أسعار النفط والدولار

 

تشهد الأسواق أداءً جيدًا للسلع والنفط، بينما تسهم التوترات الجيوسياسية، فضلًا عن قوة أسعار الدولار، بتشكيل سوق مليئة بالتحديات. وبصفة عامة، شهدت الأسواق تأثير ارتفاع أسعار الدولار على إنشاء نوع من الرياح المعاكسة، ليس أقلها في مواجهة المعادن الثمينة، كما أكد تقرير صادر الأحد، عن "ساكسو بنك".

وازدادت عمليات الشراء المتجدد للدولار خلال الأسابيع الأخيرة نظرًا لارتفاع مخاطر المضاربة على تداولات الدولار القصيرة واليورو الطويلة. كما أدى ارتفاع التغطية القصيرة، والذي اندفع إلى حد ما بارتفاع فوارق العائدات قياسًا بالعملات الأخرى، إلى استعادة الدولار لمعظم خسائره التي تكبدها في عام 2018.

واستمر ارتفاع الدولار الأسبوع الماضي على خلفية توقعات باستمرار التباين في السياسة النقدية بين مجلس الاحتياط الفيدرالي وغيره من البنوك المركزية، كما أوضح تقرير صادر عن بنك الكويت الوطني الأحد. وترى الأسواق أن المجلس الفيدرالي سيرفع أسعار الفائدة على الأقل مرتين إضافيتين هذا العام، فيما ازداد تراجع التوقعات بقيام البنك المركزي الأوروبي وبنك إنجلترا بتقييد السياسة النقدية، ليرتفع بذلك الدولار. وقد لقي هذا الرأي دعمًا من البيانات الاقتصادية الأخيرة خاصة لأوروبا وبريطانيا، والتي أشارت إلى تراجع النمو في الاقتصادات المتنافسة.

وفي حين تجد الاقتصادات الرئيسية الأخرى صعوبة في بلوغ التضخم المستهدف، فإن أميركا بلغت أساسًا معدلها المستهدف والبالغ 2 في المئة، وقد سجّل مؤشر مصروفات الاستهلاك الشخصي، وهو المؤشر المفضل للتضخم لدى المجلس الفيدرالي، في آخر قراءة له 1.9 في المئة من عام لأخر.

وفي اجتماع اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة الأسبوع الماضي، أقرّ واضعو السياسات بأن التضخم الكلي والتضخم الأساس قد اقتربا من المعدل المستهدف البالغ 2 في المئة، فيما تخلوا عن الإشارة إلى أنهم يراقبون تطورات التضخم عن كثب.

وقد ازدادت ثقة الفيدرالي في التضخم مع تغيير وصفهم للتضخم المستهدف إلى "متماثل" كما جاء في تقرير البنك الوطني. ويشير تركيز المجلس على تماثل التضخم المستهدف إلى أنه سيقبل تجاوزًا متواضعًا للتضخم إلى ما فوق 2 في المئة.. وبالنتيجة، يفترض المحللون أن يؤدي ذلك إلى تراجع التوقعات بأن الفيدرالي سيعلن عن خطط لوتيرة أسرع في رفع أسعار الفائدة في السنة المقبلة.
وبالنظر إلى المسألة الرئيسة الأخرى التي تقلق المجلس لدى رفعه أسعار الفائدة، أصدرت سوق العمل الأميركية أرقامًا متباينة الأسبوع الماضي. وارتفع التوظيف غير الزراعي بمقدار 164 ألف وظيفة الشهر الماضي، وذلك بحسب مكتب إحصاءات العمل، عقب ارتفاعه بعد المراجعة إلى 135 ألف وظيفة في مارس/ آذار . ولكن ذلك كان دون توقعات الاقتصاديين بارتفاع قدره 192 ألفاً. وفي الوقت ذاته، تراجع معدل البطالة من 4.1 في المئة في مارس إلى 3.9 في المئة في أبريل/ نيسان، ويرجع ذلك جزئيًا إلى تراجع في القوة العاملة المشاركة.

وأخيرًا، ارتفع معدل دخل الساعة، الذي تتم مراقبته عن كثب، بمقدار 4 سنتات، مما يعادل ارتفاعًا سنويًا نسبته 2.6 في المئة، أي أقل من الشهر السابق بنسبة 0.1 في المئة، وأقل بشكل طفيف من المتوقع. وفي حين أن البيانات قد تشير إلى أن سوق العمل الأميركية قد تكون ما زالت لديها مجال للتحسن بعد أعوام من الارتفاع، فإن الأسواق كانت غير مبالية. وقفز الدولار إلى أعلى مستوى له في 2018 بعد ذلك.

وفي منطقة اليورو، بقي اليورو تحت ضغط ارتفاع الدولار، في حين كانت التطورات الأخيرة تخفض من توقعات قيام البنك المركزي الأوروبي بالتقييد. وأكد صدور آخر تقرير للناتج المحلي الإجمالي لمنطقة اليورو للربع الأول أن الاقتصاد تباطأ في بداية هذا العام.

وفي الوقت ذاته، تراجع التضخم الأساس في منطقة اليورو إلى 0.7 في المئة فقط في أبريل، ويعود ذلك جزئيًا إلى توقيت عيد الفصح. ولكن من غير المرجح أن يعير المركزي الأوروبي الكثير من الانتباه إلى تقرير التضخم لشهر أبريل، لأن كل القراءات قد انحرفت بسبب توقيت عيد الفصح.

وبدلًا من ذلك، من الأرجح أن يركز المجلس الحاكم على إشارات إلى ارتفاع نمو الأجور للاستدلال على الضغوطات السعرية. وأخيرًا، فإن رد المركزي الأوروبي الخافت نسبيًا في اجتماع الأسبوع الماضي على التقييد النقدي، إلى جانب ارتفاع العوائد الأميركية مقابل عوائد منطقة اليورو، قد أدّيا إلى تراجع اليورو مقابل الدولار الأميركي.

وكان الجنيه البريطاني في تراجع أيضًا مقابل ارتفاع الدولار. فقد ساعد ازدياد عدم اليقين تجاه خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، والبيانات الضعيفة والتراجع الحاد لتوقعات سعر الفائدة لبنك إنجلترا، على تراجع الإسترليني.

النفط
وفي قطاع الطاقة، وخصوصًا النفط الخام، تستمر الاستفادة من الدعم الذي يؤمنه سقف الإنتاج الذي حددته "أوبك" وروسيا، كما استفادت قوة الطلب من ازدياد وتيرة المخاطر الجيوسياسية المرتبطة بقرار الرئيس الأميركي دونالد ترمب المرتقب في 12 مايو/ أيار بشأن الانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران.

وبانسحابه من الاتفاقية، يتوقع تقرير "ساكسو بنك" ارتفاعًا كبيرًا في الأسعار العالمية للنفط، مما قد يحدث نتائج بتأثيرات على النمو العالمي والتضخم. وعلى الرغم من استمرار تأييد بقية أطراف الاتفاقية، فقد يضرّ إعادة فرض العقوبات الأميركية بقدرة إيران على التعامل بالدولار. وعلى الرغم من أن إيران لا تصدّر أي نفط إلى الولايات المتحدة، فإن ذلك قد يلعب دورًا في تقليص أو إلغاء، أو تحقيق انخفاض على أفضل تقدير، لحجم الطلب من حلفاء الولايات المتحدة في أوروبا واليابان وكوريا الجنوبية على النحو الذي شهدناه خلال فترة خضوع إيران للعقوبات بين عامي 2012 و2015.

وساهم رفع العقوبات في مطلع 2016 بزيادة إنتاج النفط الإيراني بواقع مليون برميل يوميًا ليصل إلى 3.8 ملايين برميل في اليوم. وقد تؤدي إعادة فرض العقوبات - دون قيام أعضاء آخرين في "أوبك" بزيادة الإنتاج - إلى إزالة ما يقدر بين 300 إلى 500 ألف برميل يوميًا من النفط الإيراني.
واستفاد خام برنت، والذي يشكل المعيار العالمي، بشكل كبير من استمرار المخاطر الجيوسياسية، لا سيما المواجهة بين الولايات المتحدة وإيران، والانهيار المستمر للإنتاج الفنزويلي الذي استقطب أكبر قدر من الاهتمام في الفترة الأخيرة.

ولعبت قوة الطلب العالمي الواضحة خلال الربع الأول من العام، فضلًا عن الالتزام المستمر من "أوبك" وروسيا بالحفاظ على سقف الإنتاج وصولًا لسعر اقترب من 80 دولارًا للبرميل، دورًا كبيرًا في دعم المضاربات على ارتفاع الأسعار. ووفقًا للمعايير التاريخية، ظهر صافي مراكز التداول طويل الأجل واضحًا للغاية، وذلك في خام برنت على الأقل، حيث يوجد مركز قصير واحد لكل 20 مركزًا طويلًا بحسب قسم المراقبة والتحليل في "ساكسو بنك".

وتفرض زيادة إنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة، وقيود خطوط الأنابيب والمسافة حتى محطات التصدير في خليج المكسيك، حاليًا بعض التناقضات الرئيسية في الأسعار داخل السوق الأميركية.

الذهب
وتوقف التراجع الأخير في أسعار الذهب بعد أن أكدت اللجنة الفيدرالية الأميركية للأسواق المفتوحة في اجتماعها الأخير على تمسكها بسياسة التشديد التدريجي؛ بينما حظيت الأسعار ببعض الدعم الأساسي نتيجة الحرب التجارية بين الصين وأميركا، والعقوبات الأميركية على إيران. وأدى انتعاش أسعار الدولار إلى ظهور ضعف المعدن الأصفر الذي شهدناه خلال الأسابيع الثلاثة الماضية.

وأظهر تقرير الوظائف الأميركية في أبريل ارتفاعًا في قوة الدولار بعد صدور رقم قياسي قوي، ولكن مع عدم وجود أي مؤشرات على ارتفاع الأجور، حيث تم السماح بارتفاع أسعار السندات؛ مما قدم للذهب تعويضًا مقابل قوة الدولار.

وتظهر بيانات المضاربة، والتي اعتمدت على عقود العملات الآجلة في سوق النقد الدولية، مدى ارتفاع مخاطر حدوث حركة مضادة جراء المستويات القياسية التي سجلتها تداولات اليورو الطويلة والدولار القصيرة في الأشهر الأخيرة منذ سبعة أعوام. وعلى خلفية المواجهة القائمة بين أكثر من 80 في المئة من تداولات الدولار القصيرة مع اليورو، ساعدت التطورات الأخيرة - مثل ازدياد انتشار العائدات والبيانات الاقتصادية المخيبة للآمال من منطقة اليورو - في إضعاف اليورو وترك الدولار، على المدى القصير على الأقل، عرضة للمزيد من المكاسب مع رياح معاكسة للسلع، وليس أقلها الذهب والفضة.

وتبيّن النظرة العامة على الدوافع التي تميل نحو تحديد اتجاه الذهب كيف أننا لا نرى أي اتجاه واضح في هذه المرحلة. ويسهم ارتفاع أسعار الدولار والفائدة الحقيقية في تعويض ارتفاع توقعات التضخم، وهو اتجاه سلبي صاعد بشكل عام "عامل تفضيل للسلع في دورة متأخرة"، والمخاطر المالية والجيوسياسية.

المعادن الصناعية
وعانت المعادن الصناعية من التوترات التجارية بين الولايات المتحدة والصين نظرًا للمخاطر المحتملة على الطلب والنمو العالمي جراء اندلاع حرب تجارية كاملة. وأدى خطر تعطل الإمدادات إلى رفع أسعار الألمنيوم، والنيكل بنسبة أقل، بعد أن فرضت الولايات المتحدة عقوبات على كثير من الشركات "الأوليغارشية" الروسية، والتي امتلكت أحدها حصة رئيسية من أكبر شركة إنتاج للألمنيوم خارج الصين.

الحبوب
ووجد قطاع الحبوب وفول الصويا الدعم نتيجة التركيز على الطقس الجاف. ويجري الآن العمل على تعويض التأثيرات السلبية للارتفاع القياسي في مستويات المخزونات خلال الأعوام السابقة، وبقدر أكبر نتيجة التوقعات غير المؤكدة للإنتاج. وظهر ارتفاع في أقساط التأمين ضد المخاطر المناخية في الأشهر الأخيرة نتيجة التطورات التي شهدها نصفا الكرة الشمالي والجنوبي.

وبالنتيجة، تحوّل التجار المضاربون، مثل صناديق التحوط، إلى أكثر المضاربين على ارتفاع الأسعار بالنسبة للمحاصيل الثلاثة الرئيسية لهذا الوقت من العام منذ عام 2014، واستفادت أسعار القمح من الظروف المناخية الجافة في سهول وسط الولايات المتحدة. ولا يزال المحصول الشتوي الحالي في وضع سيء، فيما لا تزال زراعة القمح الربيعي متأخرة عن الجدول الزمني.