القضية الفلسطينية

يجتمع مجلس الأمن اليوم في جلسة طارئة، بناءً على طلب أغلبية أعضائه الذين ينتابهم، وعدد كبير من دول وشعوب العالم، القلق إزاء مسألة تتعلق بحفظ السلم والأمن الدوليين، وذلك في سابقة مهمة وغير تقليدية تستدعي التوقف عندها، فما نشهده اليوم هو انعكاس للتخوف الشديد الذي انتاب المجتمع الدولي خلال الأيام الماضية، إزاء إحدى القضايا التي أدرجت على جدول أعمال مجلس الأمن منذ إنشائه، وهي القضية الفلسطينية، بل يعكس أيضًا التخوف من عواقب وآثار القرارات الأحادية التي تخالف القانون الدولي وتهدد منظومة العلاقات السياسية، والتي تأسست على ميثاق الأمم المتحدة منذ أكثر من 70 عامًا للحيلولة دون تكرار مآسي الحروب، وضمان تنظيم العلاقات بين الشعوب في عصر من المفترض أنه يراعي الحقوق الأساسية لتلك الشعوب، على أساس من المساواة، إن ما نحن بصدده اليوم هو اختبار لتك المنظومة واختبار لسيادة القانون، ولن يتحقق النجاح في هذا الصدد إلا من خلال العمل الجماعي في إطار الشرعية الدولية، أما إذا استسلمنا للفشل فسيكون علينا التعامل مع عواقب وخيمة، بقضية اليوم أو غيرها من القضايا الدولية، ولسنوات طويلة مقبلة.

إن عمر مسألة القدس الشريف يمتد إلى جذور التاريخ، وتعلق قلوب أجيال من شعوب العالم من الأديان السماوية الثلاث بها يرجع لمئات السنين، وتمكن المجتمع الدولي في العصر الحديث من خلال الأمم المتحدة من وضع محددات قانونية للتعامل معها، منذ أن قررت تلك المنظمة إنشاء دولتين على أرض فلسطين، وفقًا للقرار رقم 181، لذلك، فإن المنطق الوحيد، والحقيقة الثابتة الوحيدة، في التعامل مع القدس الشريف في إطار القضية الفلسطينية، هو هذا المنطق وتلك الحقيقة التي انعكست في القانون الدولي المتمثل في قرارات الأمم المتحدة، لاسيما قرارات هذا المجلس، والتي رفضت بما لا يدع مجالاً للشك احتلال القدس، الذي بدأ عام 1967، وبما أننا اجتمعنا اليوم لتأكيد خطورة المساس بالمحددات القانونية التي تم التوصل اليها على مدار عشرات السنين، فلعله من المناسب هنا استذكار أهم قرارات مجلس الأمن الملزمة، القديم منها والحديث، بشأن القدس، فالقرار 242 نص على انسحاب إسرائيل من الأراضي التي احتلتها عام 1967، ومن ضمنها القدس، كما رفض القرار478 احتلال المدينة بالقوة، واعتبر ما يسمى بـ"القانون الأساسي" الذي فرضته إسرائيل انتهاكًا للقانون الدولي، ولا يغير من الوضع القانوني للمدينة، ولا يؤثر على انطباق اتفاقية جنيف المعنية بحماية المدنيين في وقت الحرب على القدس الشريف، ومن المهم أيضًا استذكار آخر قرارات مجلس الأمن الصادرة في هذا الشأن، والتي لم يتخط عمرها العام الواحد، وهو القرار 2334 الذي أكد عدم اعتراف المجلس بأي تغير في خطوط الرابع من يونيو / حزيران لعام 1967، بما في ذلك ما يتعلق بالقدس الشريف، إلا من خلال التفاوض بين الأطراف.

 

كذلك، وكما طالب القرار 478 بسحب جميع البعثات الدبلوماسية من مدينة القدس، كون المجتمع الدولي لا يعترف بها عاصمة لإسرائيل، جاء القرار 2334 ليطالب بوضوح جميع الدول بالتفرقة في تعاملاتها بين الأراضي الإسرائيلية وتلك الأراضي التي احتلت عام 1967، وهي الأراضي التي تتضمن القدس. تلك هي قرارات مجلس الأمن المتسقة في محتواها منذ عشرات السنين وحتى الآن، والتي تعد بمثابة القانون الذي يحكم الوضع في القدس، تلك هي قرارات مجلس الأمن الملزمة والتي تعهدت جميع الدول وفقًا للميثاق بتنفيذها والالتزام بها، حفاظًا على الأمن والسلم الدوليين، تلك هي قرارات مجلس الأمن التي تمثل الحقيقة والمنطق الوحيد فيما يتعلق بالقدس الشريف.

وانطلاقًا من ذلك، فإن جمهورية مصر العربية تعرب عن استنكارها لقرار الولايات المتحدة الأميركية الاعتراف بالقدس عاصمة لدولة إسرائيل، ونقل سفارتها إليها، وتعلن رفضها لأي أثار مترتبة على ذلك، كما نؤكد أن اتخاذ مثل هذه القرارات الأحادية يعد مخالفًا للشرعية الدولية، وبالتالي، فإنها قرارات غير ذات أثر على الوضع القانوني لمدينة القدس، كونها مدينة واقعة تحت الاحتلال، ولا يجوز قانونًا القيام بأي أعمال من شأنها تغيير الوضع القائم في المدينة. وفي إطار ما شرحناه وما هو معروف للقاصي والداني، إزاء الحساسية الشديدة فيما يتعلق بمسألة القدس، فإننا نعرب عن قلقنا البالغ من التداعيات المحتملة لهذا القرار على استقرار المنطقة، لما ينطوي عليه من تأجيج مشاعر الشعوب العربية والإسلامية، نظرًا للمكانة الروحية والثقافية والتاريخية الكبيرة لمدينة القدس في الوجدانين العربي والإسلامي، فضلاً عن تأثيراته السلبية للغاية على مستقبل عملية السلام بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، والتي تأسست مرجعياتها على اعتبار أن مدينة القدس تعد أحد قضايا الوضع النهائي، التي سيتحدد مصيرها من خلال المفاوضات بين الأطراف المعنية.

إن الدعوة للحفاظ على مرجعيات الشرعية الدولية والقانون الدولي ليست من قبيل الترف، لاسيما في منطقة تموج بالنزاعات وعالم يتعرض لتحديات جمة، ولا يحتاج لمزيد من الفوضى غير المبررة، بل هي دعوة تراعي ما نراه واضحًا أمام أعيننا من مخاطر شديدة، تستتبع انهيار المنظومة القانونية الدولية. ومن ثم، فإننا نكرر أن وضع القدس الذي حددته قرارات مجلس الأمن، كمدينة محتلة، لم يتغير، ولن يتغير، إلا إذا اتفقت الأطراف على ذلك من خلال المفاوضات، كما ندعو أجهزة الأمم المتحدة إلى التعامل مع التحديات الناشئة في القضية الفلسطينية بالأسلوب الذي يحفظ للشعب الفلسطيني حقوقه غير القابلة للتصرف، بما في ذلك إقامة دولة مستقلة وعاصمتها القدس الشريف، وفقًا لحدود الرابع من حزيران عام 1967، وتؤكد أن مصر ستظل على عهدها الذي قطعته في سبيل التوصل إلى سلام دائم وشامل وعادل في المنطقة، سلام مبني على محددات الشرعية الدولية.