مدارس الفجيرة

اهتم الراوي محمد علي سعيد اليماحي برواية الأخبار حول جانبين مهمين ارتبطت بهما حياته أكثر من غيرهما، وهما جانب التعليم وأوضاعه في بدايات نشأة دولة الاتحاد في أوائل سبعينات القرن الماضي، حيث عمل اليماحي حارسا في مدارس الفجيرة، والجانب الثاني هو مجال الزراعة التي كانت له خبرة بها، وبما يزرع في الإمارات، وانصرف إليها كليا بعد تقاعده من العمل .

يوثق محمد اليماحي في حكاياته نشأة المدارس التعليمية، وكيف كانت بداياتها البسيطة، وكيف كان إقبال الطلاب عليها في تلك المراحل، فالبدايات كانت بسيطة، ولم تكن المدارس مجهزة بهذا التجهيز الكامل الذي هي عليه اليوم، ولم تكن مكيفة، وكانت بدايات التعليم المدرسي في الفجيرة في أوائل الستينات مع المدرسة الصباحية، التي أنشئت بتمويل من الكويت، وكانت تستقبل الطلاب من الفجيرة والقرى المجاورة لها، وكان الإقبال عليها كبيرا، وبعد هذه المدرسة توالى إنشاء المدارس، والإقبال عليها من طرف الطلاب .

تميزت الفترات الأولى للتعليم كما يرى اليماحي بالحماس الشديد من طرف الطلاب الذين كانوا مفعمين بالحيوية يقبلون على العلم بكل حواسهم ويحرصون على الحضور والانضباط، ورغم أن ظروف التعليم في تلك الفترة كانت صعبة بالنظر إلى ما عليه الواقع الآن حيث تتوفر اليوم كل وسائل الراحة المساعدة للطالب، رغم ذلك فقد كان طلاب تلك الفترة أكثر إقبالا وحرصاً على التعلم، وكان نادرا بينهم الكسل والتخلف عن الحصص، وكانوا منضبطين حريصين، ينفقون أوقاتا كثيرة في المراجعة وتحصيل العلم، ما جعلهم ناجحين متفوقين، وقد أصبح طلاب تلك الفترة هم الطاقم الذي قامت على عواتقهم أسس الدولة وقادوا مرحلة البناء، في كل مجالات الحياة الإماراتية المعاصرة، وذلك بروح وطنية كبيرة تحمل أهدافاً سامية في العطاء والتنمية .

مارس اليماحي الزراعة، وتعتبر الفجيرة من المناطق الزراعية المهمة في الإمارات لما تتمتع به من مصادر للمياه، وأرض خصبة، وقد مارس أهلها الزراعة منذ قرون، خاصة في مناطق الواحات، في روايات اليماحي كثير من تفاصيل الحياة الزراعية، وأنواع النبات والبذور، وقد كان تركيزهم على أنواع الحبوب القابلة للنمو في المناطق الحارة، والتي تلبي حاجاتهم الغذائية، مثل الحنطة ، والشعير والعدس والذرة والحبش والمجدول (وهو نوع من الذرة) والسيال واللوبيا والقضب (البرسيم)، وقد وفرت تلك الزراعة للإنسان الإماراتي حاجاته من الحبوب التي يعتمد عليها في غذائه، وكان للمزارعين أنواع كثيرة من الآلات الزراعية مثل (اللومة) وهي المحراث الذي يجره الثيران، وله نير مثبت على قرون الثورين، وفي مؤخرته ساعد طويلة يضغط عليها المزارع لكي يغوص رأس المحراث في الأرض ويفلحها أثناء سحب الثورين له، ومن الأدوات أيضاً المقصب (الرفش) والمحش (المنجل) والمدمسة والمقرنة، وغيرها .

لا تقتصر حكايات اليماحي على المهن التي مارسها، بل كان ناقلا لجوانب عدة من تفاصيل حياة القدماء وما كان يحكمها من عادات، وكذلك المظاهر المادية لتلك الحياة في الملبس والمأكل والمشرب، وقد استطاع أن يقدم من خلال مروياته معلومات مفيدة عن مجمل تلك الحياة، ونتيجة لأهمية شهادته على الحياة القديمة، وإفاداته التراثية فقد كرمته إدارة التراث في دائرة الثقافة والإعلام في الشارقة، ونشرت له سيرة مقتضبة في كتاب "يوم الراوي مسيرة عشر سنوات" .