القوات العراقيّة تتقدم في الموصل

لجأ تنظيم "داعش" إلى خدع عدّة، لعرقلة عمليات القوات العراقيّة، في إطار مساعيه لإحكام السيطرة على بعض المواقع في مواجهة تقدم الجيش العراقيّ، وكان آخرها استخدام نماذج خشبيّة من دبابات وعربات، لتضليل مقاتلات التحالف الدوليّ والمقاتلات العراقيّة. كما لجأ التنظيم إلى استخدام تماثيل بلحى، تشبه المقاتلين المتشددين، والتي تبدو كالدمى عند رؤيتها عن قرب، ولكنها تظهر مثل العربات الحقيقيّة لمن يراها عن بعد. يأتي ذلك فيما راجع رئيس الحكومة العراقيّة، حيدر العبادي، الخطط العسكريّة المتبعة في سير معارك الموصل، بينما تواصل القطعات اشتباكاتها في محاور القتال ضدّ تنظيم "داعش" مع تقدّم حذِر.
فقد عثر الجيش العراقيّ على مجموعة من تلك النماذج، الأسبوع الماضي، في موقع تدريب للتنظيم، شمال الموصل، كما عثر في موقع تدريب على عربتين مدرعتين كبيرتين، استخدمهما المتشددون في شنّ هجمات، وعلى بقايا أكثر من 12 سيارة ملغومة أبطلت القوات العراقية مفعولها.
ولم يتضح مدى فاعلية هذه النماذج في إعاقة القصف الجويّ الذي يلعب دورًا كبيرًا في الحملة البرية، التي تقوم بها القوات العراقية لطرد "داعش" من آخر معاقله في الموصل، شمال العراق.
بينما قال المتحدث باسم سلاح الجو الأميركيّ في بغداد، الكولونيل جون دوريان، إن التحالف رصد استخدام "داعش" هذه العربات لبعض الوقت، وإن الجيش الأميركي يصنفها تحت "الخداع التكتيكي".
ولجأ "داعش" إلى استخدام طائرة استطلاع حلّقت فوق القوات العراقيّة المتقدمة، جنوب الموصل، ثم ألقت قنبلة يدوية، وأعلن الجيش العراقي إسقاط الطائرة.
ومن بين الحيل التي وظّفها "داعش" لعرقلة الجيش العراقيّ، شبكة الأنفاق التي أنشأها، لاستخدامها في الانتقال والاختفاء عن أعين القوات العراقية. ويبلغ طول الأنفاق 45 كيلومترًا.
وفي جديد تكتيكات "داعش" لوقف تقدم القوات العراقيّة، عمد التنظيم إلى تسليح طائرات الاستطلاع المسيَّرة بقنابل يدوية، تُلقى على تجمعات القوات المهاجمة، وقال الضابط في الشرطة حسين مؤيد إنه تمّ تسجيل ثلاثة حوادث عمد خلالها "داعش" لإلقاء قنابل على مجموعات من القوات العراقيّة في الموصل، مشيرًا إلى أن المتطرفين  "يضعون القنبلة داخل كيس ويربطونها بخطَّاف، بحيث يُسحب منها دبوس الأمان بمجرد إسقاطها لتنفجر".
وتابعت القوات العراقيّة تقدمها داخل الموصل، وأعلن قائد عمليات "قادمون يا نينوى" الفريق الركن عبد الأمير يار الله، تحرير قرية مشيرفة في محور الزاب، وقرية النايفة، غرب ناحية النمرود.
من جهتها، أعلنت "هيئة الحشد الشعبي" تحرير قريتي الرقراق وام حجارة العليا غرب الموصل من قبضة "داعش"، وأعلن المتحدث باسم "الحشد الشعبي" أحمد الأسدي انطلاق المرحلة الثالثة من عمليات غرب الموصل، موضحًا في مؤتمر صحافي في بغداد، أن مطار قضاء تلعفر "هدف مهم"، مبيناً أنه سيكون نقطة انطلاق نحو مركز القضاء، فيما أشار إلى أن زعيم "داعش" أبو بكر البغدادي موجود في منطقة بين تلعفر والبعاج على الحدود السوريّة.
وفي مقابل التكتيكات التي تعرقل جهود الجيش العراقيّ، أقدمت المئات من نساء الموصل، على خلع الزيّ الأسود الذي فرضه "داعش"، وقمن بإحراقه وسط صيحات من الابتهاج والفرح في المناطق المحررة.
ميدانيًا، قال الضابط ذاته، إنّ "أغلب المحاور العسكرية تشهد استمرار العمليات العسكرية والاشتباكات ضد داعش"، مبينًا أنّ "قطعات مكافحة الإرهاب تواصل عمليات تطهير مناطق البكر وعدن والقادسية والأربجية في المحور الشرقي"، موضحًا أنّ "الاشتباكات مستمرة في هذه المناطق وقوات مكافحة الإرهاب، تخوض حرب شوارع فيها، وتتقدّم بشكل حذر".
وأشار إلى أنّ "قطعات الفرقة المدرعة التاسعة تواصل عمليات تطهير بلدة النمرود في المحور الجنوبي، وتحاول التقدّم في البلدة"، مؤكدا أنّ "قطعات الشرطة الاتحادية تعمل على تطهير ما تبقى من قرى شمال حمام العليل في المحور الجنوبي، وتنتظر تعزيزات عسكرية للتحرك نحو مطار الموصل".
بدوره، يكثَّف تنظيم "داعش" هجماته الانتحارية في العراق، مستكملاً تنفيذ استراتيجية الجبهات الجانبية لحرف الأنظار عن معركة الموصل، وهو تكتيك لم يعرقل حتى الآن تقدم القوات العراقية داخل معقل التنظيم، وقد استعادت، أمس الإثنين، المزيد من القرى وسط ارتفاع خسائر المسلحين.
إلى ذلك، ذكر بيان مكتب العبادي ورد إلى "العرب اليوم" ، أن الأخير استمع خلال زيارته قيادة العمليات المشتركة اليوم الاثنين، الى شرح مفصّل من القيادات العسكريّة عن العمليات وأصدر مجموعة من التوجيهات، مؤكدًا أن العمليات تسير بشكل جيّد في جميع المحاور والقوات العراقيّة، تتقدم وفق الخطط الموضوعة لتحرير أهل نينوى.
من جهته، أكّد ضابط في قيادة عمليات "قادمون يا نينوى"، إلى "العرب اليوم"، أنّ "العبادي وجّه بمراجعة الخطط العسكرية المتبعة في عمليات التحرير، وضرورة تحديثها وفقا للوقائع الميدانية والمستجدات".
من جهة أخرى، وقعت ثلاثة تفجيرات منفصلة في كلّ من الفلوجة (غرب بغداد) وكربلاء (جنوب)، أسفرت عن مقتل 16 شخصًا وإصابة نحو 26 بجروح، بينهم نساء وأطفال.
وأفاد مصدر أمنيّ أن ثمانية أشخاص قتلوا وأصيب 20 آخرون في انفجار سيارتين مفخختين، يقود إحداهما انتحاريّ، واستهدفتا نقطة تفتيش للشرطة في حي نزال وسط محافظة الفلوجة.
وفي كربلاء، أوضح مسؤولون أن هجومًا وقع في حي الجهاد في بلدة عين التمر، وشارك فيه ستة انتحاريين، ما أسفر عن مقتل ثمانية أشخاص وإصابة ستة بجروح.
وذكرت وكالة "أعماق" التابعة لـ"داعش" أن الانتحاريين "اشتبكوا مع القوات الأمنيّة لساعات عدة بالأسلحة الرشاشة والقنابل اليدويّة"، لافتة إلى أن الهجوم انتهى بتفجير الانتحاريين لأحزمتهم الناسفة، ضد عناصر القوات الأمنيّة.
وفي سياق آخر، توقعت لجنة الأمن والدفاع في مجلس محافظة بغداد، ارتفاع معدل الجريمة في العراق ما لم يتمّ "هيكلة" أجهزة الأمن، مؤكدة أن "نسبة الجريمة في بغداد ضئيلة جدًا، أي لا تتعدى 2-3%، إذا تمّت مقارنتها بمعدل الجريمة في محافظات أخرى.
وقال عضو لجنة الامن والدفاع في مجلس محافظة بغداد سعد المطلبي في تصريح إلى "العرب اليوم"، إن "هناك ارتفاعًا في معدلات العمل الإجرامي، وتداخلاً بينه وبين العمل الارهابيّ"،
مضيفًا أن ارتفاع معدل الجريمة في البلاد، تعود الى الظروف التي تمر بها و"التدخلات الخارجيّة"، مبينًا أن مجلس محافظة بغداد قلق بشأن مرحلة ما بعد "داعش"  لـ"انتشار السلاح واحتماليّة قطع رواتب عناصر الحشد".
وتوقع عضو لجنة الأمن والدفاع في مجلس محافظة بغداد، "انخفاض معدل الجريمة ما بعد مرحلة "داعش"، مشترطًا أن "تكون هناك إعادة لكلّ الأجهزة الأمنيّة من داخليّة واستخبارات وأمن وطنيّ لضمان انخفاض تلك المعدلات".
وأشار المطلبي إلى أنّ "الجريمة الجنائيّة باتت منتشرة بشكل كبير في عموم محافظات العراق"، بيد أنّه لا يمتلك إحصاءات عن حجم هذه الظاهرة، مشيرًا إلى أنّ هذه الإحصاءات محصورة في يدّ وزارة الداخليّة.
وعزا المطلبي انتشار الجريمة في العراق إلى أسباب عدّة، إلاّ أنّه ركّز على عامل "انشغال القوّات الأمنيّة في جبهات القتال ضدّ تنظيم "داعش"، الأمر الّذي جعل تركيز الأجهزة الأمنيّة على مراكز المدن وفي بغداد على وجه الخصوص، أقلّ ممّا كان عليه في السابق"، وأمل في أن "يحدّ القانون من حال حيازة السلاح وانتشاره في العراق".
وإنّ اللاّفت في حديث المطلبي، أنّه يشير إلى "وجود عصابات تسرق وتبتز وتقتل على أساس طائفيّ"، وقال إنها "تستغل بذلك انتماءها إلى بعض الفصائل المسلّحة التي تنتمي إلى الحشد الشعبيّ"، مؤكّدًا أنّ "هؤلاء أفراداً قليلون داخل هذه الفصائل".
ويرى عضو لجنة الأمن والدفاع في مجلس محافظة بغداد أن "نسبة الجريمة تتفاوت بين شهر وآخر، وبين محافظة وأخرى، حيث تعدّ العاصمة بغداد الأقل من حيث نسب الجريمة"، عازيًا ذلك الى "تركيز الجهات الأمنية للعاصمة".
وعدَّ المطلبي، أن "تأخر أحكام القضاء بحق المجرمين، قد ساهم بارتفاع معدلات الجريمة"، مشددًا على أن "الأحكام الصادرة بحق المجرمين تتأخر لأشهر، في حين أن من المفترض إصدارها بعد أسبوع من اجراءات كشف الدلالة".
وبيّن إن "نسب الاجرام في بعض المحافظات تفوق ما يقدر في العاصمة بغداد، وبخاصة محافظة البصرة، التي تشهد نشاطاً عاليًا للجريمة المنظّمة"، مشيرًا الى أن "عملية السطو المسلح التي طالت محال بيع الذهب في محافظة البصرة، مؤخرًا، والتي قد تدخل ضمن عمليات الجريمة المنظمة أو العمليات التي تهدف لتمويل "الإرهاب""، موضحًا أن "محافظات أخرى كالنجف وكربلاء والمثنى والديوانية، تشهد نشاطاً إجراميًا كبيرًا في عمليات السرقة وجرائم الاغتصاب".
وكان مصدر في شرطة محافظة البصرة أفاد الجمعة، بأن مسلحين يرتدون زيًا عسكريًا اقتحموا محالًا لبيع الذهب والمجوهرات، غرب البصرة، وسرقوا مصوغات ذهبيّة تقدر بـ 116 كغ، وفيما شددت اللجنة الأمنيّة على ضرورة إجراء تحقيق بالحادث، أكدت ضرورة محاسبة المقصرين في الأجهزة الأمنية.
وفيما تشهد محافظة البصرة بعض الخروق الأمنيّة المتمثلة بالسرقة والسطو المسلح بعناوين مختلفة، من خلال ارتداء الزي العسكري، أو ممن يحملون ترخيصاً حكوميًا، للدخول الى أماكن لسرقتها، تشهد بعض المحافظات العراقيّة استقرارًا أمنيًا ملحوظاً مع حصول أعمال عنف غالبيتها جنائية بين آونة واخرى.
يذكر أن العراق يشهد منذ 2013، تصاعدًا في أعمال العنف، فيما أعلنت بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق، (اليونامي)، في (الأول من تشرين الثاني 2016)، مقتل وإصابة 3150 عراقيًا، بحوادث عنف، شهدتها مناطق متفرقة من البلاد، خلال شهر تشرين الأول الماضي، وأكدت أن العاصمة بغداد كانت الأكثر تضررًا من أعمال العنف.