مدينة "بترا" الأردنية

كتب جون وليام بورجون في وصفه لمدينة "بترا" الأردنية بأنها بدت له كأعجوبة الشرق من حيث أن نصف المدينة المتبقية قديمة قدم الزمن. وقال: " لقد أردت دائما رؤية المدينة قبل الإختلاط بهذا الكوكب، وقد حققت هذا الحلم خلال رحلتي الاخيرة الى الأردن".

وأضاف جون "أنها كانت زيارة جميلة لهذه البلاد في جميع الأحوال الجوية، ولكننا ذهبنا في أوائل ديسمبر/ كانون الأول، عندما كانت درجات الحرارة مقبولة وأنها كانت أفضل أيام للسفر بدلا من الذهاب في أيام الصيف الحارقة.


ومن الناحية السياسية، فقد بقيت الأمور مشمسة نسبيا مع الأردن، فإنها تجنبت الى حد كبير المشاكل التي أثرت علي البلدان المجاورة. وكانت نصيحة وزارة الخارجية إيجابية وهي : " إن الغالبية العظمي من الزائرين للأردن لا يشعرون بالمشاكل ولا يوجد أي تهديد يؤثر على سلامة الزائرين البريطانيين أو المقيمين".


وتابع جون قائلا :" خلال إقامتنا الرائعة لمدة خمسة أيام ، رأينا مدينة جرش وجبل نيبو وذهبنا أيضا الى الجزء السفلي من العالم، أي "البحر الميت"، وهو ما يقرب من 1.400 قدم تحت مستوى سطح البحر. وكانت رحلتنا الى العاصمة الأردنية عمان تستحق الذكر أيضا.
وأضاف "أن الخدمة والغذاء وإستعداد طاقم الموظفين للمساعدة كانت جميعها أموراً ثانوية  إستثنائية".
وأكمل قائلا: " كانت أخر زيارة لي للأردن، عندما كنت في سن ال19 ، و يومها قابلت الملك الراحل حسين في قصره الرائع، و مشيتُ تحت السيوف المتقاطعة اللامعة التي يكونها خط من الحراس لإستقبالنا بكرم الضيافة.
وقال جون " أنا أتذكر القصر الذي كان غنيا بالحدائق المزروعة والذي يقع في قلب المدينة. ورؤية هذا مرة أخرى أعادني الى الوراء ، إنها واحة خضراء خصبة والتي أصبحت عمان القديمة".
وكانت هناك المباني الطويلة والأنيقة المرتفعة في كل مكان.والمدينة الدولية الذي يغلب عليها البساطة مع أفضل مطبخ للمأكولات وروعة الحياة الليلية. كما تعانق المدينة جانبيّ التلال السبعة وتُدعي "جابلز".
وقد بقينا ليلة إضافية في فندق "فورسيزون" المعاصرو المرتفع فوق سماء المدينة، وكان هدفنا رؤية "جرش" في اليوم التالي، ولكن بدلا من ذلك أردت التوجه الى عمان القديمة، حيث لا يزال بإمكانك التفاوض في سوق الذهب، وكان هذا حنينا الى الماضي.
ولدى الأردن جيران مشاغبون، ولكنها تمكنت من البقاء وتخطت هذ النزاع.  إنها مملكة لديها جذور أثرية عميقة بشكل إستثنائي: الكتاب المقدس ، الأنباط ، اليونانية والرومانية.
وقد لعبت دور المضيف للنبي موسى و للورنس العرب، وكانت مدينة "بترا" مليئة  بالفسيفساء البيزنطية، والقلاع الصليبية ، كانت كالجوهرة الرائعة. وكان دليلنا الخاص اسمه سفيان ، الذي أكد لنا "أن الأردن بلد مثقف ويرحب بالضيوف كثيراً. إنه بلد مسلم ، ولكن هناك إزدهار للكنائس وهناك مساجد تُسمي يسوع ومريم.
وبعد رحلتنا الى عمان، أخذنا سفيان الى جرش، حيث كانت الأرض أكثر خصوبة تملأها اشجار الصنوبر والزيتون وتنمو فيها أشجار التين. وكانت واحدة من مدن "الديكابولس" وهي عشرة مدن على الحافة الشرقية للإمبراطورية الرومانية في المنطقة، وتُسمي أحيانا "بومبي" الشرق الأوسط.
وأضاف جون " ويتم الحفاظ على هذه المدينة بشكل رائع. وبعد الوصول الى أبراج "هادريان" الشاهقة عند قوس النصر ، والتي بُنيت تكريما لشرفه عندما سقط في 129 ميلاديا، وبالتأكيد كان هذا المشهد القديم منذ 2000 سنة.
وأردف قائلا" لقد شاهدنا الطلاب الشباب أثناء عملهم، حيث يتعلمون ويحافظون على بقاء هذا الفن القديم على قيد الحياة.
وكانت أعمال الطلاب جاهزة للبيع، جنبا الى جنب مع غيرها من الحرف اليدوية. وأثبت قسم المجوهرات أنه لا يُقاوم، وكان زوجي مايكل اشترى لي  فضة رائعة وسلسلة خضراء.
لقد  جلبت لنا الإبتسامات من حولنا، وكان الخاسر الوحيد هو رصيد البنك. كما ان هناك العديد من الكنوز القديمة والفسيفساء في الأردن، والأكثر روعة هو خريطة للقرن السادس من الأراضي المقدسة.
وفي طريقنا الى موقع رئيس الوزراء، تأملنا الطريق تحتنا، فكشف سفيان عن بعض الرموز والتعليقات اليونانية مثل الأدلة علي وجود أثار للكنز.
وكان الجزء الوحيد الذي نجا هو الفسيفساء، في هذا اليوم الطويل وكان قياسها 52 قدم في 20 قدم، والتي تحتوي على مليونين من الحجارة التي غطت جزء كبير من طابق الكنيسة.
كانت هناك مدينة القدس وقبة الإمبرطور قسطنطين وكنيسة القيامة المقدسة كنقطة إتصال ببعضهما البعض، والذي بدا بشكل واضح ومثير للدهشة، وكذلك كانت هناك أشجار النخيل في "جيركو"، والعبارات والمعابر على نهر الأردن والبحر الميت.
وقال سفيان "إنظروا الى الأسماك، التي تذهب بعيدا عن المياه المالحة، مشيرا الى تلك التفاصيل الرائعة".
وكان من الملفت للغاية، قبة الصخرة، الضريح الذي بُني حيث يقال أن النبي محمد"صلي الله عليه وسلم" قد صعد الى السماء من خلاله. وهذا لأن الفسيفساء تمّ إنشاؤه قبل مولد النبي محمد "صلي الله عليه وسلم".
وفي انتقالنا من "مادبا" الى الطريق السريع للملك القديم وعمره 5000 عام، توقفنا عند مقهى على جانب الطريق لتناول الغداء والدجاج والأرز قبل الوصول الى قلعة "الشوبك" في أعلى درجة للغلاف الجوي.
ولا شئ يتم إعداده أفضل من اللمحة الأولى ل "الكازانا الكنز". والتي سميت بذلك بعد دفن أسطورة الكنز المصرية داخل مقبرة، وكان قبر ملك الأنباط مُدهش حقا. إنه يتوهج في ضوء الشمس،  مقبرة شامخة وأثرية وردية اللون، إنه إنجاز هندسي لا يُصدق.
وقال سفيان بحدة: "الوقت يمر، قبل أن يقودنا الى الشارع لرؤية مناظر أخرى مذهلة، والمقابر الملكية المنحوتة بشكل معقد. ثم بعد الترحيب بنا في كشك لتناول فنجان من القهوة، أخذنا لمقابلة رامي.
ونظرنا الى عيون رامي البنية الذي تحدث عن تعلّمه للغة الإنكليزية، وكان من المستحيل عدم الرضوخ لشراء نسخة على الأقل من كتاب والدته، إن لم يكن لديه كشك كامل من الحُلي الأنيقة.
وجاءت والدة رامي ، وهي نيوزلاندية تُدعي مارجريت، الى مدينة "بترا" الصخرة" في عام 1985. لقد سقطت في الحب مع أحد البدو القرويين الذين يعيشون في مقابر وكهوف بيترا، وتزوجته وحملت إسم عائلته هناك.
وكانت قصتها رائعة وتستحق القراءة. ونحن أيضا قمنا بشراء بطاقات بريدية من صور لمدينة "بترا" والتي رسمها فنان يُدعى ديفيد روبرتس في عام 1939. وكانوا قد استولوا عليها بشكل رائع.
ولقد شاهدنا في وقت لاحق  أروقة شارع "بترا" . وقد افتقدنا المكان الذي نصعد منه لرؤية بانورامية للمنطقة، ولكننا فعلنا ذلك في اليوم الثاني، وناضلنا في الصعود 800 درجة من السلالم الصخرية على الجبل، وكانت هذه المرة مرعبة أكثر من الدير حجما، وبساطتها جعلت كل خطوة تستحق هذا التسلق.
لقد كان عملا شاقا ولكن لا بأس به، فكانت المشروبات الغازية حققت أعلى مبيعات. وكانت الحمير تأخذك الى أعلى، لكننا تعثرنا قليلا في الخطوات المنزلقة وشعرت بذلك، وتحملنا بضجر، أكثر السياح إنتفاخا، مثل أكياس البطاطس الكبيرة.
وذهبنا من" بترا" الى ينابيع "ماعين" الساخنة، حيث كان الملك "هيرود" والشهيرة "كليوباترا" يغتسلان هناك. وبقينا في "إيفاسون"، داخل فندق المنتجع الصحي الفاخر بين مناظر أكثر درامية.
وعلى مقربة من البحر الميت ، كان الفندق يؤمن في إستخدامه مواد طبيعية، ومن شرفة غرفة النوم كان يظهر شلال رائع ينساب على الصخور و على مسافة قريبة من اللمس.
أما  الفندق فكان يقدم طعاما رائعا، وتغطيه أعشاب وحديقة نباتية، وحمام سباحة كبير حيث كنا نعاني للأسف من الذباب، ولديه منتجع صحي خلاب، حيث كان لدينا علاج بالتدليك.
وبعد خمسة أيام من المشي و التنقل وتسلق الجبال والتأمل في عجائب الأردن، يبدو من غير المعقول إذا قلنا أن هناك قليال من التدليل. ففي عيد الميلاد المقبل سوف نأتي الى هنا ، لانني لم أشعر من قبل بهذه القوة المُحصنة.