اللاجئين

رغم بدء السريان الرسمي للاتفاق بين الاتحاد الأوروبي وتركيا بشأن إعادة اللاجئين، إلا أن بوادر تطبيق هذا الاتفاق لم تظهر بعد، فمع الساعات الأولى من صباح اليوم، فوجئت السلطات اليونانية بجزيرة ليسبوس، حيث نقطة العودة إلى الموانئ التركية من جديد، بوصول المزيد من القوارب المتهالكة على متنها مئات من الفارين من الحرب في سوريا والعراق وأفغانستان والطامحين في الوصول إلى أوروبا.

ثم تواترت الأنباء عن وفاة مجموعة من اللاجئين في عرض البحر بنوبات قلبية قبل وصولهم شواطئ اليونان وتم إنقاذ المئات ممن اختاروا طريق الفرار عبر السواحل الليبية، وسط مخاوف من أن يؤدي إغلاق مراكز الاستقبال اليونانية إلى تغيير مسار قوارب الموت إلى الشواطئ الايطالية. القوارب المتجهة إلى الجزر اليونانية رغم تدفقها، إلا أنها لم تؤثر بعد على الاتفاق التركي الأوروبي، حيث أن رحلات المهاجرين انطلقت إلى اليونان قبل السريان الفعلي للاتفاق وإغلاق بحر ايجة في وجه اللاجئين.

المسؤولون اليونانيون بدورهم أكدوا أن تنفيذ اتفاق إعادة اللاجئين لم يدخل حيز التنفيذ فعليا بسبب النقص الشديد في الموظفين والمترجمين واللوجستيات التي تحتاج اليها مراكز اللجوء اليونانية التي ستنطلق منها قوافل العودة الى ميناء ميتليني اليونانية ثم شمالا إلى مدينة كافالا وبعدها يتم نقلهم إلى الأراضي التركية.

وطلبت اليونان التي تمر بأزمة اقتصادية عنيفة نحو 4 آلاف موظف ورجل أمن وقد عرضت فرنسا وألمانيا ورومانيا تقديم المساعدة بنحو 670 موظفا ومتطوعا إضافيا لتسيير الاتفاق خاصة وأن اليونان بها حوالي 48 ألف لاجئ، إضافة إلى 11 ألف آخرين في مخيم ايدوميني على الحدود مع مقدونيا في ظروف إنسانية بالغة الصعوبة، كما استقبلت 1500 آخرين منذ نهاية الأسبوع الماضي فقط. وأعلنت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في تقرير لها أن أكثر من مليون شخص، معظمهم لاجئون من سوريا والعراق وأفغانستان، عبروا إلى اليونان منذ بداية عام 2015، وقد اعتبرت المفوضية أن هذا المستوى هو تذكير عاجل بضرورة اتباع نهج أكثر تنسيقاً لإدارة التدفق وحماية الأشخاص الذين يفرون من الحرب والاضطهاد.

وقالت المفوضية إن الأرقام الأخيرة أظهرت أنه وحتى 14 مارس الجاري، سافر أكثر من 144 الف شخص إلى اليونان من تركيا هذا العام، ليبلغ مجموع الواصلين عبر البر والبحر إلى اليونان منذ 1 يناير 2015 إلى مليون شخص وتم تسجيل 4 آلاف حالة غرق أو فقدان، مقارنةً بـ3,771 غريقا خلال العام الماضي. وأظهرت الأرقام الجديدة أن النساء والأطفال يشكلون حالياً حوالي 60 %من الواصلين عبر البحر، مقارنةً بأقل من 30 في المئة في يونيو2015. ومن المقرر أن يصل اليونان خلال الساعات المقبلة رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يانكر بصحبة مئات من خبراء الأمن والمتطوعين والمحامين والمترجمين للإشراف على أكبر عملية إعادة إجلاء للنازحين في التاريخ.

ورغم الجهود التي تبذلها اليونان لاستيعاب الأعداد المتزايدة من اللاجئين إلا أن مخيماتها سواء في ليسبوس أو ايدوميني نالت انتقادات المفوضية العليا للاجئين بسبب ما اسمته شروط العيش التي لا تحتمل خاصة في مخيم ايدوميني على الحدود بين اليونان ومقدونيا حيث يتكدس أكثر من 14 ألف لاجئ يعيشون وسط ظروف صحية رديئة تسببت في نقل عشرات الأطفال في الأيام الماضية الى المستشفيات بسبب البرد ومشاكل في الجهاز التنفسي والفيروسات، الأمر الذي اضطر مئات اللاجئين للعودة في الأيام الأخيرة إلى أثينا ومن ثم التوزيع على مراكز استقبال أو فنادق.

وسعت الحكومة اليونانية، لنقل آلاف اللاجئين قرب الحدود مع مقدونيا إلى معسكرات إيواء، وسط تفشي مرض فيروس التهاب الكبد الوبائي بين هؤلاء اللاجئين. أما ليسبوس فهي واحدة من العديد من الجزر اليونانية التي تعاني من تدفق آلاف اللاجئين عليها ومعظمهم من السوريين الذين يأتون من تركيا المجاورة. ولم تخل مراكز الاستقبال فيها من المشاكل وسبق أن شهدت توترا بين الشرطة والمهاجرين استخدم فيه الهروات والقي القبض على المئات من المهاجرين في أحداث تدافع وشغب.

وقبيل الاتفاق الرسمي بين أوروبا وتركيا لوقف تدفق اللاجئين، استبقت مقدونيا الأحداث وأعلنت منفردة أنها لن تسمح لأي مهاجرين غير شرعيين عبور حدودها مع اليونان، لتغلق بذلك رسميا طريق البلقان شمالا، رغم تقطع السبل بعشرات الآلاف من المهاجرين العالقين على الحدود المقدونية - اليونانية. وجاء قرار مقدونيا بعد قرار مماثل من سلوفينيا بمنع دخول المهاجرين إليها لعبور البلاد إلى دول أخرى، فيما قالت كرواتيا وصربيا إنها ستتبع المسار ذاته وستغلق حدودها أمام المهاجرين. وتستضيف مخيمات اللجوء على الحدود المقدونية - اليونانية 14 ألف لاجئ كانوا يأملون في فتح الحدود أمامهم للعبور إلى دول أخرى شمالا على طول طريق البلقان. أما حلف شمال الأطلنطي "الناتو" فقد سبق قرار أوروبا-تركيا بخطوة، وأعلن عن توسيع مهمته في بحر إيجة لمواجهة تدفق المهاجرين إلى أوروبا.

وقال الناتو في بيان، إنه سوف ينشر سفنه في المياه الإقليمية اليونانية والتركية، ويعمل بشكل أكثر تعاونا مع وكالة الحدود التابعة للاتحاد الأوروبي لمواجهة ما يوصف بأكبر أزمة مهاجرين في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية. وتنص بنود الاتفاق المشترك بين أوروبا وتركيا الذي توصلا إليه في القمة التي جمعتهما في العاصمة البلجيكية بروكسل على إعادة المهاجرين "غير القانونيين"، الذين يصلون الجزر اليونانية من تركيا، بعد 20 مارس الجاري بهدف تحقيق النظام العام وإنهاء المأساة الإنسانية.

من جانبها، تقوم اليونان بتسجيل كافة طالبي اللجوء في جزرها ببحر إيجة، وفق القوانين، في حين أن مسؤوليها، سيعيدون إلى تركيا من لم يقدم طلب لجوء أو من رُفضت طلباتهم، وفي هذا الإطار سترسل تركيا هيئة لمتابعة الاجراءات في الجزر اليونانية، بالتوازي مع إرسال أثينا هيئة عنها إلى أنقرة لنفس الخصوص، فضلاً عن تغطية الاتحاد الأوروبي كامل نفقات إعادة اللاجئين.

ويقضي الاتفاق أن يستقبل الاتحاد الأوروبي 72 ألف لاجئ سوري كحد أقصى خلال 2016 حيث توطّن أوروبا لاجئًا سوريًا من الموجودين في تركيا، مقابل كل لاجئ تعيده إلى تركيا، ممن وصلوا إلى أوروبا، غير أن عدد استقبال أوروبا للاجئين السوريين لن يتخطى الـ 72 ألفًا في العام الجاري، على أن يتم إيقاف العمل بهذه الآلية حال تجاوز العدد المذكور. كما أن الاتحاد، سيعطي أولية لتوطين اللاجئين السوريين في تركيا، ممن لم يدخلوا أوروبا أو لم يحاولوا الدخول إليها بطرق غير قانونية. وعلى تركيا أن تتخذ كافة التدابير لمنع الهجرة غير الشرعية داخل أراضيها، وتتعاون مع جيرانها (بلغاريا واليونان) فضلاً عن الاتحاد الأوروبي في هذا الصدد.

في مقابل ذلك يتم تسريع عملية إلغاء التأشيرة للمواطنين الأتراك للدخول إلى دول الاتحاد الأوروبي، خلال الفترة المقبلة، بغية إلغائها بشكل كامل نهاية يونيو المقبل كأقصى حد. وتسريع عملية صرف الدعم المالي لتركيا من قبل الاتحاد الأوروبي، والبالغ 3 مليارات يورو، في إطار تحسين الظروف المعيشية للاجئين السوريين في تركيا، ويقدم الاتحاد الأوروبي مبلغًا إضافيًا يصل إلى 3 مليارات يورو حتى نهاية عام 2018، للوصول إلى النتيجة المرجوة كما وافقت اوروبا على اقتراح تركيا بمساعدة السوريين في المناطق الآمنة التي ستقام داخل الأراضي السورية.