الشاعر اللبناني أنسي الحاج


ليست تجربة شعرية عادية تلك التي قدمها الشاعر اللبناني أنسي الحاج، الذي صادفت أمس الذكرى السنوية الثانية على رحيله، فقد حمل الشعر الوجداني الى مصاف التأمل، فبرزت كتاباته بمنحى فلسفي وتأملي، وكان أبرزها في هذا الصدد "خواتم" الذي قدمه في ثلاثة أجزاء.

وابتعد الحاج في هذه التجربة عن اللغة الشعرية، لصالح الجملة القصيرة، أو المكثفة، التي تبرز توهج الفكر، وخلاصة التجربة، فهي لغة وجيزة أكثر من كونها موجزة، ومقتضبة لا قصيرة. هنا يستحضر الكاتب النثر بأسلوب جذاب، وشديد الطواعية، متمكنًا من جعله تجربة نثرية لا تقل جمالًا عن تجربته الشعرية من حيث الابداع، فاللحظة النثرية هي اللحظة الشعرية نفسها، لكنها تأتي بأسلوب ذي كلام مخفف.

وحمل الشاعر الراحل في "خواتم" الكثير من القضايا، لكن هلع الكتابة كان حاضرًا، لاسيما في الشق الثالث، الذي واظب على نشره في صحيفة "الأخبار" اللبنانية. اللافت في هذه التجربة أنه لم يقدمها على أنها بديل للشعر الذي كان مقلًا في كتابته في المرحلة الأخيرة من عمره. ويمكن التأكيد على أن أبرز ما ميز تجربته الأدبية هو الازدواجية، فهو من جهة الشاعر الذي يواجه اللغة ويبحث فيها عن كل ما هو غير مألوف، وكذلك لا يتوانى عن إبراز انتمائه إلى المدرسة النثرية الجمالية، وإلى فن المقال، وهذا على غرار مجموعة من أدباء سبقوه في هذا المجال.

ويمارس الحاج أقصى أحوال الحرية في "خواتم"، فيبرز الجوانب الاحتجاجية، والتمرد، والرفض، لكن كل ذلك يستحضره في إطار يبرز عمق الثقافة والمعرفة لديه. وتقع هذه الكتابات تحت ما يسمى الكتابة المتشظية، أو المتفتتة، التي فرضت نفسها منذ عهد الرومنطيقيين الألمان والمعروفة بكونها فنًا أدبيًا منفتحًا على أفضية شاعرية لامتناهية.

ومضى أنسي الحاج في هذه الكتابات بجرأته المعهودة، فهذا الكاتب الذي استهل كتاباته في ديوان "لن" بصرخة "نحن في زمن السرطان، هنا ومن الداخل"، أنهى تجربته مع "خواتم"، الذي كان كما لو انه خواتيم الكلام وختام التجربة، إذ جمع فيها بين كثافة الشعر، وتلقائية النثر، وقوة الخاطرة، هذا الأسلوب جعله يتميز في علاقته مع الوقت الذي يعالج قضاياه، فيبدو كما لو أنه شاعر المستقبل حتى بعد رحيله.