الاحتباس الحراري في كوكب الأرض

بات الاحتباس الحراري الخطر الأكبر الذي ينتظر كوكبنا، مهددا حياة الملايين من البشر بسبب تأثيراته السلبية، لا ندرك حجم الأخطار المحدقة التي يسببها كالفيضانات والمجاعات وارتفاع منسوب مياه المحيطات، إذ لم يكن باستطاعتنا تخفيض الانبعاثات الغازية لدرء الكارثة عن الأرض، فما هي الحلول الأخرى التي تستطيع تبريد كوكب الأرض في المستقبل؟ يرى البعض من علماء المناخ ضرورة الاعتماد على علم "الهندسة المناخية" أو "الهندسة الجيولوجية المتعلقة بالمناخ" والتقنيات المتطورة للتلاعب بالطقس ومواجهة تغيراته، لكن بعد القيام بتجارب عدة قبل تطبيقه .

تشتمل الهندسة المناخية على مجموعة من التدخلات، التي يُمكن تقسيمها إلى مجموعتين رئيسيتين، تهدف الأولى إلى الحَد من غاز ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي، فيما تسعى الثانية إلى السيطرة على أشعة الشمس التي تصل إلى الأرض من خلال عكس هذه الأشعة إلى الفضاء، والتقليل بالتالي من ظاهرة الاحتباس الحراري .

وتعتمد المجموعة الأولى على التلاعب بالنُظُم الإيكولوجية، بهدف زيادة كمية ثاني أوكسيد الكربون المُمتَصة من قِبَل الكتلة الحيوية على الأرض (مثل النباتات والتربة)، أو من خلال البحر، وتلجأ هذه الطريقة إلى نشر كبريتات الحديد عَبر المحيطات، ما يشجع على نمو الطحالب مثلاً، التي تؤثر بدورها في كميات غاز ثاني أكسيد الكربون من خلال عملية التمثيل الضوئي . أمّا الطريقة الثانية، فتتمثل باستخدام تصميم خاص يشبه المكنسة الكهربائية العملاقة التي يمكنها تصفية ثاني أكسيد الكربون من الجو، وهي طريقة مَحَل بحث في العديد من الدول الأوروبية من خلال مشاريع مختلفة .

من أهم أفكار الهندسة المناخية "التكنولوجيا البحرية لتبييض السحاب" التي توصف بحسب البعض من علماء المناخ بأنه الخيار الأمثل في مكافحة التغير المناخي على مدى 50 إلى 100 سنة مقبلة، والتي تعتمد على قوارب تقوم برش قطرات مياه البحار على شكل رذاذ باتجاه السماء من أجل تشكيل سحب لإعتام ضوء الشمس . 

تليها فكرة حقن السماء بمادة الكبريت الكيميائية على ارتفاع 20 كيلومتراً من سطح الأرض وتحديداً في "الغلاف الجوي الطبقي" أو "الستراتوسفير" للتحكم ببرودة الهواء في هذه المنطقة التي تتصف بهوائها الصافي والبارد الذي يصل إلى -5 درجات وللتأثير على طبقة الأوزون .

كما أن هنالك فكرة أخرى في الهندسة المناخية تتمثل في عمل مظلة هائلة من فقاقيع الزجاج الرقيقة بسمك 1 مليمتر وإرسالها بواسطة صواريخ لفردها على ارتفاع مليون ميل من سطح الأرض كي تغطي مساحة يبلغ قطرها مليون كيلومتر مربع، وأجريت تجارب معملية في أمريكا بينت أن هذه المظلة الهائلة تشتت 2% من حرارة الشمس الساقطة عليها وتنفذ الباقي ليصل إلى جو الأرض، وهذه التقنية يمكن تقليل حرارة جو الأرض (كما تفعل المظلة التي يستظل بها الإنسان عند سيره تحت أشعة الشمس الحارقة، ارتفاع التكلفة (يقدر أنها سوف تتكلف أكثر من 4 تريليون دولار) كما أن نشر هذه المظلة الهائلة في الفضاء الخارجي سوف يستغرق حوالي 30 سنة .

كذلك تتعدد الأفكار بإنشاء مرآة عملاقة في الفضاء تَعكس مسار أشعة الشمس بعيدًا عن مناطق محددة من الأرض، ما يؤدي بالتالي إلى تبريدها، أو حتى قاربٌ يحرث المحيطات بغية تغذية الطحالب والحَد من غاز ثاني أوكسيد الكربون في الغلاف الجوي .

في الوقت الراهن، تقتصر المشاريع المُتعلقة بالهندسة المناخية على الاختبارات المَعملية في نطاق ضيق، وهو ما يعلق عليه العالم الأمريكي جون ديكيما من جامعة هارفرد بالقول: "التجارب المخبرية ربما لا تجدي نفعاً، إلا إذا قمنا بدفع هذه الأفكار وتجربتها في الواقع أي في الغلاف الجوي حيث يمكننا معرفة مقدار الأشعة الشمسية وانعكاسها وتفاعل الغازات في السماء" . من الواضح أن التلاعب بالمناخ يأتي معه بتغييرات كبيرة، لا سيما بالنسبة لدورة المياه في الطبيعة وهطول الأمطار، فتقليل جُسيمات الهباء الجوي الموجودة في الغلاف الجوي من تأثير أشعة الشمس على سطح الأرض، ستؤثر على التوازن المناخي للكوكب، وتكون النتيجة انخفاضاً في هطول الأمطار على نطاق عالمي .

كما أن الهندسة المناخية سوف تُغير علاقتنا مع الطبيعة تماماً، وستُعزز من انعدام الثقة بين الدول .

وإضافة إلى ما سبق، تحمل الهندسة المناخية خطر صَرف الأنظار عن الجهود المبذولة للحَد من الملوثات "لمُتسببة بظاهرة الاحترار العالمي"، فضلاً عن إلحاقها الضرر بمصداقية المفاوضات الدولية واهتمامات المنظمات البيئية، التي تؤكد أن الهندسة المناخية لا تعالج جذور المشكلة ولكنها تحارب الأعراض فقط . كما أنه لا يوجد نهج فردي للهندسة الجيولوجية يفي حالياً بالمعايير الأساسية للفعالية والسلامة والقدرة على تحمل التكاليف، ومن الصعب نشر النُهج أو إدارتها، وأن ثغرات كبيرة لا تزال موجودة في فهم آثار الهندسة الجيولوجية المتعلقة بالمناخ على التنوع البيولوجي .

كذلك عدم وجود آليات رقابة وتنظيم عالمية وشفافة وقائمة على العلوم للهندسة الجيولوجية المتعلقة بالمناخ، والحاجة إلى إتباع نهج تحوطي، وأن مثل هذه الآليات قد تكون ضرورية للغاية لأنشطة الهندسة الجيولوجية التي يمكن أن تتسبب في آثار ضارة كبيرة عبر الحدود، وتلك المنتشرة في المناطق الواقعة خارج حدود الولاية الوطنية والغلاف الجوي، مشيراً إلى أنه لا يوجد فهم مشترك حول أفضل مكان لوضع مثل هذه الآليات .

في العام 1877 اقترح أحد الباحثين اليابانيين تَغيير اتجاه تيارات كوروشي اليابانية (في المحيط الهادئ)، عبر مَضيق بيرينغ (الذي يفصل بين قارتي آسيا وأمريكا الشمالية)، بهدف زيادة درجة الحرارة في القطب الشمالي بنحو 15 درجة مئوية .

وفي العام 1929 قام أحد علماء الفيزياء الألمان باقتراح تثبيت مرآة ضخمة فوق محطة فضائية، بغية تركيز أشعة الشمس على سطح الأرض، وتحويل معظم الجزء الشمالي للكوكب الأزرق إلى منطقة ملائمة للسكن .

أما جوليان هكسلي عالم الأحياء والفيلسوف الإنجليزي، المدير العام لمنظمة اليونسكو سابقاً، رأى أن من شأن انفجار قنبلة ذرية فوق المناطق القطبية يزيد من درجة حرارة المحيط المتجمد الشمالي، ويؤدي بالتالي إلى مناخ أكثر اعتدالاً في المناطق الشمالية .

وبين عامي 1967و1972 قام الجيش الأمريكي برش يوديد الفضة في السحب خلال حرب فيتنام بهدف تمديد فترة الرياح الموسمية .

واقترح أحد خبراء المناخ الأمريكي عام 1989 تثبيت مظلة في مدار الأرض يمكن أن تعكس 2% من أشعة الشمس باتجاه الفضاء .

وفي العام 2006 خبير هولندي في الكيمياء اقترح توجيه جزيئات الكبريت إلى طبقة "الستراتوسفير" بغية امتصاص جزء من أشعة الشمس، والتقليل بالتالي من درجة حرارة الأرض .

أما عام 2010 استطاع باحثون في جامعة جنيف بسويسرا تحقيق تقنية الاستمطار أو (استنزال المطر الاصطناعي)، بفضل استخدام إشعاع ليزر خاص يعمل على تكثيف قطرات الماء في الغلاف الجوي .