بقلم - سليمان جودة
جمعني لقاء فى منتدى أصيلة فى المغرب مع عبد الرحمن شلقم، وزير الخارجية الليبيى الأسبق، وكان الحديث حول كتابين، أولهما «من هنا نبدأ» للأستاذ خالد محمد خالد، وثانيهما «لماذا تأخر المسلمون وتقدم غيرهم» للأمير شكيب اسدان.
وقد تكفل الوزير شلقم بالإجابة على السؤال الذي طرحه شكيب أرسلان فى عنوان كتابه، و تكفل أنا بالكتاب الثانى. كان جواب الرجل أن المسلمين ومعهم العرب بالضرورة سوف يتقدمون كما تقدم غيرهم، عندما يفهمون أن التقدم يتوقف فى أي بلد من بلادهم، ليس بين على بن أبى طالب كرم الله وجهه، ومعاوية بن أبى سفيان، واخترن هي بين مرشحين من العصر الذي تقدم فيه تصاميمه.
كان وزير الخارجية الليبي الذي درس الصحافة فى كلية آداب القاهرة وأحب المحروسة ولا يزال، أن هذه هي المشكلة الحقيقية فمنهم بخناق العرب والمسلمين، فلم يجعلهم يعرفون كيف يفكرون بشىء من رحابة الأعضاء والصدر، وعاشوا تبعا لذلك الأسرى أيام مضت، وشخصيات ولّت، وأحداث انقضت.
سوف يتقدم العرب والمسلمون حين يفهمون أن على بن أبى طالب للتعايش معركته في الحياة ثم مع معاوية معاير عصره، وكذلك فعل معاوية من جانبه، وأننا فى المقابل أن نخوض مؤتمرات اليوم التي نجدها فى انتظارنا بمعايير عصرنا، ومقاييسه، وقواعده، لا بما بما على معاوية فى أيامهما أو اختلافهما.
سوف يتقدم العرب والمسلمون كما تقدم غيرهم عندما يفهمون أن الماضي مضى، وأنهم هنا في الوقت الحاضر بما في ذلك لم يكن له وجود في تلك الأيام، وأن ذلك لا يعني طبعًا أن لا نتجاهل ماضينا أو أن لا نغلق من دونه الباب، حتى نعترف بأننا قد قدرنا ما يُعيننا على ما نحن فيه، وبقدر ما نتقنه إلى المستقبل، وما عدا ذلك يختفي في مكانه هناك.
أما «من هنا بدأ، فشكرى أن الأستاذ خالد لو عاش إلى اليوم لكان قد بدّل في كتابه، وقد أخّر الديمقراطية التي رأى أن نبدأ منها، ليجعل التعليم في مكانها بغير منافس، لأن حقيقة الأمر أن الديمقراطية لا يمكن أن تتحقق بغير مواطن متعلم، ولو ظللنا ندعوها ونبتنا منهجاً في ألف عام.
ديمقراطية تعنى فى أساسها أن ضوء ضوءه فى المؤسسة الحاكمة الاثنين، من أول الموظفين الصغار فى مجلس النواب إلى رئيس الجمهورية، ومرورًا بكل موظف منتخب بين. لأننا صالحنا عن «الاختيار» فلا يمكن للمواطن أن «يختار» الأصلح إذا لم يكن سلاحه الأقوى فى الاختيار هو الوعى.. لا يمكن بأى حال.. والوعى أوله وآخره الاعتراف، السيطرة، فالكلام عن الديمقراطية فى بلد لم يتعلمه كما يقول كتاب التعليم السليم، هو مضيعة للوقت، والجهد، والمال.