اجتمعت أوركسترا الشباب العربي "الفلهارموني"، التي يتوزع أعضاؤها على سبع دول عربية، في العاصمة برلين من أجل العزف لعالم عربي يعمه التعايش السلمي. ورغم وطأة الواقع السياسي المؤلم إلا أن آمال كبيرة تحدو العازفين الشباب ستون عازفا وعازفة من سبع دول عربية يتتبعون حركات ذراعي قائد الفرقة الموسيقية الألماني هاينر بولمان وتعبيرات وجهه، وهم يعزفون السيمفونية الثامنة للموسيقار التشيكي أنتونين ليوبولد دفورجاك، استعداداً لحفلتهم الكبيرة في قاعدة كونتسرتهاوس البرلينية بدعم من وزارة الخارجية الألمانية التقت أوركسترا الشباب العربي "الفلهارموني" المكونة من عازفين من مصر والجزائر والبحرين ولبنان وسوريا وتونس والأراضي الفلسطينية، للمرة الأولى لإجراء تدريباتها في برلين. ويتكون ريبورتوار الفرقة من قطع موسيقية أوروبية وأعمال عربية. عن ذلك تقول عازفة القيثارة المصرية تقى صلاح الدين (22 عاماً): "أنا فخورة بأن تتاح لي فرصة العزف منفردة في أوركسترا للمرة الأولى. إنها تجربة كبيرة بالنسبة لي""تعد أوركسترا الشباب العربي الفلهارموني مثالاً على حلم التعايش السلمي في العالم العربي، الذي تشهد العديد من بقاعه اضطرابات كبيرة، تقود إلى مصير مجهول"، يقول الدكتور فوزي الشامي، مؤسس الأوركسترا الشبابية، ويضيف متفائلاً أنه "لهذا السبب بالتحديد تبقى هذه الفكرة فكرة عظيمة"ويتابع الشامي، الذي كان يشغل في السابق منصب مدير المعهد الموسيقي في القاهرة: "من الطبيعي أن يتحدث العازفون الشباب خلال الاستراحات كثيراً عن السياسية. فالجميع يريدون العيش بسلام. يسألون عن خلفيات الصراعات العربية، وأسبابها، وعن أمور لا يمكن فهمها من خلال برامج التلفاز. وهذا التبادل مهم للغاية، لأنه يدعم سلاماً صغيراً في مجموعتنا. وكل هذه الطاقات الإيجابية نظهرها على المسرح خلال عزفنا!"الهروب إلى الموسيقى بحيرة يصف عازف التشيلو السوري سومار اشكار من دمشق الوضع الراهن في بلده: "الأخبار سيئة للغاية"، ويضيف بالقول: "حياتنا باتت حقا صعبة هناك، لم يعد الأمر كما كان. لكن لا أحد يعرف ماذا يمكننا أن نفعل. ننتظر فقط. لكن ننتظر من؟ يجب أن يحدث شيء ما... يجب أن تتوقف كل هذه المآسي، وكل هذا القتال. نتمنى أن يحل السلام"خاض العازف الشاب رحلة صعبة إلى برلين برفقة زملائه السوريين في الأوركسترا عن طريق لبنان. في برلين يهربون من واقع بلادهم المأساوي إلى الموسيقى. "في الماضي كنا نشعر بالسعادة في كل جلسة تدريب، لكن الحرب سلبتنا ذلك أيضاً. وعلى الرغم من ذلك فإننا لا نستسلم. أصارع كل هذه المآسي من خلال الموسيقى. أحاول مع زملائي هنا باستمرار إسعاد الناس وأجعلهم ينسون ما يحدث في سوريا"أسئلة مفتوحة تقول عازفة الكمان المصرية ياسمين اسوم الزرافي: "قرابة 30 بالمائة من العازفين هنا يأتون من سوريا. أردت أن أعرف منهم من يقف إلى جانب الأسد ومن يقف ضده وماذا يحدث هناك بالتحديد". تطرق ياسمين برأسها صامته، ثم تضيف: "سألتهم لماذا يوجد في الجيش عدد كبير من السوريين ويستهدفون المدنيين أيضاً؟ لا أحد يفهم السبب. لماذا لا يقاتلون ضد الأسد؟ لا أحد يعرف السبب"ينبغي على الموسيقى أن تغير حياة الناس. "في الموسيقى لا يوجد خطأ أو صواب"، يقول المايسترو المصري الشاب كليم سمير ساله (22 عاماً)، الذي يدرس منذ أربعة أعوام عند عازف الكمان البرليني كوليا بلاخر. "حتى وإن كنا نحن العرب نضفي على الموسيقى الكلاسيكية طابعاً آخر، فإن مع قائد الفرقة هاينر بولمان نجد حلاً مناسباً. نميل دائماً إلى العزف بشكل بطيء بعض الشيء، لكنه يحثنا باستمرار على العزف بشكل أسرع"مزيد من الوقت ويضيف المايسترو الشاب: "أنا شخصياً لا أتحدث كثيراً عن السياسة، فهناك دائماً رأيان وكل منهما على حق"، مضيفاً: "وهذا ما يكون سبباً في قدر سيء، لذلك فأنا أفضل أن استغل هذا الوقت في التفكير بالموسيقى. الوضع السياسي لم يعد يثير اهتمامي، لأنه ليس على ما يرام، وهذا ما يمكن لأي شخص أن يدركه بسهولة"وكهدية جلبها العازفون الشباب من بلدانهم لجمهورهم الألماني فإنهم سيعزفون قطعة موسيقية للموسيقار المصري عطيه شرارة، تعود إلى عام 1978، وهي خليط من ألحان معروفة من مصر والمغرب والأردن وليبيا وسوريا ولبنان. بعد تصفيق طويل ينزل العازفون عن المسرح، وتبدو السعادة بادية على محياهم يقول مدرس الموسيقى المصري فوزي الشامي: "همومنا كبيرة. في مصر كنت أذهب كل يوم برقة طلابي إلى ميدان التحرير. وحينما نعود من ألمانيا سنذهب إلى ميدان التحرير من جديد". أما المايسترو الشاب فيقول من جانبه: "يحدوني أمل كبير. نحن بحاجة إلى مزيد من الوقت فقط"