الرئيس إيمانويل ماكرون

على غرار الأفراد الذين تجاوز إنفاقهم لمداخيلهم وتراكمت مديونيتهم، تجد الدول ذاتها مضطرة إلى عرض بعض أصولها وممتلكاتها للبيع، للتخفيف من وطأة عجزها، هذه هي حالة فرنسا اليوم، التي تبدو مقبلة على حملة خصخصة جديدة، وفقًا لما قاله رئيس الحكومة الفرنسية، إدوار فيليب، في حديث إلى صحيفة «لو جورنال دو ديمانش»، حيث أكد أن حكومته «تعتزم طرح مشروع قانون للخصخصة، وقد تتخلى في هذا الإطار عن ملكيتها لبعض الشركات، لكنها امتنعت عن تحديد جدول زمني لعملية بيع هذه الأصول، كما لم يذكر أسماء الشركات التي يمكن أن تشملها.

وتأتي حملة الخصخصة المرتقبة في امتداد الخطوات التي أقدمت عليها الحكومة العام الماضي، وبيع بموجبها جزء من أسهمهـا في شركتي «إنجي» للطاقة و«رينو» لصناعة السيارات، بهدف تمويل صندوق للابتكار يتطلب عشرة بلايين يورو.

وكما تندرج هذه الحملة في صلب خطة الرئيس إيمانويل ماكرون، الهادفة إلى إعادة النهوض بالاقتصاد الفرنسي وتعزيز قدرته التنافسية بالاعتماد على أدوات كثيرة، من أبرزها صندوق الابتكار والبحث العلمي، وهما يُعتبران «مفتاح المستقبل على المستوى الاقتصادي وتمتين مكانة فرنسا الاقتصادية».

ويُحتمل أن تشمل حملة الخصخصة المقبلة شركة «ادي بي»، التي تتولى إدارة مطارات باريس وشركة «لا فرانسيز دي جو» لليانصيب وألعاب الحظ، وتقترن الخطة بإجراءات ترمي إلى خفض الإنفاق العام ومستوى البطالة وإصلاح قانون العمل، بما يخفف من الأعباء المفروضة على المؤسسات ويضفي قدرًا من المرونة على سوق العمل والاستثمار.

والواضح وفقًا للمعهد الوطني الفرنسي للدراسات الاقتصادية، أن المؤسسات الإنتاجية تشهد حاليًا وبخلاف العقود الماضية أجواء من التفاؤل، في شكل يسمح بتوقع نمو يعادل 1.9 في المئة، وبانحسار للبطالة إلى مستوى 9.4 في المئة، في مقابل 11 في المئة مطلع العام الماضي.

ولم يغفل المعهد أن الوضع «يتطلب جهودًا كبيرة وهي لا تزال ضرورية لإنعاش التجارة الخارجية ورفع مستوياته، بعد عقود من الركود بسبب النقص في القدرة التنافسية للسلع الفرنسية"، ونفّذت فرنسا عمليًا مشاريع خصخصة متتالية منذ عام 1986، وفي عهد حكومة التعايش الأولى بين الرئيس الاشتراكي الراحل فرانسوا ميتران ورئيس الحكومة في حينه اليميني جاك شيراك، تم التخلي عن أصول الدولة في مؤسسات، مثل «سان غوبان» لصناعة الزجاج و«سويز» للمياه ومصرف «باريبا» وغيرها.

واستمرت عمليات الخصخصة عبر عهود الحكومات المتتالية التي ترأسها إدوار بالادور ثم آلان جوبيه "كليهما من اليمين" وأيضًا ليونيل جوسبان الاشتراكي، ومجددًا مع كل من دومينيك دوفيلبان وجان بيار رافاران اليمينيين، وأفضت أزمة المال الدولية التي طغت على عهد الرئيس نيقولا ساركوزي وحكومة فرانسوا فيون، إلى شبه توقف للخصخصة التي بدت عديمة الجدوى وغير مربحة ماليًا. لكنها استؤنفت في عهد الرئيس الاشتراكي السابق فرانسوا هولاند، الذي أقدم على تخصيص جزئي لمطاري مدينتي نيس وليون. كما قلص مساهمة الدولة في شركة «سافران» لصناعة السيارات.