الكاتبة سلمى الحفيتي

صاعدةً جبل سنجار، معايشة ـ على الورق ـ من لا يعرف كثيرون عنهم شيئاً؛ تطلّ الكاتبة سلمى الحفيتي في روايتها "الأسيف"، التي تنشغل بـ"الأزيدية" وأسرارها، أكثر مما تنشغل ببشر "الجبل" وتجاربهم، وربما ما تعرّضوا له، أخيراً، حينما تصدر رجالهم ونساؤهم نشرات الأخبار، مقاومين لـ"داعش"، وسبايا بقصص مأساوية.

تفاصيل بالجملة عن المعتقدات السرّية، تحفل بها رواية "الأسيف" التي صدرت عن دار "كتّاب" الإماراتية في 276 صفحة، وقد تصيب قارئها بحالة من الفضول لكي يكتشف المزيد عن الأزيديين، ويختبر ما دارت بينه عوالم الرواية التي تحرص مؤلفتها سلمى الحفيتي على التشويق والمفاجآت حتى النهاية.

قرى بأسماء حقيقية وليست متخيلة، "بعشيقة وبحزاني"، تحتضن فضاءات "الأسيف"، التي يستغرقها جبل سنجار، وكذلك قرى يعيش بين جنباتها الأزيديون، ويمارسون طقوسهم فيها، ويرتحلون إلى سواها لكي يزوروا مقاماً هنا، أو "يحجوا" إلى محل هو الأقدس لديهم هناك، ولا تصور الكاتبة (صاحبة رواية فرعوني الأشهى) تلك الأمكنة بشكل مستقل، بل تمزجها بالشخصيات والنماذج الروائية، التي تسيطر على الكثير منها تلك المعتقدات، ولا ينجو منها سوى "عمر" (الأسيف)، البطل الذي تتجمع عنده الحكاية وذروة أحداثها، والذي يدفع ضريبة كل شيء فيها.

عنيت الرواية بجعل "عمر" بمثابة بطل درامي، منذ أن رأى النور، يصل ما بين جبل سنجار ومدينة الموصل، يبدو ظاهرياً، وحتى نهاية العمل، ابن الأزيديين، وربيب عائلة مسيحية في الموصل، طبيب متخرج حديثاً، يزور أهله في سنجار، ويحاول العودة إلى أيام الطفولة، فيذهب ليمارس السباحة في النهر، كما كان يصنع صغيراً، فيفاجأ الشاب بفتاة تصارع من أجل الحياة، فينقذها من الغرق، فيجد نساء يهللن على الطرف الآخر من النهر، فلا يعرهن التفاتاً، ويحمل الفتاة إلى منزل عمته، وينشغل "الطبيب" بإسعافها، وحين يقرر في اليوم التالي العودة إلى الموصل، يصطدم بأن عمته تخبره بأنه لا يستطيع العودة قبل الزواج من الفتاة التي أنقذها أو (اختطفها) من النهر، فتلك تقاليد جبل سنجار، وأهله، على حد زعم الرواية.

لا تنتهي الحكاية مع "عمر" عند ذلك الحد، فالصبية (العروس) كانت ذات جمال آسر، ولكن وراءها قصة متداخلة الخيوط هي الأخرى، ليجد "عمر" ذاته في صراع شديد منذ اللحظة الأولى التي عاد فيها إلى سنجار، ومن أجواء الرواية: "مبارك يا عمر، لقد تزوجت أجمل صبية في بحراني. اتسعت عينا عمر في ذهول وصراخ كيف! ــ إن من عادات الزواج في بعشيقة وبحزاني يا بني أن تخطف المرأة التي تريد، وبعد خطفها يلتقي أهل الفتاة وأهل الفتى لتسوية الموضوع، والاتفاق على المهر وموعد الزواج. ــ أخطفها! لكنني لم أخطفها يا عمة! كانت ستموت غرقاً في النهر، حتى إنني جلبتها إليكم لأطببها، لم أنوِ الزواج بها، وكيف أتزوج وقد أنهيت دراستي للتو ولم أعمل بعد، وإن قررت الزواج فأنا لا أرغب به بهذه الطريقة! جاء صوت العمة: فات الأوان يا بني، كن ذا قرار لا باكياً على الأطلال، فالتباكي لا يليق بالرجال. ــ لا لم يفت يا عمة، لِمَ لم تخبريهم أنني أنقذتها.. ــ يا عمر، لا تحسب الموضوع بهذه السهولة، فالقوم من قرية بحزاني متشددون جداً، وقد يستبيحون دمك إن لم تفعل ما تؤمر".