خلال أكثر من نصف قرن في كوبا لم يكن مسموحا ببيع أو شراء العقارات في كوبا تحت إدارة فيدل كاسترو، حيث كانت كل الملكيات الخاصة مؤممة. ولكن الانفتاح الجزئي للسوق الكوبية في بعض المناطق جذب اهتمام الكثير من الأجانب الذين يتوقعون انفتاحا اقتصاديا وربما تغييرا في السياسة في عهد راؤول كاسترو وتجري صفقات عقار حاليا في كوبا، خصوصا للكوبيين المهاجرين إلى أميركا، ولكنها تكون في سرية تامة ولا يتم الإعلان عن السعر الحقيقي للعقارات لتجنب ضرائب باهظة، كما أن عمل المحامين وشركات العقار لصالح أفراد أجانب ما زال يعتبر غير قانوني في كوبا وينتشر وكلاء العقار غير الشرعيين يعرضون بعض العقارات التي يريد أصحابها بيعها، وذلك بعد أن أصدر راؤول كاسترو الذي تولى الحكم في عام 2008 بدلا من أخيه المريض، قانونا يتيح للكوبيين امتلاك عقاراتهم. وأغرى ذلك المستثمرين المحليين والأجانب لأن العقارات التي ظلت مجمدة منذ نصف قرن أضحت متاحة للتداول وبأسعار بخسة وكانت خطوة فتح أسواق العقار الكوبية مصممة لتجنب أزمة اقتصادية واستعادة النمو للاقتصاد الكوبي. وكان النظام المعهود قبل ذلك هو نظام تبادل العقارات وهو نظام بيروقراطي يتعين معه الحصول على موافقة حكومية على تبادل عقارين متوازيين في القيمة من نماذج الصفقات التي تسمح بها الحكومة الكوبية الآن بيع العقارات من أجل شراء عقارات أصغر أو أكبر حجما وفقا لحاجة البائع. من أمثلة هذه العقارات منزل به أربع غرف وثلاثة حمامات في حي فيدادو الراقي معروض بثمن 350 ألف بيزو حر، وهي عملة كوبية موازية تساوي في القيمة الدولار الأميركي. وتبيع العقار سيدة عجوز تريد تصغير منزلها إلى شقة صغيرة يمكن العناية بها بسهولة وتتكرر الصفقات المشابهة في أنحاء هافانا، ويجري التعرف على معظمها من مواقع على الإنترنت تتيح للراغبين بيع أو شراء العقارات الكوبية. كما يوجد الكثير من شركات العقار التي تتعامل في عقارات للبيع برسوم تصل إلى 5% من الثمن. ولكن مدير إحدى الشركات يعترف بأن معظم الزبائن لا يدفعون العمولة لأنه لا يستطيع الشكوى إلى السلطات لأن نشاط شركته غير قانوني وفي عام 2012 تم بيع 45 ألف عقار كوبي وفقا لمكتب الإحصاءات الكوبية. أما بحساب الصفقات غير القانونية، فإن العدد قد يزيد إلى نحو 100 ألف صفقة. وتتراوح أسعار هذه العقارات من عشرة آلاف دولار لشقة صغيرة في هافانا القديمة إلى نصف مليون دولار لفيللا في الأحياء الفاخرة. وكان متوسط ثمن العقار في كوبا في العام الماضي نحو 16 ألف دولار ويشترط القانون الكوبي أن العقارات الكوبية تباع وتشترى فقط من الكوبيين أو المقيمين إقامة دائمة في كوبا. كما تشمل الشروط أيضا أن يقتصر المشتري على عقار رئيسي للمعيشة وآخر للعطلات إذا كان لدى المشتري ما يكفي من التمويل ولا تريد الحكومة الكوبية للمواطنين أن يتملكوا الكثير من العقارات ولا أن تباع هذه العقارات بالجملة للأجانب. ولكن هناك بعض الأحياء في هافانا التي فتحها فيدل كاسترو للاستثمار الأجنبي قبل 20 عاما، ويقبل عليها الأميركيون من أصل كوبي ممن يعيشون في فلوريدا. ويتم الشراء في الغالب عن طريق الأقرباء المقيمين في كوبا بحيث لا تعرف الحكومة من هو المالك الأصلي للعقار ويمكن للأميركيين وفقا لقانون أميركي جديد تحويل بعض الأموال إلى كوبا، ويتم تحويل ما قيمته خمسة مليارات دولار سنويا إلى كوبا يذهب معظمها إلى الاستثمار العقاري. ويحاول بعض المستثمرين الأجانب التحايل على القانون الكوبي بشراء العقارات تحت أسماء أصدقاء كوبيين. ومنهم من يدفع الثمن غاليا عندما يستولي «الصديق» الكوبي على العقار، ولا يستطيع المستثمر الأجنبي استرجاع أمواله. وفيما يتعلق بالضرائب الكوبية يشترط القانون أن يدفع البائع والمشتري نسبة 4% من قيمة الصفقة، ولكن معظم الصفقات لا يتم الإعلان فيها عن السعر الحقيقي وتحاول الحكومة الكوبية تشجيع الاستثمار العقاري السياحي حاليا في منطقة فاراديرو الساحلية على مقربة 130 كيلومترا من العاصمة هافانا. ويحاول المستثمر الأجنبي اندرو ماكدونالد إنشاء أول قرية سياحية عالمية بها 800 عقار فاخر وأول ملعب غولف في كوبا في هذه المنطقة في استثمار دولي حجمه 350 مليون دولار. ويشاركه في هذا الاستثمار الكثير من الأسماء العالمية مثل السير تيرينس كونران في التصميم العقاري وتوني جاكلين في تصميم ملعب الغولفوتعتقد هذه المجموعة الاستثمارية أن كوبا هي من أهم الأسواق الناشئة سياحيا وعقاريا، وهي إن كانت بطيئة في الإجراءات إلا أن العوائد فيها هائلة. وينتظر ماكدونالد التراخيص المحلية لبداية مشروعه الذي سوف ينهي عزلة كوبا الاستثمارية التي استمرت أكثر من نصف قرن ويقول ماكدونالد إنه أنفق حتى الآن نحو ثلاثة ملايين دولار على دراسات الجدوى وإنه يسعى في الإجراءات منذ عام 2006. ومنذ ذلك الحين والحكومة الكوبية تعده بقرب الموافقة على المشروع، ثم يتأجل القرار إلى العام التالي. ويؤكد وزير السياحة الكوبي مانويل ماريرو أن الموافقة صدرت من البرلمان إلا أن ماكدونالد لم يحصل على الترخيص بعد ويأمل ماكدونالد أن يبدأ في بناء القرية الساحلية التي تتيح للمشترين امتلاك شقق أو فيللات، بأسلوب الملكية الحرة مع إمكانية تأجيرها، بأسعار شراء تبدأ من 2700 دولار للمتر الواحد. ويستند ماكدونالد إلى سجل الأراضي الإسباني الذي يسبق الثورة الكوبية لإثبات أن الأرض التي يريد الاستثمار عليها لا تخضع لأي نزاع ملكية قانوني لأي جهة أجنبية أو كوبية وتقع الأرض بالقرب من فيللا «دوبون» التي كانت تمتلكها عائلة أميركية ثرية قبل أن تؤممها الحكومة الكوبية وتحولها إلى فندق حكومي. ويطالب الكثير من المغتربين الكوبيين في فلوريدا بحقوق ملكية العقارات التي سلبت منهم بالتأميم بعد الثورة ويقول مستشارون في العقار الدولي إن الاستثمار في العقار الكوبي لا يصلح إلا لهؤلاء الذين يتمتعون بأعصاب قوية ما بين مطالب ملكية من المغتربين الكوبيين وتردد الحكومة الكوبية بين الانفتاح الاقتصادي تارة والتراجع تارة أخرى. فقد أعلن فيدل كاسترو الانفتاح قبل 20 عاما ثم جرى عكس تلك السياسة بعد ذلك بعدة سنوات ويأمل المستثمرون أن يكون راؤول كاسترو أقل تمسكا بالآيديولوجية التي قادت خطوات أخيه الأكبر وأن يكون الانفتاح هذه المرة مستمرا في كوبا. ويشير مستشار مالي في هافانا إلى أن الحكومة الكوبية ليس لديها أي مجال آخر لتجنب أزمة اقتصادية طاحنة سوى فتح المجال للاستثمار الأجنبي والسماح للأجانب ببناء القرى السياحية وملاعب الغولف وتملك العقارات في كوبا وسوف يكون مثل هذا الانفتاح، لو تحقق عمليا، بداية صحيحة لسوق عشوائية حاليا لا تعلن فيها قيمة العقارات الحقيقية ولا يسمح فيها لشركات العقار أو المحامين أو وكلاء العقار بالعمل بحرية وفقا للقانون. وعندما يتحرر الاقتصاد الكوبي رسميا سوف يجد المستثمرون أن متاعب الانتظار الطويل والصبر على مصاعب الروتين حققت لهم عوائد أكثر من التوقعات.