قصة إسلام أم المؤمنين مارية القبطية


في شهر رمضان المبارك تصفو القلوب، وتجدد النوايا، ويصدق العزم، وتتطلع النفوس لمعالي خصال الخير والعطاء، والبذل والعبادة، والعاقل من استنفد وقته وجهده في استثمار فرص الزمان، وإن كانت سير الصحابة والصحابيات الكرام، ومناقب العلماء والعالمات، أحد الملهمات لعلو الهمم، فلنقطف من سيرتهم العطرة، ما يمكننا أن نطبقه في حياتنا، فننال به خيري الدنيا والآخرة.. ويطيب لنا الحديث اليوم عن إحدى أمهات المؤمنين، وهي السيدة ماريا بنت شمعون، والتي أنجبت لرسول الله ثالث أبنائه الذكور، إبراهيم الذي توفي وهو طفل صغير.

وقال فضيلة الدكتور محمد عبدالرحمن الريحاني، عميد كلية دار العلوم في جامعة المنيا، إن مارية كانت مملوكة بعقد اليمين، وقبل أن يدخل بها النبي أعلنت إسلامها، حتى لا يقال إنه تزوج بنصرانية، فبمجرد وصولها إلى المدينة المنورة قالت: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك يا محمد رسول الله، فسألها النبي ما الذي دفعك إلى الإسلام؟ فقالت له: يا رسول الله لقد أرسلوا معي رجالًا من أصحابك من مصر إلى المدينة، والله كانوا أشد أمانًا على عرضي من إخوتي، فقلت: إن الذي ربى هؤلاء الرجال على تلك الأمانة لا يمكن أن يكون بشرًا عاديًا، إنما هو رسول من الله حقًا وصدقًا، وآمنت..

وأضاف الريحاني أن السيدة مارية أسلمت قبل وصولها للمدينة، بدعوة من رسول رسول الله "صلى الله عليه وسلم"، وهو حاطب بن أبي بلتعة، فقد بعث المقوقس صاحب الإسكندرية إلى رسول الله "صلى الله عليه وسلم" في سنة سبع من الهجرة بمارية وبأختها سيرين، وألف مثقال من الذهب، وعشرين ثوبًا لينًا، وبغلته الدُلْدُل، وحماره عُفَيْر، ويقال يعفور، ومعهم خصي يقال له مأبور، شيخ كبير كان أخا مارية، وبعث بذلك كله مع حاطب بن أبي بلتعة، فعرض حاطب بن أبي بلتعة على مارية الإسلام، ورغبها فيه، فأسلمت، وأسلمت أختها، وأقام الخصي على دينه حتى أسلم بالمدينة في عهد رسول الله، ولما حملت وضعت هناك وقبلتها سلمى مولاة رسول الله، فجاء أبورافع زوج سلمى فبشر رسول الله صلى الله عليه وسلم بإبراهيم ، فوهب له عبدًا، وذلك في ذي الحجة سنة ثمان هـ.

قبطي تعني مصري
ذكرت كتب التاريخ أن السيدة مارية بنت شمعون قبطية - أي مصرية - لأن كلمة قبطي حدث لها انحسار دلالي؛ إذ هي في الأصل تطلق على جنس سكان مصر؛ أي تساوي النسبة للمكان أولًا، ولما كانت مصر في العهد الروماني يسود فيها الدين المسيحي نسبة إلى رسول الله عليه أفضل السلام وأتم التسليم عيسى بن مريم؛ لأنها كانت تابعة للإمبراطورية الرومانية التي كانت تدين بالمسيحية تداخلت دلالة النسبة إلى المكان بالنسبة إلى المعتقد السائد فكانت الدلالة التابعة أظهر في ذهن الكثيرين من الدلالة الأصلية وحركت الكلمة التصور الذهني أن كل قبطي مسيحي، وهذا ليس صحيحًا فكل قبطي مصري، وليس كل قبطي مسيحيًا، كما لو قلنا القياس عن كل رومي يسكن روما نسبة إلى المكان وليس للمعتقد.

مارية مصرية أصيلة

فالسيدة مارية مصرية أصيلة ولدت - كما تذكر الكتب التي تعقبت سيرتها – في محافظة المنيا بشمال صعيد مصر في مركز ملوي بقرية الشيخ عبادة، والتي كان يطلق عليها قرية  "حفن" من كورة أنصنا، ويقال إن أصل القرية كان يطلق عليها في العهد الفرعوني "بسا" نسبة إلى إله قديم عند الفراعنة، ثم أقيم عليها بعد ذلك مدينة "هينوآتي" وهو اسم للطبيب الخاص لرمسيس الثاني، وجاءت تسمية "حفن" للقرية في العصور التالية بعد العهد الفرعوني، وبعد أن فتح عمرو بن العاص مصر عام 20هـ ثم عام 21 هـ كان ضمن الجيش الفاتح الصاحبي الجليل عبادة بن الصامت الذي انطلق مع الجيوش بعد موقعة البهنسا إلى الجنوب بتتبع فلول الرومان بالصعيد، ولما وصل إلى قرية "حفن" عرف من الأهالي هناك أنها مسقط رأس السيدة مارية بنت شمعون زوج رسول الله "صلى الله عليه وسلم" فقرر الاستقرار فيها وبنى على بيت أسرتها مسجدًا يحمل اسمه وتحول اسم القرية إلى قرية الشيخ عبادة نسبة للصحابي الجليل وهو اسمها الحالي.