مركز "الخليج" للدراسات

استعرض الباحث الدكتور حسين الزاوي من دولة الجزائر، خلال المؤتمر السنوي والخامس عشر لمركز "الخليج" للدراسات، تحت عنوان "النظام الإقليمي العربي ومعادلات القوة العالمية"، في الجلسة الثانية بعض المفاهيم المحورية الأساسية حول تأثير القوى العالمية وأثر حراكها وصراعاتها ومحاولات فرض هيمنتها على الوطن العربي في خلال ورقة عمل قدمها بعنوان "أثر حراك القوى العالمية في النظام الإقليمي العربي"، والتي ترأسها الدكتور عبدالرزاق الفارس .

استهل الدكتور الزاوي عرضه بالدعاء بالرحمة للفقيدين تريم عمران وشقيقه الدكتور عبدالله عمران، مؤكدا أهمية الدور الذي تلعبه جريدة "الخليج" في طرح وتناول العديد من القضايا التي تشغل حيزا كبيرا من ساحة الاهتمام في الوطن العربي، من خلال المؤتمر الذي تقيمه الجريدة سنوياً، بهدف النقاش ووضع أفضل التوصيات التي يمكن الخروج بها للمضي نحو مستقبل أفضل في المنطقة .

وأوضح أن مفاهيمنا التقليدية في مجال الفكر والسياسة باتت عاجزة عن تقديم توصيف دقيق لطبيعة التحولات التي تجرى في المنطقة العربية، فالصراعات لم تعد تحدث فقط ما بين الدول ككيانات سياسية مسؤولة مسؤولية مباشرة عن أفعالها ولا حتى بين مجتمعات كبرى تتحمل مسؤولية حضارية عما تتخذه من مواقف، ولكن الصراعات باتت تنبع من داخل المجتمع الواحد وتتخذ صبغة يمكن أن نسميها "بين مجتمعية" .

وأكد وجوب الانطلاق من فرضية أن الوقائع التي يواجهها الإقليم العربي تتميز بالتعقيد، وعلينا أن نقاربها من زوايا متعددة تجنباً لاختزال المشهد السياسي العالمي وتشويهه، كما أنه هناك بالتأكيد مواجهة مفتوحة ما بين القوى الكبرى والنظم الإقليمية التي ترفض الانصياع لإرادات القوى المهيمنة، لكن النظم الإقليمية ومن بينها النظام العربي يمكنه أن يتأقلم مع حالة التحول الحاصلة في توزيع القوة بين الدول الكبرى التي تسعى إلى رسم السياسات الدولية .

وتناول الدكتور حسين الزاوي في ورقته، النظام العالمي في مواجهة الدول الوطنية، وهو (الرغبة في تعديل خريطة التوازنات)، من حيث المخاطر والتهديدات التي تواجهها الدولة الوطنية في الحفاظ على وجودها، فأصبحت المخاطر لا تقتصر فقط على قيام تكتلات اقتصادية وسياسية كبرى على غرار الاتحاد الأوروبي، ولكنها وثيقة الصلة في الآن نفسه برغبة القوى الكبرى وفي مقدمها الولايات المتحدة في تجاوز العبء الذي باتت تشكله الدول الوطنية في مواجهة العولمة الاقتصادية، وأنه من السهل ملاحظة أن جزءا رئيسيا من مشاريع العولمة الحالية موجّه للمنطقة العربية، من أجل إعادة بناء الدول القطرية، اعتماداً على صيغ جديدة تسهم في تحطيم قيم الانتماء المشترك، وتشجيع الانتماءات العرقية والطائفية .

وركز الباحث على أن تراجع الدور الاجتماعي والاقتصادي للدولة الوطنية يؤدي إلى إفراغ الممارسة السياسية من محتواها، وإلى تراجع الدعم الشعبي لها وتفتيتها من الداخل، ويُصبح المجال السياسي والمفاهيم المتعلقة بالسيادة والانتماء الوطني مفردات جوفاء بالنسبة لمواطنين يسعون إلى تحقيق مصالحهم خارج نطاق أسوار السياسة المنتهجة من طرف الدولة الوطنية التي تفقد بذلك تحكّمها في حدودها الوطنية التي تصبح مخترقة وفق صيغ تتحالف من خلالها عناصر محلية مع قوى عالمية كبرى تملك أجندات لا تعير أدنى اهتمام لمصالح المجموعة الوطنية .

وتناول بالشرح المعنى الحقيقي لمفهوم "الصراع الجيوسياسي في أوراسيا"، حيث إنه بعد سنوات من الإهمال بعد نهاية الحرب العالمية الثانية عاد مفهوم الجيو- سياسة أو الجغرافيا السياسية بداية من السبعينات من القرن الماضي، ليأخذ مكانته البارزة مرة أخرى في بناء الاستراتيجيات المتعلقة بالقوى الكبرى، وبدأ المفهوم يتطور ويأخذ أبعادا جديدة تتجاوز المعطيات المادية للصراع بين القوى حول الحيز الجغرافي، ليأخذ دلالات تتعلق بتمثلات ذهنية ترتبط بالتاريخ والذاكرة الجماعية للشعوب، وحتى بمعطيات تخص التصورات الرمزية للنخب، وإجمالا فإن الجغرافيا السياسية المعاصرة تستعمل أدوات تحليل متعددة، ذات أبعاد محلية، وطنية، إقليمية وعالمية .
واستعرض الباحث المحور الألماني- الفرنسي والمشروع الأنجلو -أميركي، ومستقبل الغرب، موضحا أنه على الرغم من التوافق الاستراتيجي الذي بات يجمع الدول الغربية الكبرى منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، إلا أنه بدأت تطفو على السطح، خلال السنوات القليلة الماضية الكثير من الاختلافات التي اتخذ بعضها شكل صراعات، منذ أن تحفظت كل من فرنسا وألمانيا في عهد المستشار شرودر على قيام الولايات المتحدة الأميركية بغزو العراق، فالمحور الفرنسي - الألماني بدأ يُبلور منذ سقوط حائط برلين أجندات تختلف في الكثير من ملامحها عن الخطط التي يتبناها المحور الأنجلو-أميركي، الذي لا ينظر بعين الرضا إلى محاولات فرنسا وألمانيا من أجل إعطاء الاتحاد الأوروبي مزيداً من الاستقلالية .