صورة لمقبرة

لو أمكن لأبي العلاء المعري أن يقف على ربوة "غرناطة" الإسبانية الشاهدة على حضارة الإسلام في أوروبا، لذرف دمع الحزن على "زمان الوصل في الأندلس"، يوم كانت المآذن تصدح بكلمة "الله أكبر"، وكانت القبور تخفي أجساد علماء ومفكرين ومخترعين ومبدعين صنعوا مجد أوروبا الغارقة في الظلام..كان يومها سينشد بحزن عميق وملوك الطوائف يجمعون حقائبهم للعودة من حيث انطلق طارق بن زياد..طارق حرق سفن العودة، وملوك الطوائف أحرقتهم الليالي الملاح.
خفف الوطء مـا أظـن أديـم      الأرض إلا مـن هـذه  الأجسـاد
وقبيـح بنـا وإن قــدُم الـعـهد       هـوان الآبــاء  والأجــداد
 أبو العلاء المعري مدعو اليوم إلى إضراب عن الطعام أمام مباني المحافظات الإسبانية التي تواصل رفضها المغلف بـ"ندرة الأراضي" دفن موتى المسلمين، وتسرع بإجراءات ترحيل الجثامين إلى البلدان الأصلية على نفقة ذويهم.. ربما دموع عبد الله الصغير، آخر ملوك الطوائف، على هضبة "سوسبيرو ديل مورو" هي نفسها التي سيذرفها مسلمو إسبانيا وهم يرمقون جثامين ذويهم وهي "تُرحل" أشبه بحملات الترحيل التي تستهدف المهاجرين غير الشرعيين.
   هذه الحالة المأساوية التي عاشها مصطفى الشاب المغربي المقيم منذ أعوام في منطقة "أليكانتي"، والذي أجبر على نقل رفات والده إلى مدينة تطوان المغربية بعد أن تعذر عليه دفن والده في المقبرتين المخصصتين لمسلمي إسبانيا (الأندلس سابقا)، وقال "نحن المسلمون مثل الكاثوليكيين، نحب أن ندفن أمواتنا ونزورهم وفقا للطقوس الإسلامية، لكن في إسبانيا الأمر جد معقد".
  ولا تخصص الحكومة الإسبانية غير مقبرتين صغيرتين لأكثر من مليوني مسلم، ولم تتبن ذلك إلا بضغط من المغرب والمملكة العربية السعودية، المقبرة الأولى شيدت في بلدة "غرينيون" قرب العاصمة مدريد، والثانية في مدينة "فوينخيرولا" في منطقة "كوسطا ديل صول".
   وقال رئيس اتحاد الجاليات الإسلامية في إسبانيا ريا التتري، "إن هناك تعقيدات إدارية تمنع إنشاء وبناء مقابر مما يجعل الدفن هاجسا يطارد أسر الموتى المسلمين".