لا يمكن للمرء أن يغادر الفيلم اليوناني «آنسة عنف» دون أن يصاب بحالة من التشويش الداخلي والصدمة النفسية التي ينبثق جزء كبير منها من البناء الدرامي المتدرج والمخادع الذي اعتمده مخرج الفيلم، كي يكشف عن رؤيته التدميرية المعبرة عن صورة الإنسان المعاصر، وهو على مشارف الانهيار الأخلاقي الكلي، بحيث يتم تدوير الزمن باتجاه العصور البدائية والوحشية المطمورة والمتوارية في دواخلنا والتي لا تمنعها المظاهر المدنية الحديثة من إخفاء وجهها البشع وطرائقها السرّية المنفّرة.عُرض الفيلم مساء أمس الأول ضمن أفلام سينما العالم بمهرجان دبي السينمائي، وهو من إخراج أليكساندروس أفراناس المولود في اليونان عام 1977 في ثاني عمل طويل له بعد فيلم سابق حمل عنوان: «بدون» الذي حققه في العام 2008، وحاز فيلمه الجديد: «الآنسة عنف» جائزة الأسد الفضي عن فئة الإخراج في مهرجان فينيسا الذي أقيم في شهر أغسطس الماضي، وسبق لـ أفراناس الفوز بسبع جوائز في المسابقة اليونانية بمهرجان تسالونيكي السينمائي، كما رشح لجائزة أفضل تصوير سينمائي في مهرجان ميلانو الدولي.البداية.. مأساة يبدأ الفيلم بمشهد احتفالي في إحدى الشقق العالية التي تضم عائلة يونانية مكونة من رجل يبدو في بداية الستينات من عمره (الممثل ثيميس بانو الحائز جائزة فينيسا لأفضل دور رجالي عن أدائه في الفيلم)، وامرأة مسنة، بالإضافة إلى أربعة أطفال، حيث نرى الفتاة أنجليكيا التي يتم الاحتفال بعيد ميلادها الحادي عشر، وهي تنسحب ببطء في اتجاه الشرفة ورغم ابتسامتها الواضحة، نراها وهي تقفز منتحرة وكأنها تخلصت من عبء ثقيل لم تكن قادرة على مجابهته.تهبط الكاميرا ببطء وهدوء نحو جثة الفتاة المصطدمة بالرصيف ومن زواية علوية ثابتة نرى أفراد الأسرة وهم يتوافدون الواحد تلو الآخر لمعاينة ما حدث عن قرب، ثم تظهر أسماء المشاركين في الفيلم بشكل يوحى أن ثمة لائحة اتهام يعرضها لنا المخرج مباشرة على الشاشة التي تعرض بزاوية واسعة المشهد المؤلم للفتاة التي رحلت لأسباب غامضة ومريبة أيضاً.وانطلاقاً من هذه الحادثة المأساوية التي لم تستطع السلطات الأمنية ودائرة الخدمات الاجتماعية التي حققت مع أفراد العائلة أن تفكك شفرتها، أو أن تعثر على أسباب مقنعة حول دوافع انتحار فتاة مراهقة في ذات اليوم الذي كانت تحتفل فيه بعيد ميلادها. ... المزيد