لماذا مدح بوتين بايدن

لماذا مدح بوتين بايدن؟

لماذا مدح بوتين بايدن؟

 صوت الإمارات -

لماذا مدح بوتين بايدن

بقلم : نديم قطيش

خارج النص المعتاد، جاء كلام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بشأن تفضيله الرئيس الأميركي جو بايدن، للرئاسة بدلاً من الرئيس السابق دونالد ترمب، واصفاً نظيره الأميركي بأنَّه شخص يمكن التنبؤ بأفعاله، وبأنَّه ينتمي إلى المدرسة التقليدية في السياسة الدولية.

من السهل طبعاً الافتراض أن بوتين، وعبر تأييده وصول بايدن إلى البيت الأبيض، يطبع «قبلة الموت» على جبين الرئيس الحالي الذي يخوض أصعبَ معركة إعادة انتخاب في تاريخ البيت الأبيض. فلا شيء سيُسيِّج حملة بايدن بالشكوك والتشويش أكثر من جعله يبدو المرشح الأول للكرملين!

وعليه، يمكن النظر إلى تصريحات بوتين، في ضوء التاريخ المثير للجدل بين الولايات المتحدة وروسيا، على أنَّها مصمَّمة لزرع الانقسام داخل أميركا. ما يثبت ذلك أنَّ ترمب سارع إلى استخدام تصريحات بوتين للتشكيك في صرامة بايدن تجاه روسيا، ولإثارة المخاوف من التأثير الروسي غير المبرر في الانتخابات أو الاستثمار في نتائجها لاحقاً لتحقيق أهداف روسية. كما يمكن تفسير تعليقات بوتين على أنَّها تهدف إلى خلق شعور زائف بالأمان أو الرضا عن النفس داخل إدارة بايدن، مما قد يؤدي إلى تقليلها من مخاطر المناورات الجيوسياسية الروسية، ويتيح بالتالي لموسكو هامشاً أوسع لمتابعة مصالحها من دون عوائق أميركية جدية.

وفي جانب آخر، يمكن تصنيف تصريحات بوتين على أنها «مديح يشبه الذم». فأن يصف أكثر زعماء العالم حرصاً على الغموض في سلوكه وكلامه، شخصاً آخر بأنه «متوقَّع... ومدرسة قديمة» لَهُوَ في الواقع تشهير وقدح مقصود.

إنَّ مثل هذه التفسيرات، التي تعتمد بشكل كبير على القراءة بين سطور التصريحات السياسية والدبلوماسية، والغوص في الدوافع غير المعلنة لمطلقيها، ليست غريبة تماماً عمّا يمكن تخيله من دوافع لدى بوتين. بيد أن المعركة الرئاسية من القسوة بمكان بحيث إن تصريحاً للرئيس الروسي لن يُغيّر في واقع الانقسام الأميركي الحاد، ولن يُزعزع ثقة القواعد الصلبة لأيٍّ من المرشحين. أما فيما يعني الأصوات المتأرجحة، فإن آخر بند في لائحة الأولويات التي ترجِّح كفة التصويت، هي تفضيلات بوتين الرئاسية.

وإن جاز لنا ترك البحث في النيات جانباً، فإن سياق الحديث الروسي جاء بمثابة مديح لخصال الرئيس الأميركي، مما يُسلّط الضوء على حسابات معقَّدة للدبلوماسية الروسية، ويحض على استكشاف خلفيات التموضع الاستراتيجي لبوتين إزاء الانتخابات الأميركية المقبلة.

الأرجح أن بوتين، من خلال التعبير عن تفضيله بايدن للرئاسة، يسعى إلى الابتعاد عن شبهة محاباة ترمب، وإطفاء أي تهم له بالتدخل في الانتخابات الأميركية كما حصل في الانتخابات السابقة عامَي 2016 و2020، وهو يفعل ذلك لأسباب روسية محضة. فمن خلال نأيه العلني ببلاده عمّا يقرره الناخبون الأميركيون، وعبر إبداء قبوله بما يريده الأميركيون لأنفسهم، يدعو الآخرين للقبول، بما يريده الروس لأنفسهم أيضاً، سواء داخل الكيان الروسي أو خارجه. كما أن بوتين صاحب مصلحة استراتيجية في الحفاظ على واجهة من التزام المعايير الدولية واحترام سيادة الدول، لمحاربة الصورة النمطية عنه كزعيم دولة مارقة. فهو يدرك أنه في ضوء الحرب الروسية - الأوكرانية، يحتاج لإعادة ضبط صورة بلاده روسيا على المسرح العالمي، وإعادة إنتاج سمعتها قوةً عقلانيةً مبدئيةً تتمتع بالمرونة الاستراتيجية والتفاعل الدبلوماسي الرشيد.

إلى ذلك فإنَّ بوتين، من خلال ترحيبه برئيس أميركي تميَّزت علاقته به بالسوء والتوتر، على حساب رئيس آخر ساد الانطباع بحلول الوئام معه، معنيٌّ بإبراز روسيا على أنها قوة عالمية واثقة لا تتأثر بالمد والجزر في السياسة الأميركية، ومعنيٌّ أيضاً بتبديد أي انطباع بأنه يتطلع إلى الحماية من رئيس أميركي ما. وتهدف تصريحات بوتين إلى تقديم روسيا على أنها جهة متزنة وغير متحيزة على المسرح العالمي، إلا فيما يتعلق بمصالح أمنها القومي.

موقف بوتين بهذا المعنى، تموضع محسوب يرمي إلى تظهير صورة روسيا لاعباً قادراً على التعامل مع أي إدارة أميركية، ويعبر ربما عن الاستعداد لإقامة علاقة دبلوماسية أقل تقلباً مع أميركا، كأي لاعب مبدئي آخر على المسرح الدولي.

إلى ذلك، صاغ بوتين تعليقاته بدقة، بحيث لا يقتصر صداها على المجتمع الدولي بل يصل أيضاً إلى جمهوره المحلي.

فمثل هذه التصريحات تعزز صورته في الداخل بوصفه رجل دولة، يتقن مهارة التعامل مع السياسات الدولية المعقدة، بهدف حماية سيادة روسيا ورفع مكانتها الدولية. وقد درج بوتين على توزيع التقييمات والشهادات في الرؤساء الأميركيين الذين عاصرهم، كوسيلة دعائية لتعزيز صورة نفوذ روسيا ومكانتها الدولية.

لا ينسى بوتين بالطبع ولا الروس عامة أن بايدن وصفه بالقاتل. وعليه فإن إشادته بالرئيس الأميركي تسلط الضوء على براغماتيته الدقيقة، من خلال إظهار قدرة لافتة على فصل مشاعره الشخصية عن المصالح الاستراتيجية لبلاده وشعبه.

يهدف بوتين من مديح بايدن، على الرغم من إهانات الماضي، إلى إظهار مقدار الثقة التي تتمتع بها بلاده، مؤكداً أن روسيا لا تتأثر بسهولة أو تتعرض للإهانة من خلال الهجمات الشخصية. ويهمه أن يُظهر أن روسيا تتمتع بالقوة والمرونة اللتين تسمحان لها بالتركيز على الأهداف الاستراتيجية والمصالح طويلة الأمد بدلاً من الخطاب السياسي العابر.

أياً تكن أهداف بوتين من مديحه بايدن، فهو يثبت مجدداً أنه لاعب يفهم بعمق قوة السرد والإعلام، ما جعله يشحذ على الدوام مهارته في استخدام الدعاية لتشكيل الرأي العام وتعزيز مصالح نظامه. تصريح واحد منه يشغل دوائر التحليل السياسي في العالم، ويربك كبرى العواصم، في لحظة سياسية في العالم، هي الأشد تطلباً للوضوح.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لماذا مدح بوتين بايدن لماذا مدح بوتين بايدن



GMT 16:55 2024 الجمعة ,19 إبريل / نيسان

الحلّاق الإيراني ورقبة السلطان

GMT 16:53 2024 الجمعة ,19 إبريل / نيسان

«عاشوراء» إيرانية في سماء إسرائيل

GMT 16:51 2024 الجمعة ,19 إبريل / نيسان

تواصل جاهلي

GMT 16:48 2024 الجمعة ,19 إبريل / نيسان

هل تمنع أميركا حرباً إقليمية؟

GMT 16:43 2024 الجمعة ,19 إبريل / نيسان

معركة الاتحاد غير العادلة

GMT 11:47 2020 الإثنين ,01 حزيران / يونيو

كن قوي العزيمة ولا تضعف أمام المغريات

GMT 18:20 2018 الإثنين ,01 تشرين الأول / أكتوبر

وفاة مؤلف كتب "حصن المسلم" عن عمر يناهز 67 عامًا

GMT 07:14 2013 الخميس ,12 كانون الأول / ديسمبر

كيري يعود إلى الشرق الأوسط لدفع محادثات السلام

GMT 21:18 2017 الأربعاء ,13 كانون الأول / ديسمبر

عائلة تركية تتجول بين 26 دولة حول العالم بالدراجة الهوائية

GMT 03:08 2019 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

وكيل وزارة الدفاع يستقبل مساعد وزير الدفاع الباكستاني

GMT 05:57 2019 الأحد ,24 شباط / فبراير

عبدالله مال الله يكشف أصعب لحظاته في الملاعب

GMT 18:50 2019 الجمعة ,22 شباط / فبراير

"سانغ يونغ" تبدأ باختبار سيارات "Korando"
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates