إسطنبول

من دون شك، لم أفكّر مرتين عندما تلقيت دعوة لزيارة اسطنبول المدينة التركية النابضة بالحياة، المنشطرة الى قسمين، أوروبا في مواجهة آسيا، تجمعهما جسور تطفو فوق مضيق البوسفور. 
وصلت المدينة مع شروق الشمس، فكان المشهد سِباقًا بين الحركة الإنسانية والحركة الطبيعية... كلتاهما ترغب في بسط سلطانها على المدينة، فيما هي بشطريها تغسل وجهها بمياه البوسفور غير آبهة بالوقت وسيرورته، إذ يكفيها أنها تحضن كل أسرار الإمبراطورية العثمانية، بانتصارتها وانكساراتها، مدينة وفيّة لمؤسس الجمهورية التركية الحديثة مصطفى كمال أتاتورك، وفي الوقت نفسه فخورة بأمجاد سلاطينها وولاتها.


اليوم الأول

مبيت في قلب اسطنبول 
لحوالى 30 دقيقة كانت السيارة تسير بمحاذاة البوسفور على الطريق السريع، لتدخل في شوارع ضيّقة مرصوفة بالحجارة، فيما البيوت والحوانيت فيها كانت تتأهب للاستيقاظ بحركة خجولة وكسولة بعض الشيء. توقفت السيارة أمام مبنى تاريخي، بوابته جعلتني أشعر بأنني أقف أمام بوابة الباب العالي أنتظر فرمان من يسكنه، ولكن لا، إنه فندق الفورسيزونز السلطان أحمد. 
عند مكتب الاستقبال، رحّب بي الموظفان بلغة إنكليزية ممزوجة بلكنة تركية، ولكم أن تتخيّلوا عبارة Welcome To Four Seasons Sultanahmet  ... عبرت أروقة الفندق الحاضن للتاريخ، والتصميم العثماني التقليدي المطعّم ببعض الفن النيو- كلاسيكي، وكان العبور سردًا قصيرًا لتاريخ هذا الفندق من جانب الموظف، حيث قال لي إنه كان سجنًا شُيّد في بدايات القرن العشرين. نعم كان سجنًا، والجناح الذي سأبيتُ فيه ليلة واحدة، يمكن وصفه باختصار: «الترف في حضن التاريخ». كانت غرفتي تُشرف على الحديقة التي يحاصرها مبنى الفندق من جهاته الأربع. 
بعدما نلت قسطًا من الراحة، نزلت لأحتسي القهوة في المطعم الذي يتوسط الحديقة الغنّاء، والذي صُمّم بشكل دائري بأبواب زجاجية. 
رافقتني في قهوتي مجموعة طيور، يبدو أنها تنتظر ترك الزبائن طاولاتهم حتى تنقضّ على ما تبقّى من طعام. أما أنا فكنت أتأمل في واجهة الفندق المطلية بالأصفر الخردلي، فيما البرج بقي على لونه الأصلي. 
إنه برج المراقبة حيث كان الجنود يترصدون السجناء أثناء فسحتهم في باحة السجن التي أصبحت اليوم حديقة تحضن كل أنواع الزهور والجمال، وأتناول فيها قهوتي من دون رقابة حرّاس وإنما طيور تتقافز من حولي بكل جرأة. 
بعدما انتهيت من قهوتي التركية، اتصل بي وليد منظّم الرحلة، وسألني عما إذا كنت أرغب في اكتشاف محيط الفندق. بالطبع، لم أتردّد للحظة. 
فعلى بعد خطوات من الفندق، يقع الجامع الأزرق وآيا صوفيا وقصر توبكابي، وأسواق البازار المتفرّعة من الساحة الرئيسة المعروفة بميدان السلطان أحمد. 
كانت الحركة قد بدأت تدبّ في الساحة بشكل سريع... الباعة المتجولون في كل مكان، والسيّاح من مختلف الأجناس والأعراق يتناولون فطورهم من أكشاك طعام الشارع وباعة الكعك، أو «الباغل التركي» الذين كانت لهم الغلبة. جلنا في أسواق البازار أسواق البازار إلى أن صرنا على مشارف بوابة البازار الكبير، حيث جذبنا محل العصير، فاخترنا عصير الرمّان الطازج. لم ندخل البازار لأن المرشد السياحي أحمد كان ينتظرنا في الفندق ليصطحبنا إلى تفاصيل المدينة التركية بوجهيها التاريخي والعصري.

توبكابي هنا عاش سلاطين الإمبراطورية ومن هنا انطلقوا في فتوحاتهم وحكموا...
كان أحمد يتكلم العربية بطلاقة، وبالتالي كان من السهل جدًا التواصل معه. وجهتنا الأولى كانت نحو قصر توبكابي، وتعني «باب المدفع». مشينا إليه واخترقنا بوابته الكبيرة لنفاجأ بأننا دخلنا إلى مكان أقرب إلى مدينة صغيرة منه إلى قصر، فاجتزنا الحديقة التي تغصّ بالزوّار. 
والحديقة الأولى، الدخول إليها مجاني. فوفق أحمد، خُصّصت هذه الحديقة منذ أيام السلاطين العثمانيين لعامة الناس، يتنزّهون فيها ويستمتعون بفيء أشجارها الوارفة. بعدها عبرنا الباب الثاني، باب السلام، وهنا عليك أن تعبري بتذكرة. 
جلنا في أجنحة البلاط السلطاني، وأجملها جناح المتحف الذي يضم تذكارات تجعلك تشعرين بالإيمان وبرهبة التاريخ. فهذا المتحف يعرض عصا موسى، سيوف الصحابة وشعرة النبي محمد وسيفيه، ترافق الجولة في حضرة الأنبياء تلاوة للذكر الحكيم. على الرغم من اختلاف أعراق الزوّار وأديانهم، فالخشوع كان سيد المكان.

إلى الغراند بازار
الغراند بازار هو السوق الأشهر في اسطنبول. بدأنا من السوق المصري، الذي لا علاقة له بمصر، وإنما هكذا هو اسمه. السوق مسقوف بأسلوب فريد يعود إلى قرون عدة، سقوفه متكئة على أعمدة تتوّجها القناطر المعقودة، التي بعضها يعود إلى الحقبة البيزنطية وبعضها الآخر إلى الحقبة العثمانية الإسلامية. 
أما أرضيته فمنها ما هو مرصوف بالغرانيت، ومنها ما هو مرصوف بالحجارة. لم يتغير روح السوق الذي زرته قبل سنوات... الكل كان ينادي على بضاعته، والنظافة الطاغية على الرغم من فلول الناس الموجودين فيه. دخلنا أحد الحوانيت الذي يضم عددًا من الباعة الذين تفنّنوا في إغرائنا لشراء البهارات أو «النوغا» التركية والمكسّرات مثل البندق. 
واللافت راهنًا وجود موظفين سوريين يساعدون السيّاح العرب في أثناء التسوّق. ولا تزال عادة  تذوّق المنتجات متاحة وإن لم تشتري إذ يمكنكِ تناول ما تشتهين من دون أن تدفعي، إضافة إلى ضيافة كوب من الشاي أو القهوة، وهو تقليد يبدو أن أصحاب الدكاكين متشبّثون به.
إنتهى يومي الأول في اسطنبول بعشاء في مطعم «آيا روف توب» الذي يحتل سطح الفندق، حيث استقبلتنا سيبل وياسمين ومدير الفندق بحفاوة.
المشهد من على سطح الفندق بانورامي حيث تتراءى آيا صوفيا والبوسفور والجامع الأزرق وبيوت اسطنبول المعتمرة القرميد الأحمر لحظات الغروب لوحةً رائعةً، ولا يمكن أن تكبحي جماح الكاميرا بالتقاط الصور. شعرت أثناء إخبارنا عن تاريخ الفندق الذي كان عام 1919 مركز احتجاز المتهمين قبل المحاكمة، ثم أصبح سجنًا للسجناء السياسيين، بأنني احتُجزت ليوم واحد وسط الترف.

معلومات عن فندق فورسيزونز سلطان أحمد
عدد الغرف: 54 غرفة
عدد الأجنحة:  11 جناحًا
خدمات السبا: يمكن ضيوف الفندق الاستمتاع بخدمات السبا في النادي الصحي، أو في غرفهم وأجنحتهم الخاصة.


اليوم الثاني
في صباح اليوم الثاني، انتقلنا إلى فندق فورسيزونز البوسفور. فبعد احتجازي الطوعي في الترف، أنتقل إلى وجه آخر منه، إلى ترف السلاطين ونمط عيشهم المخملي، حيث يسكن في فندق الفورسيزونز البوسفور. 
فهذا الفندق كان في الأصل قصرًا عثمانيًا يعود إلى القرن التاسع عشر، وعُرف باسم قصر عتيق باشا، وقد شُيّد ليكون مركز الإقامة الثاني بالقرب من القصر الصيفي الرئيسي للسلطان على مضيق البوسفور. 
يستريح الفندق وترّاسه المرصوف برخام الكاريرا على ضفة البوسفور الأوروبية بمواجهة الضفة الآسيوية، فيما المضيق يتلاعب موجه بالعبّارات وبواخر الشحن، والجسور المعلّقة فوقه على ارتفاع شاهق تبدو الحركة فيها لا تهدأ. 
أما التصميم الداخلي فبرزت مساحاته الرحبة من الرخام والزجاج مع زخارف تركية وأعمال فنية تقليدية. فيما الألوان المستعملة هي الأزرق الفاتح والفضي والرمادي، عاكسة تدرّجات ألوان مياه مضيق البوسفور. 
في المساء، كنا على موعد مع مشاهدة فيلم سينمائي في الهواء الطلق، في أحد أركان ترّاس الفندق حيث جُهّز بمقاعد وثيرة، وأثناء انسجام الجميع مع قصة الفيلم، وكان عنوانه Hidden Figures دهمتنا زخّات المطر، ولكن أحدًا لم يأبه بها.


اليوم الثالث

تحليق افتراضي 
في صباح اليوم الثالث، كانت تنتظرنا مغامرة اسكتشافية حيث توجّهنا الى مطار اسطنبول الدولي لنزور مركز شركة الطيران التركية. المفاجأة كانت Flight Simulator، وهو مجسّم يشبه مقصورة الطائرة الحقيقية. هنا يتم تدريب الطيارين بأسلوب ثلاثي الأبعاد. 
ووفق ما قاله لنا المضيف، فإن تعلّم قيادة الطائرة يكون على هذا النحو، وأن الطيارين في شركة الطيران التركية يتلقون هنا الدروس، ويجرون التمارين. 
بعد ذلك، خضنا تجربة تدريب المضيفين والمضيفات على إجراءات السلامة أثناء التحليق الجوي وحدوث مطبّات هوائية شديدة، ولولا اقتناعي بأنها مجرد تجربة اقتراضية لكنت صدقت أنني أتخبّط وسط العاصفة.
بعد التحليق والعاصفة الافتراضيين، عدنا إلى الواقع التاريخي المتصالح مع الواقع العصري الاسطنبولي. ما يلفت في اسطنبول هو زحمة السير بكل أنواعها، زحمة مشاة وسيارات... وحتى الترامواي والقطارات والعبّارات مزدحمة بالناس. 
ورغم هذا، يبدو أن الكل سعيد، ولا يكترث للازدحام ما عداي أنا، إذ قررت أن أواصل طريقي نحو الفندق سيرًا على الأقدام، ويمكن الادّعاء أن الدقائق العشر التي مشيتها قد أدخلتني في وجه من وجوه اسطنبول، فعلى طول الطريق تتجاور مطاعم الشارع، وقد لفتني وجود زحمة عند أحدها حيث الناس يتناولون بلح البحر وهم واقفون، فيما صاحب المطعم يرمي بالبلح على الطاولة، وإلى جانبه شخص يحصي مجموع ما يأكله كل زبون. مشهد طريف، خصوصًا عندما تتأملين في وجوه الناس المنتظرين وهم يترصّدون أحد الزبائن ليتأكدوا مما إذا كان قد اكتفى أم لا.

أورتاكوي منطقة تحضن كل شيء ترغبين فيه أثناء الإجازة 
وصلت الفندق وتناولت الغداء في مطعم أكوا وهو أحد المطاعم الموجودة على الترّاس، ومن ثم دخلت في تجربة تدليل نفسي في سبا الفندق، والذي يضم أنواعًا عدة من العلاجات، من بينها الحمّام التركي. بعد جلسة السبا، كان لدي الوقت الكافي لاكتشاف المزيد عن محيط الفندق، فسرتُ كما يسير الجميع باتجاه الجسر، إلى أن وصلت إلى منطقة تاريخية تتدحرج على البوسفور، ذكّرتني بمدينة جبيل اللبنانية، لتنفرج عند ساحة اجتمع فيها الناس من كل اللهجات واللغات والأعراق، فتسمعين العربية والإنكليزية والصينية... أمام هذه الحركة الإنسانية يقف مسجد، هو مسجد أورتاكوي الذي منح المنطقة اسمه. في الأزقّة المتفرعة من الساحة تتجاور المحال وحوانيت التذكارات والملابس، فهنا كل شيء ترغبين في تسوّقه تجدينه، ولكن لا تنسي المساومة، وقد تُفاجَئين ببائع يتكلم العربية، وهذا أمر صار معروفًا في اسطنبول، فكل المتاجر، ولا سيما تلك التي في مناطق السياحة التجارية مثل الغراند بازار وسوق الفلفل وسوق المصري وسوق أورتاكوي لديها موظف من الجنسية السورية، فبعد الحرب السورية لجأ الكثيرون إلى اسطنبول، وهؤلاء الشبان كانوا أطفالاً عندما هرب أهلهم من نيران الحرب، وبالتالي أصبحوا يتقنون اللغتين العربية والتركية، وبات التسوّق والمساومة على السعر أسهل على السيّاح العرب. 
انتهى يومي الثالث في اسطنبول بعشاء في أحد أجمل مطاعمها، هو مطعم «سان سيت» SunSet، ويقع في مكان يُشرف على اسطنبول بكل تفاصيلها. 
تخيّلي مشهد الجسور المضيئة تخترقها الأنوار المتحركة. ليس وحده جمال الموقع ما أثار إعجابنا وحسب، بل أطباق الطعام التي انهالت علينا. يمكن الادّعاء أنها من ألذّ أطباق ثمار البحر، ولا سيّما طبق الأخطبوط الذي أنصح بعدم تفويته إذا قرّرت تناول العشاء في هذا المطعم.


اليوم الرابع

تجوال في شوارع دور الأزياء العالمية والمحليّة التركيّة
ليس بعيدًا من الفندق أقلّتنا الحافلة الى الوجه الآخر لإسطنبول في شطرها الأوروبي. إنه حي نيشانتاسي المترف الذي تشبه شوارعه بأناقتها ومقاهي الرصيف فيها، إلى حد ما، الشانزليزيه الباريسي، فهنا تتجاور بوتيكات دور الأزياء العالمية ودور الأزياء التركية لتجولي في صالة عرض لمصمّم محلي، أو بوتيك من العلامة التجارية الشهيرة في العالم. ففي شارع أبدي إبيكتشي كاديسي Abdi İpekçi Caddesi ستجدين كل شيء من برادا إلى لويس فويتون، وكذلك فاكو وبيمن... العلامات التجارية الفاخرة في تركيا. 
إذا أردت أن تكوني أكثر تعقّلاً في كبح جماح رغبتك في التسوّق، يمكنك ببساطة الالتفاف والسير إلى «تيسفيكي كاديسي»، حيث توجد مخازن أسعارها مقبولة مثل زارا، ماسيمو دوتي، وسكوتشا. 
ويمكنك أيضًا زيارة مركز تسوّق City’s shopping Center كما فعلت أنا، فهو يضم بوتيكات السلسلة مثل غاب وبانانا ريبابلك ومانغو وغيرها من العلامات، إضافة إلى البوتيكات التي تعرض المنتجات التركية.

في عباب البوسفور... إبحار في وجه اسطنبول المائي
الإبحار في مضيق البوسفور الذي يفصل اسطنبول الأوروبية عن تلك الآسيوية، كان من مرسى فندق فورسيزونز البوسفور، ليبدأ التأرجح المائي بين عالمَي اسطنبول، فكلتا الضفتين تزركشان المضيق بأبنية تاريخية أنيقة اختلفت في نمطها المعماري، وقصور تستريح من دون أن تهاب أمواج بحرَي مرمرة والأسود. 
اليخت كان يخترق المضيق بهدوء، ومياهه تتلوّن بتلون مزاج السماء التي اجتاحتها السحب الرمادية، فتارة تراها رمادية داكنة وأخرى بلورية. كانت أسراب طيور النورس الموجودة، تارة تسبح فيها وتارة أخرى تحلّق فوقها ولكنها لا تتخلّى عنها. 
كل شيء كان كما أراه على الشاشة... صيادون يرمون بصناراتهم في بطن المضيق، وطيور النورس، الكسول منها يقترب من سلالهم علّه يحوز وجبته موفّرًا عناء الغوص في المياه. 
أما القصور فكانت منتشرة بكثرة على ضفتي المضيق، وعبور البوسفور لا يمر هكذا، فهناك أسطورة في اسطنبول تقول إذا رأيت دلفينًا أثناء الإبحار، فإن كل أمانيك تتحقّق، لكن للأسف، رغم تحديقي إلى الماء لم أرَ الدلفين حامل الحظ السعيد، واكتفيت بحظي الرائع في أن أكون أحد تفاصيل هذه اللوحة المتحركة إلى ما لا نهاية. 
الأمسية الأخيرة في اسطنبول وفندق الفورسيزون، تخللها عشاء تركي بامتياز، حيث انهالت علينا أطباق المازة  والمشاوي التركية بلا هوادة، فما ألذ أن تعيش التجربة التركية عند ضفة البوسفور.

في وداع اسطنبول... وتسوّق اللحظة الأخيرة
نهاري الإسطنبولي الأخير، أمضيته في تسوّق ما أوصتني به والدتي التي تجدّد منزلها، ليصحبني أحمد إلى الغراند بازار وتحديدًا إلى سوق «سلطان حمام» في منطقة محمود باشا، المشهور ببيع كل أنواع أقمشة البرادي والأثاث والبياضات. 
دخلنا عبر بوابة «هونكار قصري» حيث تجتمع حول ساحته مجموعة من الحوانيت الصغيرة التي تبيع التذكارات والأشغال اليدوية التركية. ثم ولجنا في سوق «سلطان حمام» وبدأتُ رحلة البحث عن أقمشة البرادي. 
الاختيارات كثيرة وما عليك سوى انتقاء ما يناسب ديكور منزلك، ثم البدء بالمساومة لتحصلي على أفضل سعر ممكن تخيّله، فضلاً عن أنك بمجرد أن تعطي القياسات الدقيقة، سوف تتم خياطتها مجانًا مع خدمة التوصيل في اليوم التالي إلى الفندق الذي تنزلين فيه. للأسف، لم يكن لدي الوقت الكافي لمفاجأة والدتي بخياطة البرادي، لأنني كنت سأعود في اليوم نفسه إلى بيروت. 
كان التاجر لطيفًا معنا، فرغم أنني تسوّقت من متاجر أخرى، لم يمانع في توصيل مشترياتي إلى الفندق، وأكد لي أنني سأتلقّاها بعد صلاة الجمعة. وهكذا كان إذ صدق التاجر بوعده.  
تركت اسطنبول عند الغروب، وكما استقبلتني المدينة لحظات الشروق، ودّعتني بالكثير من الحركة الجميلة. لا أنكر أنني شعرت بغصّة الفراق عن مدينة تفاجئني في كل مرة أزورها. 
البوسفور الأزرق الرمادي الذي عشق المدينة فرسمها على صفحة وجهه، والأسواق التاريخية التي حمتني سقوفها من حرارة الشمس، ودلّلتني بفناجين القهوة المجانية والنوغا، والتسوّق الذي ينتهي دائمًا بصفقة رابحة، والتاريخ الذي يحكي ويذكّر دائمًا بعظمة امبراطورية، وترف عشته في حضن فندق الفورسيزون بفرعيه فكانت الرفاهية في المبيت وكرم الضيافة في تدليل النزلاء... كل شيء في هذه المدينة المنقسمة جغرافيًا والمتحدة روحيًا كان يسألني بصمت فريد أن أعود إليها، إلى هذه الجميلة التي يحرك روحها إنسان لم يتغرّب عنها وهي بقيت مدينته الحاضنة لكل أمزجته وأهوائه، لتبقى مدينة شابة يخشى الشيب أن يطرق بوابة جمالها.


معلومات عن فندق فورسيزونز البوسفور
يضم فندق فورسيزونز البوسفور 170 غرفة، منها 145 غرفة عادية و25 جناحًا.
السبا: يتميز سبا الفندق بالبساطة والإتقان، وهو مُزيّن بالرخام الفاتح مع بلاط الموزاييك الملون ولوحات الفنان التركي المعاصر إرجين أتليهان، ويضم الحمامات التركية من رخام المرمر ومواد محلية. اللافت أن العلاج في الحمام التركي لم يعد كما في السابق، وإنما أصبح يشبه العلاجات الحديثة، أي التدليك السلس. هذا ما أكدته لي المدلكة عندما اقترحت عليّ الخضوع لجلسة حمام تركي في المرة المقبلة.
نادٍ رياضي: يوفر النادي مدربًا خاصًا، كما يمكنك ممارسة تمارين التحمية الرئيسة والبيلاتس بالكرة.