وحيد القرن

أصيب الحارس المخضرم في جنوب أفريقيا، وعميد  هيئة الحفاظ على الكركدن العالمية الدكتور إيان بلاير، بالصدمة عندما اكتشف أن نحو ألف حيوان من الكركدن أو وحيد القرن قد ذبحوا في السنة الماضية، وقد توفى المحارب الأفريقي للحياة البرية قبل أكثر من 3 سنوات عن عمر يناهز 87 عامًا، عندما وصل الصيد الجائر إلى مستويات عالية في جنوب أفريقيا، حيث كان يقتل حوالي 3 من وحيد القرن يوميًا.

 

 

وكشفت تلك الإحصاءات الحكومية السنوية التي أعلنت الأسبوع الماضي، عن صورة 730 جثة من جثث الكركدن المتراكمة في جنوب أفريقيا على مدى العقد الماضي، وبيّن الصحافي توني كارني أنّه "قمت بزيارة بلاير في منزله في ميدلاندز كوازولو ناتال لسؤاله عن أفكاره بشأن أزمة الصيد غير المشروع ومستقبل أحد الأنواع "الخمسة الكبار" (وهم؛ الأسد والنمر ووحيد القرن والفيل والجاموس) التي كرس معظم حياته لحمايتها، فكان قد وصل إلى نقطة حيث كان ينبغي أن يأخذ الأمور بسهولة، بعد أكثر من 6 عقود من الخدمة للحفاظ على الطبيعة، بدلا من ذلك، اتصل زملاؤه من جميع أنحاء البلاد بهاتفه المحمول بشكل مستمر يخبرونه باكتشاف وحيد قرن آخر ذبُح من أجل الحصول على قرنه، وبعد أن عمله بجد لإنقاذ وحيد القرن من الانقراض في السابق، لم يكن بمقدور بلاير فعل أي شيء حيال المحافظة على الحيوانات وسط هذه الأزمة الجديدة، وقال لي أيضا عن حلم كان يراوده، "كان حلمي حول وحيد القرن الأبيض الشاب الذي جاء للاستلقاء بجانبي ثم وضع بلطف رأسه على كتفي، هذا لا يحتاج إلى الكثير من التفسير ، فوحيد القرن لا تزال بحاجة إلى مساعدتنا أكثر من أي وقت مضى".

و صادف بلاير، وهو الشقيق الأكبر لنجم الغولف الشهير غاري بلاير، أولا وحيد القرن في محمية إيمفولوزي في أوائل الخمسينيات عندما التحق بمجلس إدارة متنزهات ناتال باعتباره حارس المحمية، فانطلق بلاير لقيادة عملية عالمية لحماية ثاني أكبر حيوان في العالم من الانقراض، وقبل أقل من عقد من الزمان، اقتصرت الوفيات الناجمة عن الصيد غير المشروع على ما يقرب من 20 وحيد القرن سنويا في جنوب أفريقيا، البلد الذي يوفر ملاذا ل 93 في المائة من أعداد وحيد القرن الأبيض في أفريقيا وحوالي 40 في المائة من وحيد القرن الأسود في القارة، وفي عام 2007، لم يكن هناك سوى 13 وحيد قرن في جنوب أفريقيا، ولكن في عام 2008 ارتفع هذا العدد بشكل حاد إلى 80 حالة وفاة؛ وإلى 333 في عام 2010 ثم إلى مستوى قياسي بلغ 1205 خلال عام 2014، وفي العام الماضي، وصل عدد القتلى إلى 1000 للسنة الخامسة على التوالي.

 

 

وتجدر الإشارة إلى أنه في عام 1897 كان هناك فقط حوالي 50 من وحيد القرن الجنوبي الأبيض في العالم - وكلها كانت محصورة في محمية إمفولوزي الرائدة في كوازولو ناتال، وعندما وصل بلاير إلى إيمفولوزي في عام 1952، ارتفع عدد الاحتياطي الصغير إلى حوالي 430 حيوان وكان حريصا على ضمان ألا يتعرض هذا النوع أبدا للانقراض، وبمساعدة زملائه الحراس مثل ماجكبو نتومبيلا ونورمان دين وأوين ليتلي ونيك ستيل وألفيوس وجون كلارك والطبيب البيطري الدكتور توني هارثورن بدأ بلاير وفريقه مشروع ضخم لجذب وإعادة التوطين يعرف باسم عملية الكركدن، وكان هدفهم تحويل هذه الثروة الثمينة بعيدا عن منطقة حفظ واحدة، وأيضا توفير مساحة أكبر للمعيشة لتتكاثر، وبين عامي 1961 و 1972، تم نقل أكثر من 1100 وحيد القرن الجنوبي الأبيض من كوازولو ناتال إلى مستوطنات أخرى في جنوب أفريقيا وأماكن أخرى في أفريقيا وأيضا إلى حدائق الحيوان أو حدائق السفاري في جميع أنحاء العالم، وبحلول منتصف الستينيات، حصدت الاستراتيجية بعض الثمار المبكرة، عندما أصبح وحيد القرن الجنوبي أول حيوان يتم إزالته من جدول الحيوانات الأكثر تعرضا للانقراض والذي جمعه الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة، وعلى الرغم من أن هذا النوع لم يكن بعيدا عن الغابات، إلا أن أعداده شهدت نموا مطردا حتى قبل 10 سنوات، عندما تفاخرت جنوب أفريقيا بما يقرب من 19000 من وحيد القرن الأبيض - إلى جانب ما يقرب من 2000 من أنواع وحيد القرن الأسود الأكثر تعرضا للانقراض والتي تم تدميرها في أماكن أخرى في أفريقيا، بيد أن وزيرة الشؤون البيئية في جنوب أفريقيا ادنا مولويوا أكدت الأسبوع الماضي أن 1028 وحيد القرن لقوا مصرعهم في جميع أنحاء البلاد خلال عام 2017 وهو انخفاض بسيط مقارنة بعام 2016، وأسباب الزيادة المفاجئة في الصيد غير المشروع لوحيد القرن منذ عام 2008 فصاعدا هي معقدة إلى حد كبير، ومع ذلك، يعزو العديد من المراقبين الارتفاع المفاجئ إلى وقف النشاط الذي فرضته حكومة جنوب أفريقيا على بيع قرون وحيد القرن المحلي والذي دخل حيز النفاذ في أوائل عام 2009، وفي حين أن البيع التجاري لقرون وحيد القرن عبر الحدود الدولية قد حظر منذ ما يقرب من 40 عاما منذ اتفاقية التجارة الدولية للأنواع المهددة بالانقراض، واصلت جنوب أفريقيا السماح بالمبيعات المحلية حتى عام 2009 - على الرغم من أن قرون وحيد القرن ليس له فائدة أو قيمة تجارية حقيقية هناك (ما لم يتم تهريبها سرا إلى أسواق المستهلكين المربحة في الصين وفيتنام وغيرها من الدول الشرقية).

وفي أواخر العام الماضي، قام جون هيوم، وهو مربي وحيد القرن خاص، الذي يملك أكثر من 30 في المائة من قطيع وحيد القرن في البلد، بإلغاء هذا الوقف بعد سلسلة من قضايا المحاكم، ويمكن الآن بيع قرون وحيد القرن من الناحية القانونية في جنوب أفريقيا مرة أخرى بموجب نظام تصاريح صارم، ولكن الحظر التجاري الدولي لا يزال قائما، وأشار مولوي إلى عزم الحكومة على الحد من الصيد غير المشروع باستخدام مجموعة متنوعة من الاستراتيجيات، ومع ذلك تتساءل مجموعات الحفظ عن مدى بقاء سكان جنوب أفريقيا المتبقين قادرين على الحفاظ على معدل وفيات يزيد عن 1000 حالة في السنة.

 

 

ويحذر الصندوق العالمي للطبيعة من أن أزمة الصيد غير المشروع في وحيد القرن لم تنتشر فقط لتشمل أنواعا أخرى من الأحياء البرية مثل الفيلة، ولكنها تؤثر أيضا على سكان الريف الذين يعيشون في المناطق المحمية بسبب تعرضهم لنقابات الجريمة المنظمة، ويذكر الدكتور جو شو، زعيم الصندوق العالمي للطبيعة بما يتعلق بوحيد القرن الأفريقي: "يبدو أن عام 2017 أظهر أيضا تحولا بآثار الصيد غير المشروع على الأنواع الأخرى، حيث أفادت التقارير أن خسائر الفيلة في حديقة كروجر الوطنية قد زادت إلى 67 في عام 2017 مقارنة ب 46 في عام 2016،  ولا يزال الاتجار بالحياة البرية يشكل تهديدا منتشرا لحيوانات وحيد القرن، وبشكل متزايد إلى أنواع أخرى مثل الفيلة والأسود التي تجلب السياح والوظائف إلى مناطقنا المحمية الهامة، نحن بحاجة إلى تعاون حكومي مستمر بين الوكالات عبر الحدود ومع القطاع الخاص والمجتمع المدني لوقف الأضرار التي لحقت بالحياة البرية والناس، وفي الوقت نفسه، نحن بحاجة إلى العمل لإيجاد وسيلة لتمكين الناس الذين يعيشون حول المناطق المحمية للاستفادة قانونيا من الحياة البرية".