الشيخ عبد الباسط عبد الصمد

رغم توحش الارهاب العميل وضرباته التي ادمت القلوب المؤمنة في مشرق الأمة ومغربها وسقوط عشرات القتلى والجرحى جراء هذه الضربات الغادرة في الكويت وتونس، فإن ثقافة الوسطية المصرية التي تتجلى الآن في شهر رمضان الفضيل ستبقى في طليعة قوى المقاومة لهذا الارهاب الذي يكشر عن أنيابه.

وهذه الثقافة بأبعادها الايمانية وذائقتها الجمالية تتبدى في الابداع المصري في فنون التلاوة القرآنية والتفاف المصريين للانصات لأصوات جميلة في عالم التلاوة وفي مقدمة هذه الأصوات الخالدة محمد رفعت وعبد الباسط عبد الصمد ومصطفى اسماعيل.

وواقع الحال ان هذه الظاهرة المصرية الأصيلة تكشف عن حقيقة الروح المصرية العاشقة للجمال كمنحة ربانية وهبها الخالق للبشر وتطلع المصريين دوما للسماء طالبين عون ورحمة الواحد الأحد واحتفالهم في الوقت ذاته بالحياة والسعي لمنحها معان تتسق مع المواريث الحضارية المتراكمة على ضفاف النيل.

ويقول الكاتب والشاعر الكبير فاروق جويدة ان المصريين عرفوا التوحيد قبل الرسالات السماوية، لافتا في الوقت ذاته الى انه "حين نتحدث عن الأديان والرسل والأنبياء يجب ان نبقى في منطقة من التقدير والاجلال لأن الشطط في هذه المناطق يتعارض تماما مع مكونات الانسان المصري الذي كان دائما مؤمنا قدريا يضع البذور في الأرض وينتظر رحمة السماء".

ويؤكد جويدة على ان هناك ايادي خفية تعبث في الخفاء وقوى خارجية تشجع الاقتتال بين المسلمين والصراعات المذهبية مثل الصراع بين السنة والشيعة بينما ينوه الكاتب والباحث المصري نبيل عبد الفتاح "بأنماط من التدين المتسامح" للمصريين.

انها انماط "تبدو غالبة رغما عن اقنعة الحياة ومخاتلاتها وغوائلها التي واجهت المصري ولاتزال ولايملك سوى ايمانه بالله في عمق اعماقه لأنه وارث تاريخا مديدا من التجارب الايمانية الفردية والجماعية تداخلت في وعيه الفردي والجمعي وارتبطت بتراثات حضارية وثافية استثنائية في غالب التاريخ الانساني".

ويتابع نبيل عبد الفتاح ليتحدث عن "الايمان المصري الذي يحمل في اعطافه البهجة وعشق الجمال وحب الحياة والبناء والتسامح والمغفرة والستر ورفض اليأس والأمل الدائم والمستمر واللانهائي في رحمة الله ودعمه لهم"، مضيفا في طرح بجريدة "الأهرام": "من هنا يبدو غريبا على روح مصر والمصريين سعي البعض لاستيراد انماط مغايرة من تعبيرات وسلوك الايمان الايمان الذي يحاول اقامة خصومة وقطيعة بين مواريثهم الايمانية وتراثهم الثقافي وسلوكهم".

واعتبر نبيل عبد الفتاح ان بعض الغلاة حاولوا استيراد انماط ايمانية ودينية تجافي الايمان المصري الفردي والجماعي "كي يقتلوا البسمة والبهجة والروح الساخرة ونكاتها التي ابتدعها المصريون ليواجهوا غوائل الزمن ومصاعبه" مؤكدا على ان هذه المحاولات "تتصادم مع ثقافة الايمان المصري المعتدل".

من هنا-كما يقول نبيل عبد الفتاح- لايزال صوت محمد رفعت ومصطفى اسماعيل والشعشاعي والحصري وعبد الباسط والمنشاوي والبنا "تعبيرا عن الايمان المصري ولايزالون ملء السمع والوجدان وتسمع اصواتهم الجميلة حيثما كان هناك مؤمن بالدين الاسلامي العظيم "فثمة عشق لفن التلاوة المصري ومحموله الايماني الاعتدالي المتسامح والمؤسس على البهجة الايمانية".