الرضاعة الطبيعيّة ضرورة للأم والطفل

في زمن طغيان الاولويات الطائفية والحزبية، تتضاءل حملات جمعيات المجتمع المدني ذات الاهداف الاجتماعية والانسانية والصحية، والتي تعود بالفائدة على اللبنانيين عموماً.من هذا المنطلق دعت جمعيّة "لاكتيكا" التي تأسست في أيلول 2013 إلى وقفة أمام وزارة الصحّة اللبنانيّة للتشديد على أهمية الرضاعة الطبيعيّة وتأثيرها على صحّة الأم والطفل، وحقّهما فيها، وللمطالبة بتفعيل القانون 47/2008 القاضي بمنع كافة سبل الترويج لأطعمة الأطفال الحديثي الولادة وحتى الثالثة من أعمارهم. وحثت الجمعية الوزارة على تطبيق القانون والحد من المخالفات، وخصوصاً تلك المرتكبة في المستشفيات التي تروج علامات تجارية معينة وفي عيادات الاطباء.

تأتي هذه الخطوة نتيجة لغياب جديّة الوزارة والجهات المعنيّة في تطبيق القانون، وتنامي الخروقات التي سجّلتها الجمعيّة من إعلانات في الشوارع وعلى الشاشات لبعض المنتجات الغذائيّة الخاصّة بالأطفال، مما يؤثر على حريّة اختيار الأم. الهدف من الحملة إنساني بالدرجة الأولى لتجنّب مخاطر الأمراض، بغض النظر عن مراعاة المصالح الماديّة للشركات التجاريّة الساعية الى الربح.

الوزارة مطالبة بتطبيق القانون
وفي حديث لـ"النهار" تقول ممثلة الجمعيّة السيّدة، دارين فارس، إن التحرّك يهدف إلى رفع مستويات الوعي حول الرضاعة الطبيعيّة، وإبراز أهمّيتها وفوائدها، وتشجيع الأهل على الحصول على معلوماتهم من مصادر موثوقة لا تبغى الربح، وحثّ الجهات المعنيّة على تبني جملة من الاقتراحات تتضمّن تشكيل لجنة من وزارة الصحّة تشرف على سلامة تطبيق القانون 47/2008، تحديد بنود جزاء وعقوبات واضحة ومشدّدة لردع المخالفين، وتطوير مواد علميّة معاصرة عن أهميّة الرضاعة لتدرّس في كليات الطب والتمريض، واستكمالها بندوات دوريّة بعد التخرّج.
تشير فارس إلى أن الحليب المصنّع يوزّع مجانًا في المستشفيات بمخالفة صارخة للقانون، بموجب عقود خاصّة مبرمة بين الشركات الغذائيّة والمستشفيات والأطباء، بدليل تقديم عيّنات مجانيّة للأمهات الجدد أو دعوتهن إلى تروّج منتجات معيّنة، وتضيف: "هدفنا السماح للأم بأن تتخذ قرارها بموضوعيّة وبمعزل عن أي تأثير من أي شركة تجاريّة أو سلطة صحيّة".

الهدف صحي وإنساني
عن التأثير الذي تمارسه الجمعيّة على خيار الأمّهات، تردّ فارس : "نحن ووزارة الصحّة ومنظّمة الصحّة العالميّة نقدّم توصيات لخير الأم وطفلها، ولهذا تأثير إيجابي يخلق خطّة وطنيّة صحيّة نموذجيّة في المجتمع، إضافة إلى أن حليب الأم لا يباع ولا توجد لنا مصلحة من وراء نشر الوعي حول الرضاعة الطبيعيّة في المجتمع، لأن الحقيقة العلميّة تفرض نفسها".
في المقابل تبيّن فارس أن الحليب المصنّع يؤدي إلى مخاطر كثيرة على صحة الطفل، وفق بحوث صادرة عن منظّمة الصحّة العالميّة منذ عام 1981، ومن ضمنها زيادة نسبة إصابة الطفل بالتهابات الأذن، وزيادة نسبة السمنة المفرطة، ومشكلات الجهاز التنفسي، وغيرها من الأمراض التي تكون نسبة الإصابة بها قليلة عند الاعتماد على الرضاعة الطبيعيّة. وتضيف فارس: "حليب الأمّ هو الغذاء الوحيد الكامل والمكمّل والحيوي، والأفضل للطفل نظرًا لتعزيزه مناعته ضد الأمراض التي قد تصيبه".

دراسات وأرقام
من جهة أخرى، تشير فارس إلى أن آخر الدراسات الصادرة في الولايات المتحدة الأميركيّة تبيّن أن الدولة الأميركيّة قادرة على توفير 13 بليون دولار سنويًا من الفاتورة الصحيّة في حال مارست الأم الرضاعة الطبيعيّة في الأشهر الستة الأولى من عمر الرضيع، وتضيف : "صحيح أن اجيالاً كثيرة تربّت وكبرت على الحليب المصنّع، لكن هل سألنا يومًا عن الثمن الذي دفع من الصحّة؟ ألا نلاحظ تنامي زيادة نسبة السمنة المفرطة. نعم كبرت أجيال كثيرة لكن كيف؟".
أمّا في لبنان، فتشير دراسة صادرة عن مكتب الإحصاء المركزي الوطني ومنظّمة "اليونيسيف"، أن نسبة الرضاعة الطبيعيّة الحصريّة في الأشهر الخمسة الأولى من عمر الوليد، هي 15 في المئة على الصعيد الوطني. ويعود الفضل إلى النساء في القرى النائية، لاعتمادهن على الرضاعة، بينما في بيروت تتدنى النسبة الى أقل من 1 في المئة، علمًا أن هناك الكثير من العوامل التي تساهم في تراجع هذه النسب، من ضمنها عدم تطبيق القانون، عمل المرأة خارج المنزل، الثقافة العامّة حول أهمّية الرضاعة، سعي المرأة ال المحافظة على جمالها الخارجي على حساب غذاء طفلها.

أهمّية الرضاعة الطبيعيّة
اخيراً ليست الرضاعة مهمّة وضرورية لصحة الطفل فقط، بل للأم أيضًا. فهي من أقدم وسائل منع الحمل طبيعياً وأنجحها. وهي توفر السعادة للأم وتعمل على إشباع غريزة الأمومة وعاطفتها، كما انها من أفضل الوسائل لخفض الوزن بعد الولادة.