جائزة بوليتزر "نوبل الإعلام"

يعمل الصحافيون في العادة من أجل المهنة  "صاحبة الجلالة" وبحثا عن "المتاعب" وخدمة القارئ والجمهور وحقهم الأصيل في معرفة حقيقة ما يحدث من حولهم، لكن يظل للجوائز طعم خاص ومذاق فريد يلهب حماسهم في سعيهم اللانهائي وراء كل ما هو جديد.

وهم بطبيعتهم الشخصية، التي هي مزيج من سمات الفنان والمثقف والمهني المحترف، يدغدغ ذواتهم كثيرا كل ما ينم عن التقدير والإطراء. وربما يفسر ذلك قدم فكرة الجوائز الصحافية والاهتمام الشديد بها في مختلف أنحاء العالم ، بما في ذلك منطقتنا العربية التي تحتفي الآن بجائزة الصحافة العربية باعتبارها إحدى أهم الجوائز الإعلامية خارج العالم الغربي.

وقد بدأت ظاهرة تكريم الصحافيين بعد سنوات قليلة من ظهور الصحافة نفسها. وثمة إجماع على أن هذه الجوائز التقديرية لعبت دورا أساسيا في تقدم وتطور المهنة، لأنها جعلت الصحافيين أكثر حرصا على تقديم أعمال متميزة واستثنائية على مدار العام، وفي الوقت نفسه شجعت المؤسسات الصحافية على تقديم موارد أكبر وتوفير تمويل أفضل لمشروعات صحافية متميزة سواء لفرق التحقيقات أو المراسلين في الخارج.

وكثيرة هي الجوائز الصحافية في العالم، لكن أشهرها وأقدمها على الإطلاق هي جائزة بوليتزر التي تستحق تسليط الضوء عليها، لأنها بشكل أو بآخر أكثر من ساهمت بجدارة في تطور مهنة الصحافة.

تحمل الجائزة اسم أحد أكبر ناشري الصحف الأميركيين في التاريخ وهو جوزيف بوليتزر. وهو مهاجر من أصل مجري ولد عام 1847 لتاجر ثري يهودي الأصل وسيدة كاثوليكية ألمانية، ثم هاجر الى الولايات المتحدة عام 1865.
بدأ بوليتزر مسيرته بالعمل مراسلا لصحيفة تصدر بالألمانية في مدينة سانت لويس الأميركية،وفاز في 1869 بمقعد في المجلس التشريعي لولاية ميسوري. ثم اختير زعيما للجالية الألمانية في سانت لويس، وعضوا في الحزب الديمقراطي الأميركي وباع حصته في الصحيفة التي كانت تمثل الحزب الجمهوري.

وكانت له مواقف سياسية مشهودة وشن حملات صحافية ناجحة ضد الإدارة الحكومية، وعانى في الوقت نفسه من انتقادات وحملات كثيرة من خصومه الذين كانوا يتهمونه بالتخلى عن دينه.
وقد تبرع بمبلغ كبير قبل وفاته في عام 1911 لإنشاء جائزة سنوية للصحافة والآداب والموسيقى.

ومنذ عام 1917 تقدم جامعة كولومبيا الجوائز بتوصية من هيئة جوائز بوليتزر، المؤلفة من محكمين تعينهم الجامعة نفسها. ويصل عدد الجوائز سنويًا إلى 21، منها 14 جائزة في الصحافة، و6 في الآداب، وواحدة في الموسيقى، إضافة إلى 4 منح في مجالات متعددة أخرى.

وتمنح جوائز بوليتزر في مجال الصحافة لأفضل عمل صحافي في مجال الخدمة العامة، وأفضل تغطية إخبارية، وأفضل تحقيق صحفي، وأفضل تحليل صحافي، وأفضل سبق صحافي، وأفضل تقرير في الشؤون المحلية الخاصة في الولايات المتحدة، وأفضل تقرير في الشؤون الدولية، وأفضل مقالة أو مقالات صحافية خاصة، وأفضل تعليق، وأفضل نقد صحافي، وأفضل مقالات افتتاحية خلال العام، وأفضل عمل كاريكاتوري، وأفضل صورة فوتوغرافية (ضوئية) إخبارية، وأفضل صورة فوتوغرافية خاصة.

وفي مجال الآداب يتم منح الجوائز لأفضل رواية، وأفضل عمل مسرحي، وأفضل كتاب في تاريخ الولايات المتحدة، وأفضل سيرة حياة أو سيرة ذاتية، وأفضل ديوان شعري، وأفضل عمل غير روائي لا يندرج تحت أي تصنيف آخر.
وفي مجال الموسيقى ، يحصل على الجائزة أفضل عمل في مجال التأليف الموسيقي أو الغنائي، أو الرقص، أو الأوبرا، أو أي شكل آخر من أشكال الموسيقى.

وتقدم منح بوليتزر لأفضل أربعة خريجين في مجال الصحافة تختارهم جامعة كولومبيا ثلاثة منهم لمواصلة الدراسة خارج الولايات المتحدة، ورابع لمواصلة الدراسة في مجال المسرح أو الموسيقى أو الآداب أو السينما أو النقد التلفازي.
ويعد الفوز بإحدى جوائز بوليتزر شهادة تقدير دولية استثنائية بما يجعل منها كما لو كانت جائزة نوبل بالنسبة للصحافيين. وأكثر الصحف التي حازت الجائزة هي صحف نيويورك تايمز و"وول ستريت" و"واشنطن بوست".

وسنوياً يستعيد الصحافيون في حفل توزيع الجوائز كلمة شهيرة لجوزيف بوليتزر يصف فيها " اهتم بشدة بتقدم مجال الصحافة خاصة بعد أن بذلت حياتي من أجل الاحتراف في هذه المهنة النبيلة والتي لا تعطى حق قدرها في مدى تأثيرها على عقول وأخلاق الشعب".