هجرة إلى التوحش

هجرة إلى التوحش

هجرة إلى التوحش

 صوت الإمارات -

هجرة إلى التوحش

عمار علي حسن
بقلم : عمار علي حسن

لا يتصور كثيرون أن الجماعات والتنظيمات المتطرفة والإرهابية لا تزال مسكونة بفكرة «الهجرة» متوهمة أن أتباعها في حالة تماثل وتطابق مع صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم، وأن بقية المجتمع يعيش في جاهلية ككفار قريش، ولذا فإن عليها ترك الناس والذهاب إلى مكان بعيد لإقامة «وطن بديل»، تطبق فيه أفكارها العنيفة، وتنطلق منه لمهاجمة المجتمعات والدول بدعوى أنه هذا هو «الفتح» على غرار ما جرى في صدر الإسلام. 
وأخذت فكرة الهجرة هذه أطواراً متعددة، تتراوح في أسلوبها بين هجرة الجسد، مثلما فعل أتباع تنظيم التكفير والهجرة، أو هجرة المشاعر مثلما يتحقق في إيمان جماعة «الإخوان» بـ«العزلة الشعورية»، وتتراوح في التعبير عنها بين ما تسمى «دولة الفكرة» عند «الإخوان» وإدارة التوحش لدى «داعش». 
منذ البداية آمنت هذه التنظيمات بالهجرة تلك، وإنْ اختلفت في طرق التعبير عنها، وأساليب الوصول إليها، والتدرج الواجب في سبيل بلوغها، وأنتجت على ضفافها العديد من الآراء الغريبة والشاذة، التي ما أنزل الله بها من سلطان.
وهذه الأفكار والرؤى والإجراءات التي سبقت «إدارة التوحش» كانت على قدر من الخطورة، لأنها تقوم على هدم الدول، وإثارة الفوضى العارمة، ولذا فإن التصدي لها عمل إنساني، وواجب وطني، وفرض ديني.
تعني الهجرة لدى المتطرفين ترك المجتمع وبناء نواة اجتماعية مختلفة، بدعوى أنه «مجتمع جاهلي»، تحكمه سلطة كفرية، تطبق قوانين وضعية، ولذا لا يجب على أتباع الجماعة، الذين يتوهمون أنهم المؤمنون، أن يمكثوا فيه، ويعايشوا أهله الذين يرونهم كفاراً، إنما وجب عليهم أن يرحلوا عنه، ليقيموا هم مجتمعهم الخاص الذي يتماشى مع الأفكار التي يعتقدون فيها. والمثل الصارخ على هذا هو ما سمت نفسها «جماعة المسلمين»، وسماها الناس «التكفير والهجرة» والتي طفت على السطح في مصر خلال سبعينيات القرن العشرين، حيث تمكن مؤسسها شكري مصطفى من إقناع أصحابه بالنزوح إلى حي طرفي في القاهرة وهو «عزبة النخل»، الذي كان أيامها بعيداً وجديداً، كي يقيموا دولتهم، وظلوا هناك إلى أن اكتشف أمرهم وقبض عليهم بعد اختطافهم وقتلهم وزير الأوقاف الشيخ الذهبي، فانتهى التنظيم. 
وقد تؤدي الهجرة إلى حدوث «الاقتطاع»، أي نزع جزء من جسد دولة أو من مدينة من المدن، لإقامة «وطن بديل» أو «مجتمع بديل»، يتم فيه تطبيق أفكار الجماعة المتطرفة، بعد أن تمتلك وسائل للسيطرة والتحكم داخل المجتمع، إما بإقناع عدد كبير من سكانه بالفكرة المتشددة، وتوظيفهم في السيطرة على الباقين، أو باستغلال التهميش الاجتماعي وغياب سلطة الدولة على حي أو إقليم وملء هذا الفراغ، والتغلب بالقوة القاهرة على السكان، وإخضاعهم لتصورات الجماعة أو التنظيم. 
وهناك أمثلة كثيرة هنا، منها ما يخص اقتطاع إقليم من الدولة، مثلما جرى في مالي والصومال والعراق، ومنها ما يخص السيطرة على حي من أحياء مدينة كبرى، حسبما جرى في القاهرة في أوائل تسعينيات القرن الماضي حين قامت ما تسمى «الجماعة الإسلامية» بالسيطرة على حي إمبابة، وأعلنت أنه بات «دولة داخل الدولة»، مما دفع السلطة إلى حشد عشرين ألف جندي من قوات الداخلية لإزالة هذه الدولة المزعومة.
وعند «الإخوان» تكون الهجرة أحياناً بالانفصال أو العزلة الشعورية عن سائر المجتمع، أو تكوين ما يسمى «دولة الفكرة»، حسبما ينظر لها العضو في جماعة «الإخوان» محمد فتحي عثمان، الذي يرى أن هذه الدولة هي حلم البشرية، وهي دولة لا تقوم على حتمية ظروف الأرض أو الدم، ولكنها تقوم في نظره على الفكرة التي تؤمن بها جماعته.
وقد تؤدي الهجرة والاقتطاع معاً إلى قيام شكل اجتماعي بشع، كما تظهر فيما يسمى «إدارة التوحش» عند «داعش»، التي تعد الطور الأكثر بشاعة في تطور الجماعات التكفيرية على طريق العنف.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هجرة إلى التوحش هجرة إلى التوحش



GMT 00:45 2024 الثلاثاء ,19 آذار/ مارس

«حماس» وإيران وثمار حرب غزّة!

GMT 00:44 2024 الثلاثاء ,19 آذار/ مارس

ما بعد التعويم ؟!

GMT 00:42 2024 الثلاثاء ,19 آذار/ مارس

مستعربون عاربون وعاربات مستعربات

GMT 00:41 2024 الثلاثاء ,19 آذار/ مارس

بوتين... تفويض باستكمال الطوفان

GMT 00:38 2024 الثلاثاء ,19 آذار/ مارس

المتنبّي في الجوف السعودية!

بلقيس بإطلالة جديدة جذّابة تجمع بين البساطة والفخامة

القاهرة - صوت الإمارات
النجمة بلقيس عادت من جديد للتفاعل مع جمهورها واستعراض إطلالة جديدة لها عبر انستجرام، لتوثق أحدث ظهور لها بفستانها الأسود الجديد الذي نال تفاعل قطاع كبير من جمهورها، كما أنها عادت للظهور بأزياء من علامة فيرساتشي الشهيرة التي سبق وقد تألقت بها أكثر من مرة في الماضي. تفاصيل أحدث إطلالة للنجمة بلقيس النجمة بلقيس اختارت في احدث ظهور لها، ارتداء فستان أسود أنيق من علامة فيرساتشي الشهيرة، وتعتبر بلقيس من عاشقات اللون الأسود وسبق وظهرت به في العديد من إطلالاتها الجذابة، وهذه المرة اختارت فستان أنيق نال إعجاب محبيها بمجرد نشر صوره عبر حسابها على انستجرام. بلقيس استعرضت أناقتها بفستان أنيق باللون الأسود انسدل طويلًا ومجسمًا مع صيحة الكب التي زادت من أناقته، والتي جاءت بتصميم مستقيم، كما تزينت منطقة الصدر بحزام رفيع يتوسطه اكسسوار...المزيد

GMT 21:04 2024 الأربعاء ,24 إبريل / نيسان

الإمارات تواصل دعم مستشفيات وعيادات رفح في غزة
 صوت الإمارات - الإمارات تواصل دعم مستشفيات وعيادات رفح في غزة

GMT 08:31 2020 الأربعاء ,01 تموز / يوليو

تحقق قفزة نوعية جديدة في حياتك وانطلاقة مميزة

GMT 21:15 2012 الأربعاء ,26 كانون الأول / ديسمبر

جهازا "إبسون" صديقين للبيئة

GMT 21:02 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

قد تتراجع المعنويات وتشعر بالتشاؤم

GMT 11:16 2020 الإثنين ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الحوت الأثين 30 تشرين الثاني / نوفمبر2020

GMT 18:55 2019 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

علماء يبتكرون خلايا عصبية صناعية لعلاج مرض الزهايمر

GMT 14:37 2018 الإثنين ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

حمدان ومكتوم بن محمد يحضران أفراح حسين محمد والديبيلي

GMT 17:29 2018 السبت ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

دار"سوثبي" في لندن تستعد لبيع لوحة أثرية مصرية نادرة

GMT 13:04 2018 الأربعاء ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

علماء أميركيون يعيدون البصر إلى فئران عمياء

GMT 03:21 2018 السبت ,20 تشرين الأول / أكتوبر

"جاكوار F-Type" ستأتي في 2020 بمحركات بي إم دبليو

GMT 15:45 2013 الإثنين ,14 كانون الثاني / يناير

أكاديمية الشعر تصدر ديوان" أشجان" لعفرا بنت سيف المزروعي

GMT 05:39 2018 الأحد ,17 حزيران / يونيو

مهرجان صيف الخرج الـ 39 ينطلق بمدينة السيح

GMT 21:52 2014 الخميس ,16 تشرين الأول / أكتوبر

الفرو موضة التسعينات التي عادت بقوة هذا الموسم

GMT 20:55 2013 الثلاثاء ,05 شباط / فبراير

"مركز إبداع" الإسكندرية يقيم معرض "جرافيك"

GMT 10:06 2016 الأحد ,21 شباط / فبراير

لون أزرق مضيء لإطلالة راقية
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates