ارتفاع اسعار السلع قبيل شهر رمضان

أكد المحللون أن الأزمة الاقتصادية في مصر تتصاعد يومًا بعد يوم، وأن الحكومة أثبتت فشلها في إدارة الأزمات التي تعصف بالبلاد، تزامنًا مع ارتفاع أسعار المواد الغذائية قبل شهر رمضان الكريم، ونقص عدد من السلع الغذائية في الأسواق. كان الحديث في مجتمعنا خلال العقود الماضية عن الغلاء في جانب واحد فقط هو المهور، لكن مشكلة الغلاء توسعت في كل شيء، وعمت مصر وهذا الغلاء الذي بدأ قبل أكثر من سنة في أسعار مواد البناء والأدوية والإيجارات، امتد الآن ليشمل المواد الغذائية وخدمات التعليم والصحة، فضلاً عن الخدمات المهنية، لكنه ما زال مستمراً ويضرب في كل اتجاه بلا هوادة.
كشف أحدث تقرير لبرنامج الغذاء العالمي، عن أن نحو‏ 7‏.‏13‏ مليون مصري أي ‏17‏ % من السكان، يعانون من نقص الأمن الغذائي في العام ‏2011‏ مقارنة بـ‏14‏ % في ‏2009,‏ وانتشار أمراض الفقر كالأنيميا والضعف والتقزم، وأن المستوى الحقيقي للغلاء في الأسعار والمعنى الحقيقي للفقر هو ما يظهر علي حال المصريين الآن مع اقتراب شهر رمضان ودعوات التخريب والتظاهر والعصيان المنتشرة‏.‏
وشهدت الأسواق ارتفاعًا جنونيًا في الأسعار، ضاعف الأعباء على محدودي الدخل‏,‏ حيث تراوحت أسعار اللحوم بين ‏60‏ و‏90‏ جنيهًا للكيلو الكندوز‏,‏ وبين‏ 50‏ و‏70‏ جنيهًا للكيلو الجاموسي، والجملي‏40‏ و‏50‏ جنيها‏,‏ فيما وصل سعرها في الشادر التعاوني ما بين ‏40‏ و‏45‏ جنيهًا، وتراوح سعر اللحوم المجمدة ما بين ‏35‏ و‏45‏ جنيهًا للكيلو، وهو ما أدى إلى ركود في حركة البيع والشراء‏، وذلك بالتزامن مع ارتفاع أسعار الدواجن لتتراوح ما بين ‏18‏ و‏20‏ جنيهًا للكيلو، ووصل سعر الرومي المستورد‏ 42‏ جنيهًا‏، فيما جاءت الزيادة على أسعار الأسماك فتراوح سعر كيلو البلطي ما بين‏15‏ و‏20‏ جنيهًا للكيلو، والمرجان ‏16‏ جنيهًا، والمكرونة‏ 20‏، والسردين وصل إلى ‏15‏ جنيهًا‏.‏
وقالت أم محمد، مواطنة مصرية، إن الأسعار كل يوم في تزايد، وليس هناك مراقب على ارتفاعها، أسعار السكر والدقيق والأرز وغيرها من السلع الأساسية زادت بنسبة بين 50% و100%  خلال 2012، وأن الأكثر ألمًا أن الحكومة لا تعني بالمواطنين، بل هي  تزيد من معاناتنا في ظل ارتفاع أسعار جميع السلع، في الوقت الذي نسمع أن هناك وزراء يعزمون أصدقائهم على سندويتشات يبلغ ثمنها 80 ألف جنيه على حساب الدولة، وينسون أن عشرات الأسر لا تصرف نصف هذا المبلغ طوال العام، مؤكده أن الناس عليها أن تواجه ارتفاع الأسعار وتنزل للمشاركة في تظاهرات 30 حزيران/يونيو، لأن الإخوان لم يقدموا حلولاً وخدعوا الناس في الانتخابات الماضية.
ووصفت هالة السعيد، إحدى المواطنات، غلاء الأسعار بـ"الكارثة" التي أصابت البسطاء باليأس والإحباط، مؤكدة أن الغلاء أضاع على المواطنين الفرحة بشهر رمضان، والاستعداد له، فأسعار الخضار واللحوم جعلت المواطن في حيرة لتدبير حاجات يومه، والاستغناء عن نصفها، وأنها غالبًا ما تنزل إلى السوق بخمسين جنيهًا وتتعامل بصعوبة مع ارتفاع الأسعار لتجمع طبخة للأسرة، وأن الياميش لم يظهر إلى الآن في البيوت المصرية، لأن أسعاره ستحرّمه على الفقراء، فهو للأغنياء سلعة ترفيهية بعيدة عن أحلام البسطاء‏.‏
وعن الأزمة نفسها، أكدت مديرة العلاقات العامة في الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء علية عبدالحميد، ان استمرار ارتفاع الأسعار مع انخفاض الدخل وقيمة الجنيه المصري سيؤدي إلى "ثورة الجياع"، وهي أقل ما قد يشهده المصريون في المستقبل إذا استمر الانحطاط الاقتصادي ومعدلات الجريمة والانفلات الأمني والتضخم على الحال نفسه، موضحة "تقارير الجهاز هي ترمومتر لحال المصريين، وحال المصريين يسير من سيء إلى أسوأ".
وشدد أستاذ الاقتصاد في جامعة المنصورة الدكتور مختار الشريف، على أن مصر تعيش في معاناة حقيقية، واعتقد أن أكثر الذين يعانون هم من الطبقات الفقيرة والمعدمة، ومن المتوقع أن يشارك أبناؤها في أي ثورة مقبلة، فهم المحرك الأساسي لأي حراك شعبي، متوقعًا أن ينزل الفقراء قبل أي متظاهرين في 30 حزيران/يونيو من أجل "عيش – عدالة اجتماعية"، ليكون هناك "حرية"، فالفقراء هم أكثر الطبقات التي عانت خلال العامين الماضيين، وهذه الطبقة هي التي ستحسم الأمور في التظاهرات المقبلة.
وأضاف الشريف، أنه وفقًا لآخر تقرير للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، أن 15% من السكان انضموا إلى شريحة الفقراء، وبل وزادت نسبة شراء الطعام بالتقسيط أو على "النوتة" إلى 18.7% خلال الربع الأول من العام 2013، ووصلت نسبة "السلف" من أجل تناول الطعام إلى 27.8%، يحدث ذلك نتيجة للأداء المشوش من الحكومة الحالية، واصفًا إياها بـ"الفاشلة"، فهي تفتقد لأدنى مقومات الكفاءة والموهبة التي لم تفعل شيئًا أمام انخفاض سعر الجنيه أمام الدولار، وإغلاق ما يزيد على 4603 آلاف مصنعًا حتى الآن، والاعتماد على استيراد نحو 70% من المواد الغذائية، وأن الدين الداخلى زاد في العام الأول من حكم جماعة "الإخوان" من 34 مليارًا إلى 44 مليار دولار، بعد أن وافقوا على سعر فائدة يقدر بـ3.6%، على الرغم من أن سعر الفائدة العالمي لا يزيد على 1.5%، وأن البلد تعاني من مشكلة اقتصادية صعبة لدرجة أن القوات المسلحة وصفتها بأننا "نمشي في نفق مظلم نهايته كارثية"، مشيرًا إلى أن "الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها الدولة تلقي بظلال سلبية على حياة ومعيشة المواطنين، متمثلة في عدم وجود عملة أجنبية وتراجع الاحتياط النقدي من 36 مليار دولار إلى 13 مليار دولار، وهو رقم لا يغطي واردات 3 أشهر، حيث تصل قيمة ورادات الشهر الواحد نحو 5 مليارات دولارات.
وقال مدير وحدة العدالة الاقتصادية والاجتماعية في المبادرة المصرية للحقوق الشخصية الدكتور عمرو عدلي، إن "ثورة الجياع آتية لا محالة، في ظل ازدياد أوضاع المصريين سوءًا، وعدم تمكنهم من تلبية حاجاتهم المعيشية التي تدنت إلى مستويات أسوأ مما كانت عليه قبل الثورة، لسبب ارتفاع معدلات التضخم بشكل غير مسبوق، وما صاحبه من ارتفاع في الأسعار، وحدوث تآكل في الأجور التي تراجعت قوتها الشرائية، مما سيؤدي إلى حدوث انفجار اقتصادي يقوده المواطنين في صورة ثورة جياع"، مشيرًا إلى أنه حتى في ظل ارتفاع الأسعار، وتراجع قيمة الجنيه، لم تصدر الحكومة أي قانون للحد الأدنى للأجور الذي يوفر حياة كريمة للمواطنين، الذي صار 57% من الأسر المصرية لا يكفي دخلها الشهري حاجاتها الشهرية، وهذه هي الأرقام الرسمية التي أعلنها مجلس الوزراء قبل أسبوعين، وهي كلها أرقام تكشف عن مدى سوء أوضاع المصريين الاقتصادية.
وأكد الخبير الاقتصادي الدكتور صلاح جودة، أنه منذ منتصف كانون الثاني/يناير 2013، وهناك تخوف في الشارع المصري، سواء السياسي أو الاقتصادي، بأن مصر مقبلة على الإفلاس، كما أن ثورة الجياع آتية لا محالة في ذلك، وهذا ما يعلنه أكثر السياسيين وكذلك بعض الاقتصاديين، ونحن قد أوضحنا من قبل أن مصر بعيدة عن الإفلاس على الأقل لمدة 4 أشهر مقبلة، لسب قيام مصر بسداد المستحقات والأقساط كافة المستحقة عليها في مواعيدها القانونية، وهذه الأقساط وفوائدها المترتبة نتاج المديونية الخارجية على مصر التي تصل حاليًا نحو 43 مليار دولار، وحيث أن الأقساط المستحقة على مصر عبارة عن قسطين في كانون الثاني/يناير وتموز/يوليو عن كل عام، وقيمة الأقساط هي 1.8 مليار دولار المستحقة عليها في كانون الثاني/يناير 2013، وبالتالي فإن مصر بعيدة عن الإفلاس على الأقل حتى حلول ميعاد القسط المقبل في تموز/يوليو 2013.
وأضاف جودة، أن ثورة الجياع تعني ألا يجد الشعب قوته، وصحيح أن مصر وإن كانت بعيدة عن الإفلاس إلا أنها في مأزق اقتصادي صعب، وهذا المأزق يتمثل في زيادة حجم الدين الداخلي ليصل إلى 1365 مليار جنيه في 28 /2/2013، وزيادة حجم الدين الخارجي ليصل إلى 43 مليار دولار في 28/2/2013، وخروج 13.5 مليار دولار استثمارات من مصر خلال عام 2012، وانخفاض الاحتياط النقدي ليصل إلى 10.1 مليار دولار، وتكفي لمدة 45 يومًا فقط، وزيادة نسبة التضخم بمعدلات غير مسبوقة خلال العام 2012 والشهرين الأوائل من العام 2013 ليصل إلى 25% "متوسط"، وإغلاق حوالي 3602 مصنع ومنشأة خلال الفترة من "1/1 -31/12/2012 " ، وخفض التصنيف الائتماني للمرة السادسة خلال 12 شهرًا، ونقص في السلع الغذائية ومواد الوقود خلال تلك الفترة "1/1-13/12/2012" كل هذه العوامل مجتمعة قد يراها البعض بأنها أزمات وكوارث لا حل لها ولا مخرج لها، وقناة السويس وعمال الغزل والنسيج يوم 8 و9 و10 شباط/فبراير، ما كان تنحي مبارك.
واعتبر الباحث الاقتصادي وعضو حزب "التحالف الشعبي الاشتراكي" وائل جمال، أنه لولا مشاركة آلاف العمال في البريد وقناة السويس وعمال الغزل والنسيج يوم 8 و9 و10 شباط/فبراير، ما كان تنحى مباك، مضيفًا أن "الثورة لها أسباب اجتماعية وسياسية عميقة، ولكن لا أحد يستطيع أن ينكر أنها كانت ثورة جياع وحرية، معربًا في الوقت ذاته عن دهشته من نفى الرئيس محمد مرسي لثورة الجياع المقبلة وكأنها سُبه، وأن حكام مصر يصرخون من المشاكل ولا يفعلون شيئًا، وأنه لا يزال الأسلوب الاقتصادي الساري هو استقطاب الاستثمارات الأجنبية، وإعطاء الأولوية للقطاع الخاص، وأن سفريات حكام مصر لا تحوي سوى مصالح لرجال الأعمال من دون وجود لجان مُشكّلة لحل قضية بعينها، كالفقر والتكنولوجيا وغيرها، وأن القضية الاقتصادية تم استغلالها سياسيًا من كل حكام مصر، موضحًا أن "مصر في وضع اقتصادي صعب، ليس ناتج عن عدم المساواة أو سوء توزيع الدخل وسيناريو التوريث، فقط، وأن مصر مكانها في الاقتصاد العالمي لم يتغير، وأن الاستثمارات الأجنبية انخفضت مع بداية الثورة، وأن الثورة جاءت ولدينا 6 مليون موظف وزاد مليون آخر بعد الثورة، وهو إرث لا نحمله للدكتور مرسي فقط، بل هو نتاج النظام السابق أيضًا، وأن مصر لديها زيادة في عجز الموازنة والدين العام، وزيادة الدين الخارجي، مشيرًا إلى أن الأسر المصرية تنفق الجزء الأكبر من دخلها على الغذاء.