مسرح المجاز

شهد مسرح المجاز، التابع لمركز الشارقة الإعلامي، المسرحية الغنائية "الظلال"، التي كتبت كلماتها الدكتورة والإعلامية اللبنانية نادين الأسعد، ولحنها الفنان البحريني الكبير خالد الشيخ، وأخرجها اللبناني منجد الشريف، وشارك فيها كلٌ من "محبوب العرب" الفنان السوري حازم شريف، والفنانة اللبنانية كارول عون، إضافة إلى فرقة إنانا السورية، الجمعة، وسط حضور جماهيري، من محبي الأعمال الفنية المميّزة.

 

وابتدأ حماس الجمهور مبكرًا، قُبيل بدء العمل الذي وجهت من خلاله الشارقة رسالة محبة وسلام إلى العالم، إذ بدأ بالتوافد إلى المسرح قبل نحو ساعتين من انطلاق المسرحية الغنائية التي حضرت فيها الدكتورة نادين الأسعد، من خلال القصائد والغناء، وأطل فيها حازم شريف على جمهوره في أول عمل مسرحي غنائي يقدمه منذ منحه لقب "أراب آيدول"، وترقب الحضور مشاهد العمل الذي أظهرت أناقة ديكورات المسرح أنَّه سيكون عملًا فنيًا راقيًا، يجمع بين الشعر والغناء والتمثيل.

 

وبدأ العرض بصوت الشاعرة الدكتورة نادين الأسعد، متحدثة عن قصة العمل، قائلة إنَّه يروي "حكاية امرأة تبحث عن ذاتها، تقطف الكلمات وتصادق جميع المفردات والفراشات ليسطع الوطن والحب والشجن من جفن الحروف شمسًا وحبرًا، وترًا وشعرًا، في موسم حبر وورق تعانقت فيه الظلال".

 

وبعدها ابتدأ المشهد الأول مع قصيدة للشارقة، غنتها نادين الأسعد وحازم شريف، وحضر فيها صوت كارول عون، التي لم تتمكن من المشاركة الحية في العمل لأسباب طارئة.

 

وعلى وقع كلمات "لكِ العلياء يا حسناءٌ شامخةً، لكِ الأسماء تُحفر في حمى الرملِ، معي أرزٌ معي لبنان حمّلني قلاداتٍ لأهل الخير والفضل"، شاهد الجمهور عرضًا فلكلوريًا لعارضين بأزياء مستوحاة من التصاميم الإسلامية، عكست مكانة الشارقة الثقافية والتراثية ورسالتها الحضارية إلى العالم.

 

ومن وحي الروابط القوية بين الشارقة والكتاب، امتدت اللوحة الثانية من المسرحية متضمنة قصيدة "قلي الورق" ألقتها الأسعد على وقع مشهد ثري بالتفاصيل المستمدة من بيئة حياة الكاتب التي تحضر فيها القلم والورقة والكتاب، ورافقتها أغنية "لا أنت حبيبي" لفيروز.

 

وفي قصيدة أخرى، خاطبت الأسعد الحبيب قائلة "الشوق عم بيدق اسمك على بابي، ويعزم ليالي الحب تتشحتر كتابي"، وتضمنت مشهدًا بديعًا من واقع الحياة البحرية، إذ مد الممثلون الذين يلعبون أدوار صيادين، بصنانير الصيد على ضفاف المسرح الذي يحاكي البحر فيما فضل بعضهم استخدام الشباك لعلها تصطاد شيئًا من الخير والحب.

 

وتواصلت اللوحات مع إحدى أشهر قصائد الشاعرة نادين الأسعد، التي تحمل عنوان ديوانها الأخير "ظل القصيدة"، وحلّقت فيها الشاعرة في عالم العشق والغرام على وقع موسيقى غربية، غلب عليها صوت الغيتار الكهربائي في إيقاعات سريعة شبيهة بنمط الحياة الغربية في ستينيات القرن العشرين.

 

واستمتع الجمهور بأداء الفنان حازم شريف، وهو يؤدي مشهد شاب يعشق فتاة يراها في أحد المقاهي الشعبية، فيحاول تقديم وردة لها، مغنيًا "أوقات بتمرق بالعطر بترميني بنهدات الزهر، بوقع بأرضي من الشوق وبينزف عوراقي الشعر"، فصقق له مطولًا، قبل أن تقدم نادين الأسعد قصيدة "العشق نار" التي سبقتها بأغنية "حبك نار" لعبد الحليم حافظ، وأتبعتها بقصيدة "رأيتكِ"، رافقتها مشاهد من العصر الجاهلي، يوم كانت ليلى العامرية تهيم عشقًا بابن عمها قيس بن الملوح، وتحول فيها المسرح إلى واحة صحراوية انتشرت فيها بيوت الشَعر وفاحت في أجوائها رائحة القهوة العربية المحمصة على كلمات "قولي: أحبك يا مناي وفرحتي، يا بلسمًا يشفي الجراح بطيب".

 

وعلى وقع صوت الرعد والرياح وأضواء البرق، انطلقت "الظلال" بجمهورها إلى مشهد شتوي، ابتدأ بأغنية "رجعت الشتوية" لفيروز، وغنّت فيه نادين الأسعد قصيدتها "الطقس"، بكلمات المستوحاة من البيئة الباردة في لبنان، ثم أتبعتها بقصيدة أخرى حملت عنوان "بالموقدة"، وهي وسيلة التدفئة التقليدية في بلاد الشام، والتي يعلو فيها صوت الحطب المشتعل على صوت الرعد في أيام البرد ليمنح المحيطين به الدفء، وحضر صوت الفنانة فيروز مرة أخرى في المشهد من خلاله أغنيتها "تلج.. تلج" لتنقل خشبة المسرح بأكملها أجواء برودة الشتاء القارص إلى الجمهور.

 

وتواصلت اللوحات الغنائية الكلاسيكية في المسرحية مع مشهد من أحد البيوت العتيقة، الذي يعلو فيه صوت هاتف قديم، لكن الرنين يواجه بالصمت، فتدخل نادين الأسعد المكان فجأة وهي تغني "كم تكذبينَ" يرافقها حازم شريف والكورال، وتبعت المشهد لوحة غنائية أخرى، عبارة عن دويتو باليه بصوت كارول عون وغناء حازم شريف بعنوان "الصبح"، وتتالت اللوحات مع قصيدتيّ "شاعرة الأحلام"، و"غلام"، والتي كانت الكلمات الشاعرية المرهفة الإحساس القاسم المشترك بينها.

 

وصفق الحضور مطولًا لآخر مشاهد العمل والذي حمل عنوان "عم رقّص الكلمات" وغنّت فيه نادين الأسعد "كل ما اجي حاكيك، بلون شفافي شِعر، وبصير أحكي فيك، وأشهق بطيب العطر"، وانتقلت منها إلى قصيدة "بعد ما خلصت الحكاية"، والتي قالت فيها "بعد ما خلصت الحكاية، حكاية قلب بيدق مش عاوراق، حكاية وطن ما بيوجعو الفراق، حامل معو شمس وحبر، شعر ووتر".

 

واختتمت المسرحية بقصيدة الشارقة، بحضور الممثلين والعارضين الذين شكلوا صفين مائلين على اليمين واليسار، دخل بعدها الفنانون: حازم شريف، ود. نادين الأسعد، والملحن خالد الشيخ، والمخرج منجد الشريف، وسط صيحات الإعجاب من الجمهور لهذا العمل الشاعري المرهف.

 

وفي ختام العمل، قال أسامة سمرة: "تعتبر المسرحية الغنائية "الظلال" من الأعمال الفنية المميّزة التي نظمتها الشارقة في إطار مشروعها الثقافي والفني الهادف إلى تقديم الفن الأصيل والجميل إلى الجمهور، وخاصة في هذا العام الذي تحتفل فيه الإمارة باختيارها عاصمة للسياحة العربية، وبالتأكيد فإن الإقبال الكبير على متابعة هذا العمل، والتفاعل معه من قبل المقيمين في الشارقة وزوارها، يشجعنا على تنظيم واستضافة المزيد من الأعمال التي تعزز مكانة الإمارة على خريطة الفعاليات الثقافية والفنية والترفيهية، ونود أن نشكر أسرة العمل كافة، على أدائهم المبهر، ونرحب بهم دائمًا في مسرح المجاز وفي إمارة الشارقة لتقديم مزيد من العروض الفنية والموسيقية الراقية".

 

من جهته عبر الفنان البحريني الكبير خالد الشيخ عن سعادته الكبيرة بما حققه العمل المسرحي "الظلال" من نجاح كبير استطاعت الشارقة من خلال استعادة المسرح الغنائي بقوة، وأيضًا أضافت إليه نكهة جديدة وهي الشعر الذي تم إلقاءه خلال العرض من قبل الدكتورة نادين الأسعد، مؤكدًا أن الشارقة ودولة الإمارات العربية المتحدة تؤكدان يومًا بعد يوم بأنهما الأبرز في المنطقة على احتضان وإبراز الثقافة والفنون بأبهى صورها.

 

وأكدت الشاعرة الدكتورة نادين الأسعد أن الجهود الكبيرة للقائمين على العمل من ألحان وإخراج وأداء استطاعت إيصال الرسالة التي تتضمنها الكلمات في العمل، وإخراجها إلى الجمهور بأفضل شكل بصري.

 

وأضافت "استطعنا من خلال "الظلال" إيصال رسالة من الشارقة إلى العالم وهي بأن عالمنا فيه الكثير من الحب والسلام، ولكننا بحاجة إلى النظر نحو الأشياء الجميلة وأحيائها في نفوسنا ونفوس من حولنا لنحيا جميعًا بمحبة وسلام".

 

وقال الفنان السوري حازم الشريف "محبوب العرب": سعيد جدًا وفخور بمشاركتي في هذا العمل المسرحي الغنائي الضخم، والعمل مع نخبة فنية رائعة كالفنان الكبير خالد الشيخ والمخرج منجد الشريف والشاعرة الدكتورة نادين الأسعد، ولقد أعجبت كثيرًا بمدى الاهتمام الكبير الذي توليه إمارة الشارقة للثقافة والفن، وبمدى تفاعل جمهور الإمارات والشارقة مع العرض المسرحي "الظلال"، معربًا عن أمله في أن يلتقي جمهور إمارة الشارقة مرة أخرى على مسرح المجاز في أعمال جديدة.

 

يذكر أنَّ مسرح المجاز، الذي افتتح في شهر آذار/ مارس من العام الماضي ليكون المقر الرسمي لاحتفالات الشارقة عاصمة الثقافة الإسلامية 2014، يعتبر الأول من نوعه على مستوى المنطقة، حيث صمم بشكل يضاهي المسارح الرومانية، فهو مسرح نصف دائري، مقام على مساحة تبلغ 7238 مترًا مربعًا، وبلغت كلفة إنجازه 120 مليون درهم.

 

ويتسع لنحو 4500 متفرج، وتتوسطه منصة عرض كبيرة يعتليها الفنانون لأداء عروضهم، ويستضيف المدرج الفعاليات الثقافية والفنية الدولية، ويتكون من قاعات مؤتمرات، وصالات فنية، ومتاجر، ومسطحات خضراء، كما أنه مزود بنظام صوتي متطور عالي الجودة والدقة.