افراد من القوات السورية الديمقراطية

نجا آلاف المقاتلين الأجانب وأفراد أسرهم من الحملة العسكرية التي تقودها الولايات المتحدة في شرق سورية، وفقا لتقديرات جديدة من الجيش الأميركي وغيره من التقييمات العسكرية والاستخباراتية الغربية، وهو تدفق يهدد بتشويه التصريحات الأميركية بأن الجماعة المسلحة قد هُزمت إلى حد كبير.
وبما أن العديد من المقاتلين يفرون من دون قيود إلى الجنوب والغرب من خلال خطوط الجيش السوري، فقد اختبأ بعضهم بالقرب من دمشق العاصمة السورية، وفي شمال غرب البلاد، في انتظار الأوامر التي بعث بها قادة المتمردين من قنوات الاتصالات المشفرة، كما أن هناك مقاتلين آخرين يقاتلون في المعارك، وبعضهم يتدربون على استخدام الأسلحة الكيميائية، ويتبعون فرع تنظيم "القاعدة" في سورية، فيما يدفع آخرون للمهربين عشرات الآلاف من الدولارات لعبور الحدود إلى تركيا، حيث الهدف النهائي وهو العودة إلى بلدانهم الأوروبية.
 
وتأتي التقييمات الرصينة على الرغم من الجهود المتضافرة لتطويق و "إبادة" مقاتلو تنظيم "داعش" في الرقة، عاصمة الخلافة، كما قال وزير الدفاع الأميركي، جيم ماتيس، وكذلك ملاحقة المتمردين الآخرين الذين فروا من الجنوب إلى وادي نهر الفرات بإتجاه الحدود مع العراق.
 
وقال وزير الأمن الداخلي، كيرستجن نيلسن، في تصريحات أدلى بها في واشنطن الأسبوع الماضي، إن "مقاتلي داعش يفرون من سورية والعراق"، وأضاف "أن الجهاديين يسيرون تحت الأرض ويتوزعون على ملاذات آمنة أخرى بما في ذلك العودة إلى بلادهم"، فيما أوضح الجنرال بول سيلفا، نائب رئيس هيئة الأركان المشتركة للصحافيين الأسبوع الماضي، إن قيادة داعش المتبقية، حتى أثناء رحيلها، ما زالت لديها اتصالات "قوية إلى حد ما"، وبينما أبرز الرئيس الأميركي دونالد ترامب، تحرير جميع أراضي داعش تقريبا في العراق وسورية في خطابه عن الاتحاد، في الأسبوع الماضي، كما قال مسؤولون عسكريون أميركيون إن الجماعة ما تزال قادرة على إلهام غيرها وتمكين أتباعها من شن هجمات، ويبدو أن السيد ترامب اعترف بهذا في خطابه، وأنه "هناك الكثير مما يتعين القيام به".
 
ويؤكد المحللون أنهم يرون أيضا علامات على أن مقاتلي داعش يتبنون تكتيكات حرب العصابات لترويع المدنيين، وقال أوتسو إيهو، أحد المحللين البارزين في مركز "جين" للتطرف والتمرد التابع لشركة "إهس ماركيت" في لندن "تنتقل المجموعة إلى منظمة تحت الأرض تضع وزنا أكبر على التكتيكات غير المتماثلة، مثل التفجيرات الانتحارية ضد أهداف ناعمة في المناطق الآمنة وتوجد بها الحكومة مثل بغداد"، كما استشهد إيهو بهجوم قام به انتحاريان في بغداد الشهر الماضي وأسفر عن مقتل ثلاثة وعشرين شخصا وإصابة 90 آخرين، ووقع الهجوم في ساحة بغداد المزدحمة حيث يجتمع العمال يوميا للبحث عن عمل.
 
ويصعب تحديد تقديرات عدد المقاتلين الذين هربوا إلى صحارى سورية أو العراق وما وراءها، ولكن المحللين الأميركيين وغيرهم من المحللين في مجال الاستخبارات ومكافحة التطرف الغربيين الذين لديهم إمكانية الحصول على التقييمات السرية يضعون العدد بالآلاف، ولفت محللون إلى أن الكثيرين يسافرون مع زوجاتهم وأطفالهم، ويرجح أن يكونوا متطرفين ويمكن أن يشكلوا مخاطر أمنية أيضا، وفي ديسمبر/ كانون الأول، كما أوضح العقيد ريان ديلون، المتحدث باسم الحملة العسكرية التي تقودها الولايات المتحدة في العراق وسورية، في مؤتمر صحافي في البنتاغون "يشير قادة النظام السوري في شرق سورية إلى أن مقاتلي داعش في وادي نهر الفرات الأوسط هربوا بسبب الدفاعات السورية والروسية التي يسهل اختراقها للوصول إلى المناطق القريبة من دمشق ".
 
وردا على سؤال صادر من صحيفة "نيويورك تايمز" في وقت سابق من الشهر الماضي عن دلائل تشير إلى أن ما يصل إلى 1000 مقاتل وأفراد أسرهم فروا من منطقة نهر الفرات في الأيام الأخيرة، أجاب العقيد ديلون في بيان "نحن نعلم أن النظام السوري سمح لمقاتلي داعش بالسفر عبر مناطق عملياتهم، ولكننا لا نستطيع تأكيد أي حوادث أو عمليات مزعومة تجري خارج منطقة عملياتنا ".
 
ويشعر الجيش الأمريكي بالقلق من أن الهجوم التركي على القوات الديمقراطية السورية التي يسيطر عليها الأكراد في عفرين، شمال سورية، أدى إلى تفاقم المشكلة، حيث تعمل القوات مع الأميركيين في المناطق التي تسيطر عليها داعش لمنع هرب الفارين من الجهاديين، ولكن هذه الجهود تقلصت إلى حد كبير مع تحول الأكراد لتعزيز الدفاع عن عفرين، فيما ألقى مصطفى بالي، الناطق باسم قيادة القوات الديمقراطية السورية، باللوم على الهجوم التركي على عفرين، موضحا أنه ساهم في عودة داعش.
 
وأشار مسؤولون أميركيون وغربيون إلى أن نحو 40 ألف مقاتل من أكثر من 120 دولة سقطوا في المعارك في سورية والعراق على مدى السنوات الأربع الماضية، وبينما توفي الالاف في ساحة المعركة، كما يقول المسؤولون إن آلاف الأشخاص على الأرجح نجوا وذهبوا إلى النزاعات في ليبيا أو اليمن أو الفيليبين أو اختبئوا في دول مثل تركيا، ويُعتقد أن 295 أميركيا سافروا إلى العراق أو سورية أو حاولوا ذلك.
 
وكشف جيل دو كيرتشوف، المسؤول الأعلى في مكافحة التطرف في الاتحاد الأوروبي، أنه من بين أكثر من 5 آلاف أوروبي انضموا إلى هذا التنظيم، عاد 1500 شخص إلى بلادهم، بمن فيهم الكثير من النساء والأطفال، وأن معظم الباقين ماتوا أو ما زالوا يحاربون.
 
ومع ذلك، فإن عدد مقاتلي داعش الذين يعودون إلى ديارهم إلى أوروبا وشمال أفريقيا كان أقل بكثير مما كان متوقعا، كما يقول مسؤولو مكافحة التطرف، ويرجع ذلك جزئيا إلى أن إدارة ترامب كثفت تركيزها على منع المقاتلين من التسلل من الرقة والموصل، معقلهم السابق في العراق، كما قاتل المزيد من المسلحين حتى لقوا حتفهم أكثر مما كان متوقعا، في حين استسلم المئات في الرقة، وتم القبض على المئات وتحتجزهم ميليشيات كردية تدعمها الولايات المتحدة في شمالي سورية، مما يثير المخاوف لدى المسؤولين العسكريين الأميركيين من احتمال خلق أرض خصبة للمتطرفين، مما يكرر خطأ أمنيا رئيسيا في حرب العراق، ولكن التقييمات الجديدة، التي تدعمها تقارير المحللين والمهربين في المنطقة، تشير إلى أن مقاتلي داعش يفرون إلى أجزاء أكثر بعيدة من سورية والعراق، أو إلى بلدان أخرى.
 
وبعيدا عن التفجيرات الانتحارية الأخيرة في بغداد، فإن الضربة الجوية الأميركية الكبرى في الشهر الماضي تدل على استمرار قدرة داعش على التحمل وتشكيل تهديد، وفقا لمسؤولين عسكريين.