معرض للفنانَيْن ميشو في "الربع الخالي"

"مرآة الشرق".. هو العنوان الذي يحاول من خلاله المصور رولاند ميشو وزوجته سابرينا، إبراز جماليات الشرق بإظهار ملامح الثقافة الإسلامية، وانعكاساتها، في دعوة صريحة لاستكشافها من جديد، فينتج عن هذا التوجه حوار جذاب بين الفن والحياة، وبين الماضي والحاضر والمنمنمات الشرقية وفن التصوير الضوئي. ويتعمد الثنائي في معرضهما، الذي افتتح أخيرًا في غاليري الربع الخالي بدبي، تقديم أوجه عديدة لجماليات هذه الثقافة، سواء من حيث الأماكن والحضارة التي يلتقطانها، أو حتى من خلال الطقوس التي يبرزان كيفية ممارستها في البلدان الإسلامية العديدة التي زاراها.

بدأت فكرة المعرض، من خلال زيارة المصور الفرنسي إلى بلاد فارس منذ 60 عامًا، حيث اكتشف أن قصر الأربعين عمودًا في أصفهان، مكون من 20 عمودًا فقط، وأن الانعكاس في الماء هو الذي يضاعف عدد الأعمدة. فتح هذا المشهد مخيلة المصور على الكم الهائل من المنمنمات الإسلامية الساحرة، التي يمكن التقاطها من خلال العدسة والضوء والأسلوب المتميز، فهي بمثابة إعادة اكتشاف لهذه الثقافة القديمة من جديد. ويعمل المصور على التوغل في الأماكن الجميلة، ليبرز هذا الذي يراه من وجهة نظر جديدة، فيبلور عشقه لها برؤية خاصة جدًا ومختلفة، خصوصًا أنها محفوفة بالسفر والتنقل والترحال.

كثيرة هي البلدان التي زارها المصور بصحبة زوجته، وكذلك عديدة الأوجه التي يطالها المعرض، فهنا نتعرف إلى الحِرَف القديمة، لاسيما في البلدان التي مازالت محافظة على اللباس التقليدي الإسلامي، فنجد السراويل الفضفاضة وأغطية الرؤوس التي لا ينزعها الكبار في السن. وندرك من الصور كيف يصنعون خبزهم اليومي بأشغالهم البسيطة، والمهن التقليدية في معظمها. إلى جانب هذه المشاهد، يقدم مجموعة من التفاصيل الحياتية، التي تبرز بساطة العادات والتفاصيل اليومية، فالشاب الذي يعزف على الناي، يشعرك بالشجن الذي يحاول إخراجه من خلال القصبة التي يعزف عليها، وكذلك يغلب الفرح على مشهد قرع الطبول وسط الثلوج، والفرح العارم الذي يذيل الصورة، بينما نجده أكثر تعلقًا بالوجوه الكبيرة في السن، التي يبدو، من خلال ملامحها المتقدمة في العمر، كل ما رسمته الحياة من حلو ومر كخطوط على الوجوه.

المعرض ليس مجرد عرض للحضارة الإسلامية، فالأماكن القديمة التي تحمل فنون الإسلام في الزخرفة والعمارة حاضرة بقوة، لكن في المقابل يقدم المعرض الجوانب الروحية التي تتمثل في العادات الإسلامية، وفي الثقافة التي وجدها المصور مثيرة للاهتمام، لاسيما مع وجود التناقض بين ما هو شائع عنها، وبين حقيقتها. وهنا نجد الصلاة حاضرة في أكثر من صورة، بينما يسيطر مشهد الخشوع على بعضها، وكذلك الدعاء أو رقصة الدرويش الصوفية. هذه الثقافة التي يسعى المصوران إلى إيضاحها في أعمالهما، تدل بوضوح على الهدف من إيجاد مغزى توثيقي حقيقي للأعمال، فالصورة بعد 100 سنة تبقى خاضعة للتأويل لكن مما لا شك فيه أنه لا يمكن أن يتبدل جوهر الثقافة الذي تحمله.

وأوضح رولاند ميشو عن المعرض، لـ"الإمارات اليوم"، إنني "أريد من خلال معرضي الثاني في الامارات أن أبرز التواصل، لأننا في عالم يتبدل بسبب التكنولوجيا، وإنني أؤمن بأنه علينا أن نكون مؤمنين ومقدرين للعادات والتقاليد، فآباؤنا ليسوا بسطاء، وقدموا الكثير من العادات الجميلة التي لابد من الحفاظ عليها، والتي يجب ألا تندثر، باستثناء ما هو سيئ منها، وقد حاولت أن أبرز بعض العادات التي أعتقد أنها في طريقها إلى التلاشي في هذا العصر". وأضاف: "حاولت أن أصور في الهند والصين، وقد قضينا وقتًا طويلًا من حياتنا أنا وزوجتي نرصد هذه الصور، لأن التقاطها يحتاج إلى معايشة حقيقية للعالم الإسلامي وعاداته، لهذا فإن الصور في المعرض تعود إلى الكثير من البلدان، بدءًا من جنوب إفريقيا، مرورًا بالمغرب وآسيا وتركيا وإيران وأفغانستان وباكستان". وأردف قائلًا: "أعتقد أنه من الضروري أن أوثق المنطقة في صور جديدة، ولهذا من خلال المشاركة في المعرض سأعمل على التصوير في دبي".

ولفت إلى أنه بدأ وزوجته تصوير هذه المجموعة، حينما كان في منتصف الثلاثينات من العمر، وهي سلسلة مازالت مستمرة ولن تنتهي، طالما هناك حب وجمال. وحول ما اكتشفه في الثقافة الإسلامية، شدد على أنه يرتبط بالتوجه العالمي، فإن كانت هذه الثقافة مفيدة للمسلمين فقط، فهذا يعني أنها لا تعنيني، لكني في الحقيقة أراها ثقافة مهمة للجميع. وأكد أنه يركز على الجوانب الإيجابية فقط، موضحًا أنه أبرز بعض الوجوه التي ترتبط بالعادات والممارسات الدينية، لأن هذه المظاهر الروحانية فقدت من حياتنا اليومية، فالجميع منشغل بتفاصيل ومتطلبات الحياة، ونسوا أنهم يجب أن يتوجهوا إلى الله قليلًا، مشددًا على وجوب التمعن في الرسالة التي تحملها الأعمال، ليس من منظور جمالي فحسب، لأنها من الممكن أن تحدث تغييرًا في النظرة للثقافة الإسلامية، خصوصًا من الذين يجهلونها.