بيوت الطين

تشكل مادة الطين حجر الأساس في البيوت الإماراتية القديمة، التي سادت في فترة الخمسينات والستينات من القرن الماضي، بعض هذه البيوت ما زال قائماً، وبعضها اندثر أو فقدت معظم أجزائه لكنه بقي معلما وشاهدا على تاريخ فترة عريقة ليس في الإمارات وحدها وإنما في الخليج بشكل عام، وأكثر من ذلك فإن الطين قد رافق الجنس البشري منذ آلاف السنين، حيث يؤكد الباحث عمار السنجري، أن الإنسان بنى مساكنه ومعابده وقصوره من التراب والطين، منذ عشرة آلاف سنة، وهو يستشهد بسور الصين العظيم الذي شيد معظمه من الطين والتراب الخام، وفي القرن السابع قبل الميلاد بني بهذه المادة برج بابل كأول ناطحة سحاب، وكذلك انتشر استعماله في حضارات بلاد الرافدين ومصر الفرعونية والحضارة الإسلامية والرومانية والهندية وحضارة الهنود الحمر والمكسيك وبلاد ما وراء النهر .
تشير مصادر كثيرة إلى أن للعمارة الطينية في الإمارات تاريخ ومكانة خاصة، لأن أغلبية القلاع والحصون هي في الأساس ذات منشأ طيني، سواء في مدينة العين أو غيرها من المناطق المتفرقة في الجغرافيا الإماراتية .
بعض هذه البيوت تم ترميمها وإصلاحها من قبل الإدارات التراثية المختلفة في الدولة، وبعضها قد تم هدمه واستبداله بمنازل حديثة أكثر صلابة ومتانة لا سيما بعد دخول البلاد مرحلة التطور العمراني التي شيدت فيها منازل أنيقة لعب الحجر ومادة الأسمنت دوراً محورياً في تشييدها .
والبيت الطيني في الزمن الإماراتي السابق كان يتميز بالرحابة والهدوء كما كان يوفر لساكنيه نوعا من الطمأنينية، التي تحكمها طباع الناس الذين يسكنون متجاورين مع بعضهم بعضاً، ناهيك عن تشابه البيوت في طرز بنائها البسيطة .
بحسب الباحث عمار السنجري فإن هناك الكثير من البيوت والقلاع التي بنيت من الطين أو كان الطين مكونا رئيسيا فيها ومن ذلك قلعة المربعة التي بنيت في عام 1948 وسط مدينة العين، ويصف أحد البناة الأول ممن قضوا شطراً كبيراً من حياتهم في بناء بيوت الطين في العين هذه البيوت التي اتسمت بالقوة والمتانة حيث يقول "بيت زايد العود في النخل (متحف قصر العين اليوم) بيت طين، كما يؤكد ذلك بخصوص "المربعة" التي شارك في بنائها، وهي التي بنيت أساساً لتكون مقراً للشرطة واستغرق بناؤها شهوراً واستخدم في تشييدها الطين واللبن والدعون والليف والجص وخلافها من المواد .
كانت بيوت الطين تشيّد من الطابوق الطيني، وهو نوعان، يخلط مع الحشائش الميتة واليابسة "التبن"، ويتميز بالقوة أو يحرق حتى يكون يابساً، ويضاف إليه الحجارة التي تجلب من البحر، أما تفاصيل البيوت الداخلية فتتكون من "حجرة" وفيها غرفة للنوم أو غرفة لتخزين المواد، وأمامها "ليوان" ومظلة وحوش وأكثر من حجرة، وكانت الغرف في الأغلب تقع على الجوانب والحوش في المنتصف، وهذه البيوت الطينية استمرت 40 سنة .
ظهرت بيوت الطين في مرحلة لاحقة لبيوت العريش، وكانت تلك البيوت تتشابه من حيث فكرة البناء وتوزيع الغرف مع البيوت بحسب ما يؤكد مبارك البريكي، وهو اختصاصي إنشاءات أبنية وقرى تراثية، حيث يقول "كانت البيوت الحجرية التي ظهرت بداية في العين وأبوظبي ودبي، تشبه إلى حد كبير البيوت الطينية، فلها ذات شكل الغرف مربع أو مستطيل، وذات التوزيع كغرف معيشة ونوم ومجلس، لكن الجديد تمثل في إيجاد مبنى أصلب وأكثر صموداً وله نوافذ حديدية أو خشبية أو زجاجية، حيث يضم البيت الواحد غرفة أو اثنتين ومجلساً، وفي بعضها أربع غرف، يسكنه رب الأسرة وزوجته وأبناؤه غير المتزوجين والمتزوجين" .
ويشير البريكي إلى أن الغرفة الرئيسية، المعيشة، كانت تتكون من حجرة مربعة تتميز بوجود باب صغير في وسط أحد الجدران الأربعة، إضافة إلى "دريشة" التهوية وفتحة، أما حجرات النوم، فكانت تبنى في الطابق الأول للتخفيف من وطأة الحر، وتتوفر فيها "الدرايش" والأشكال الجبسية، ويقام فوقها بارجيل لجلب الهواء وتبريد الحجرة، وهناك الدهليز يمتد حول سطح البيت وتكثر فيه النوافذ الأمامية أو فتحات تشبه الدرايش، أما المجلس فيكون في الطابق الأرضي، ويمكن الدخول إليه من باب البيت الخارجي، وثمة باب يدخل منه سكان البيت، يضم إلى جانب الحصائر والأرائك، منقل القهوة العربية وصينية الدلال وفناجين القهوة، وبعض أنواع الحلوى المحلية المصنوعة من التمور .
تختلف طريقة بناء بيوت الطين حسب العناصر الداخلة فيها، وحسب أشكالها التقليدية، وموقعها الجغرافي، كما يراعى في بنائها مجموعة من العوامل على رأسها: درجة الحرارة وشدة البرودة والأمطار، كما أن الطين المخلوط بالتبن، يشكل المادة الأساس في بيوت الطين، وهو يترك لفترة حتى يجف في الشمس، ثم يقوم البناؤون، بعد بناء الجدران الخارجية بإلصاق مادة الطين المخلوط بالتبن أيضا فوقها، لا سيما في المناطق المعرضة للمطر والمياه، وغالباً ما يتم إلصاق المادة الطينية باستخدام اليد كما ترسم عليها الأشكال الجميلة على واجهة المنزل خاصة الشرفات التي تشاهد على شكل المثلثات والمربعات وما شابهها وتصبغ باللون الأبيض .
وبالنسبة إلى المواد المستخدمة في سقف المنزل فهي عبارة عن خشب من جذوع النخيل او الأثل أو السدر، ويوضع فوقه جريد النخل مع إضافة طبقة أخرى من الطين المخلوط بالتبن كي تتمم عملية التسقيف .
تصمم أبواب المنزل، بشكل يجعلها قوية ومتماسكة وغالبا ما يتم إضافة المزاليج لهذه الأبواب حيث يحرص النجارون على استخدام خشب يطلق عليه خشب "الأثل" أو يجلب من جذوع النخل، وتوضع قطع الخشب بشكل طولي بجوار بعضها ويتم تثبيتها بقطع من الخشب، كما توضع بشكل عرضي مخرمة ليصل بينها وبين خشب الباب سيخ من الحديد ذو طبعة كبيرة على شكل دائري من جهة ومدبب من الأخرى ليتم ثنيه لتثبيت الخشب .