الفيلم الوثائقي الإماراتي "حجاب"

في زحمة أفلام الحركة والأفلام الثلاثية الأبعاد، يُعرض الخميس في دور العرض المحلية الفيلم الوثائقي الإماراتي "حجاب"، بعد جولة عالمية وجوائز من مهرجانات سينمائية عدة. الفيلم مبني على فكرة قدمتها الشيخة اليازية بنت نهيان بن مبارك آل نهيان، وقامت بإنتاجه من خلال مؤسستها "أناسي"، وأسهم في اخراجه ثلاثة مخرجين، هم: نهلة الفهد من الإمارات، ومازن الخيرات من سورية، و البريطاني أوفيديو سالازار.

هذا الفيلم الذي عرض سابقًا في الدورة الـ12 من مهرجان دبي السينمائي، وحصل أخيرًا على جائزة أفضل فيلم وثائقي في مهرجان "طريق الحرير" السينمائي، والذي أقيم في مدينة دبلن، يستطيع ببساطة أن يجعل من الجمهور المشاهد شريكًا في الرأي، فهو يتناول "الحجاب" كقضية، وكل ما يثار حوله من جدل وسجال شارك فيه علماء دين من طوائف مختلفة، وتجارب شخصية لمحجبات وغير محجبات، إضافة الى سياسيين وغيرهم. استطاع الفيلم بجدارة أن يحقق مفهوم الموضوعية، فَلَم يناصر رأيًا على حساب آخر، بل ترك كل الأبواب مشرعة لفئة مستهدفة بشكل رئيس، وهي فئة المشاهد الغربي، الذي يرى غالبيته في موضوع الحجاب ارتباطًا مباشرًا مع الحركات الإرهابية.

التاريخ حاضر في الفيلم، وفكرة الحجاب المرتبطة بديانات عدة حاضرة ايضًا، والتنوع في الطرح بين الفريضة والعادة أخذت الحيز الأكبر، خصوصًا أن كاميرا المخرجين انتقلت بين تسع دول، مثل الإمارات، سورية، تركيا، لندن، باريس، مصر، هولندا، الدنمارك، المغرب، فالثقافة في التعاطي مع هذا "الحجاب" مختلفة بين محجبة وأخرى، وبين من قررت خلعه وبين من تمسكت به، إضافة الى مجموعة من النساء الغربيات اللواتي قررن لبس الحجاب مع إسلامهن على قناعة تامة. صوت الأذان كخلفية بموازاة موسيقى من أنامل المحجبات، توليفة المراد منها تسليط الضوء على الفرق بين غطاء الرأس وغطاء العقل، فقطعة القماش هذه الواضحة والصريحة أقل خطورة في جوانب عدة من تغطية العقل من دون قطعة قماش، وتحويل قضية الحجاب هذه الى مواجهة مباشرة هي بحد ذاتها التي صنعت حاجز التواصل بين من ينظر اليهن كعبء على المجتمع، خصوصًا المجتمعات الغربية، وعلى رأسها فرنسا.

فمن جانب كان لأهل العلم والدين والسياسة آراؤهم االتي انحازت بعضها إلى تحميل الحركات الاسلامية التي ظهرت في عهد الرئيس الراحل جمال عبدالناصر المسؤولية في انتشار الحجاب، وفي المقابل، تم تحميل الثورة الايرانية السبب، خصوصًا أن زمن عبدالناصر والثورة الايرانية جاءا بعد حركات تحررية شهدتها مجتمعات عربية عدة، وفي جانب أكثر شمولية تم اعتبار الاحباط الذي أصاب العرب بعد احتلال فلسطين، أدى الى لجوء كثيرين إلى التدين الذي أدى بدوره الى بزوغ جماعات استغلت هذا اليأس لتشكل آيديولوجيتها الخاصة التي تعقدت أكثر فأكثر حتى يومنا هذا.

وكان للمتشددين دينيًا والمعتدلين وجودهم في الفيلم، مؤكدين أن الحجاب هو الرمز الأوحد لإثبات تديّن الناس وعودتهم الى الطريق الصحيح.

كل هذه الآراء كان لها الأهمية في الفيلم لايضاح الاختلاف، لكن الانسانية ظهرت بأوجها عندما كانت تنتقل الكاميرا إلى وجوه كثيرة، وجوه نساء من كل الأصناف والأشكال، ويعطي هذا الفيلم هذا الحيز في تشكيل العاطفة لدى المتلقي، ما سيخلق جوًا حسيًا على أقل تقدير.

الذكاء في صناعة هذا الفيلم الوثائقي هو تقديم حكاية مبنية على أسس علمية بتراتبية زمنية، لا تشعر المتلقي بالملل، مثل تقديم تحقيق صحافي استقصائي يراد نشره على مستوى كبير، الوثائقي يشبه الصحافة كثيرًا، ثمة مقدمات تجعل القارئ يريد اكمال التحقيق الصحافي الى آخره، ليعرف نهايته، وهذا الذي يحدث مع الفيلم الوثائقي الناجح، خلق الفضول، فالفيلم لا يقدم نفسه بتقنيات عالية، ولا بمؤثرات صوتية خلابة، ولا بسيناريوهات معدة مسبقًا، هو يشبه الحكايات التي يتم تناولها بين الناس في المقاهي مثلًا، لذلك ينجح فيلم وثائقي ويفشل آخر.المخرجون الثلاثة استطاعوا أن يجمعوا قدرًا كبيرًا من الخلفيات التي بنيت على آراء تباينت بين رجل الدين المسلم والمسيحي، الرسام، والعلماء، والاعلام، الشرق والغرب، حول موضوع واحد هو الحجاب، فتخيل كمية المعلومات التي ستدركها وتشكل لديك القدرة على التمييز، خصوصًا في زمن الحريات المرجو في الوقت الحالي، وضرورة وضع الحجاب ضمن خانة تلك الحريات، في زمن القرارات الشخصية التي تتشكل من خلالها طريقة تقديم الفرد لنفسه. في هذا الفيلم لن تجد نهلة الفهد تخرج فيديوكليب للطيفة أو راشد الماجد، بل ستجدها تنتقل بين وجوه اماراتية في جامعة زايد مثلًا، تثير بادارتها للمشهد التحدث عن تفاصيل كثيرة حول حجاب الرأس، في المقابل، ستجد مازن الخيرات، وهو الذي لديه تجارب سابقة في هذا المجال حتى في كتابة السيناريو، يتصرف بحنكة خبير، وبخفة وذكاء يدمج بين الآراء المختلفة، ليتكلل الفيلم مع أوفيديو سالازار المتعمق في صناعة الأفلام الوثائقية من أكثر من 20 عامًا، وهو الذي صنعسابقًا سلسلة "وجه الإسلام"، لصالح محطة "بي بي سي"، وصوّر مناسك الحج إلى مكة مرّات عدة، ابرزها فيلم رحلة إلى مكة: على خطوات ابن بطوطة". فيلم اسمه "حجاب" بدأ العمل فيه منذ 2008، ووصل الى الترشيحات قبل النهائية لخوض التنافس على جائزة الأوسكار سيُعرض اليوم في دور السينما المحلية، ويستحق المشاهدة.