جبل "حميثرة"

بدأ الآلاف من المريدين المصريين والعرب، ولاسيما من دول المغرب، يتوافدون إلى جبل حميثرة في محافظة البحر الأحمر؛ لحضور الاحتفال بمولد الشيخ أبوالحسن الشاذلي، حيث تبدأ فعاليات المولد بقدوم مريدي الطرق الصوفية، ومحبي الشاذلي من شتى المحافظات، خصوصًا الصعيد. ويأتي المريدون بسيارات نصف نقل، ومعهم مئات من رؤوس الماشية؛ لذبحها أثناء المولد، حاملين معهم طعامهم، ومياههم، حيث ينتهي المولد تزامنًا مع وقفة عرفات، وليلة عيد الأضحى، في طقوس دينية أشبه بالحج. وأبوالحسن الشاذلي يعتبر من أشهر من وفد إلى مصر من صوفية المغرب العربي في القرن السابع، وذلك برفقة مجموعة من تلاميذه، الذين استوطنوا مدينة الإسكندرية، وكان ذلك في العام 124م/642 هـ، أنشؤوا في الإسكندرية مدرسة صوفية مشهورة، ومن تلاميذه سيدي أبوالعباس المرسي، وسيدي ابن عطا الله السكندري.
وولد أبوالحسن الشاذلي، في أواخر القرن السادس الهجري في العام 1169م/593هـ، في إقليم غمارة بالقرب من مدينة سبته في المغرب، وينتهي نسبه إلى الإمام الحسن بن على رضي الله عنه، واكتسب لقبه الشاذلي من قرية شاذلية، التي بدأ فيها بالوعظ والتعليم، وفى طريقه للحج مع مرافقيه توفي الشاذلي، ودفن في وادي حميثرة في البحر الأحمر، حسبما أوصى تلاميذه، وأصبح ضريحه مزارًا لمحبي الصوفية، والباحثين عن الهدوء والتأمل. ويتوافد الآلاف من المنتمين إلى الطرق الصوفية، من كل بقاع الأرض، على وادي حميثرة، الواقع في الجنوب الشرقي في محافظة البحر الأحمر، ويصل زائرو الشاذلي إلى المقام بعد المعاناة من مشقة السفر، ولكن أشواق مريديه وحاجتهم إليه تُهون تلك المشقة، فعقب وصول الزائر يستمع لمكبرات الصوت بالقرب من الضريح حيث الأذكار، والمدح، والإنشاد الديني، وأشعار مشايخ الطريقة الشاذلية في المدح. ويأتى المداحون بجانب أصوات الدراويش ومحبي الشيخ الشاذلي من الأطفال والرجال، وبجوار الضريح تنتشر الساحات، ومن أشهرها؛ ساحة الحجة زكية، والأحمدية، والأشراف، والسادة الرفاعية، والمرغنية، وأولاد الشيخ عبدالسلام، والسلمانية، والبرهامية الشاذلية.
أما طقوس الاحتفال لزوار الشاذلي، فتبدأ بالابتهال بالأدعية، وقراءة القرآن الكريم، ثم تنشد جماعة من الدراويش النشيد الموحد للجميع "شاذلي يا أبوالحسن"، ثم تقام حلقة ذكر بجوار المقام، وبجميع الساحات، ثم يحمل جميع الموجودين في الساحة الرفاعية السيوف والعصي للرقص بطريقة الحجل، ويتنافس الشيوخ والشباب والأطفال لإظهار المهارات والقدرة على الصبر والتحمل. وتشارك النساء أيضًا في الاحتفال بوضع حناء في طبق فوق رأس واحدة منهن، وتذهب به نحو المقام، ومعها إحدى العرائس، والتى تشبه زفة ليلة الدخلة، وتغنى النساء مع الضرب على الدف والطبول، مرددين "شاذلي يا أبوالحسن"، ويلتف حولهم بعض الأطفال لمتبعة الاحتفال وسط فرحة وبهجة. وتنحر الذبائح على الأعتاب حيث تستمر الاحتفالات بالموسم عشرة أيام متتالية، وتنتهي مع تكبيرة صلاة عيد الأضحى المبارك مع طقوس شعبية يغلب عليها الطابع الديني، والذي أعتاد عليه المصريون في موالد أوليائهم في كل عام. وقال أحد الزائرين، ويدعى السيد علي، من محافظة قنا، "إنني أحرص كل عام على حضور موالد الشيخ الشاذلي"، مضيفًا أنه "يقبع في المكان لحين انتهاء المولد صباح يوم عيد الأضحى المبارك ثم يغادر إلى موطنه".وأضاف الشيخ صابر عبدالحميد، أن "مولد العارف بالله الشيخ الشاذلي من الأشياء الروحانية التي نأتي إليها مهما طالت أو بعدت المسافة ".