  رئيس هيئة علماء اليمن الشيخ عبد المجيد الزنداني تحدث للجزيرة نت عن قصة هذا المسجد، وقال إن الرسول صلى الله عليه وسلم أرسل رسلا إلى أهل اليمن لدعوتهم إلى الإسلام، ومن بين هؤلاء وبر بن يُحنَّس الخزاعي الذي أرسله النبي إلى صنعاء وأمره أن يبني لهم مسجدا.  ويضيف الشيخ الزنداني أن النبي الكريم لم يكتف بأمر البناء، وإنما حدد موقعه وكيفية تحديد القبلة، فطلب من الخزاعي بناء المسجد في بستان باذان -وهو قائد فارسي كان يحكم اليمن ويتخذ من قصر غمدان مقرا له- وأن يجعل قبلته عن يمين جبل اسمه ضين، يبعد عن شمال صنعاء بثلاثين كيلومترا. ويرى الزنداني أن هذا التحديد يمثل إعجازا علميا للرسول صلى الله عليه وسلم، فقد أثبتت البحوث التي أجريت على المكان واتجاه المسجد بتقنيات العصر الحديث أنه يقابل البيت الحرام مباشرة، وهي تقنيات بالتأكيد لم تكن متوفرة في ذلك العصر.  بني الجامع الكبير على أنقاض قصر غمدان، وأبواب الجامع الفولاذية ترجع لقصر غمدان وعليها كتابة بخط المسند. وقال يحيى الخولاني مرشدنا داخل المسجد إن الجامع الكبير شهد كثيرا من التوسعات على مر العصور، تسببت في طمس بعض الآثار القديمة، وإن العمل جار الآن لإظهارها من جديد.  وأوضح أن هذا المسجد يشهد إقبالا كثيرا من المسلمين والسياح، ويرتاده طلاب العلم الذين يدرسون على يد عدد من العلماء الكبار أصول الفقه والشريعة والتفسير وغيرها من العلوم الدينية إضافة إلى تحفيظ القرآن الكريم. بالمسجد الكثير من الكتابات والمباني التي ترجع إلى عصور مختلفة، وتحتفظ بعض أقسامه بشكلها القديم، بينما ساهمت التوسعات المتتالية في استيعاب الأعداد الكبيرة من المصلين والدارسين. يشار إلى أن بعثة آثار فرنسية كانت تقوم بعملية ترميم لأجزاء من المسجد بالجهة الجنوبية، عثرت على كنز أثري هام مخبأ في سراديب. ويتمثل هذا الكنز في 12 نسخة مخطوطة من المصحف الشريف، بينها مصحف بخط الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه، بالإضافة إلى نحو آلاف من المخطوطات الإسلامية.