التسامح وأهل السماح

التسامح.. وأهل السماح

التسامح.. وأهل السماح

 صوت الإمارات -

التسامح وأهل السماح

بقلم : ناصر الظاهري

لو تأملنا كلمة التسامح في لغات العالم، سنجدها تأتي رقراقة كماء جارٍ، فيها من الود والليونة وطلب الرضاء والقناعة بالعيش بسلام وطمأنينة، وإعلاء للجمع ضد رغبات الفرد، والقبول بتحجيم الأنا من أجل تلك المساحة الخضراء التي تضم الكل، وتلك الابتسامة التي يحبها الجميع، التسامح «tolerance» باختصار هو طريق معشب ومزهر نحو السلام، سلام النفس والذات، وسلام للآخر والوطن والمجتمعات.

يبدأ التسامح من الأشياء الصغيرة والتفاصيل التي نفعلها، ونغفل عنها، مثل من يركب طائرة، ويظل يرجو في داخله أن لا يحاذيه أو يجلس بجانبه رجل، وكأن تلك المقصورة له أو مقصورة عليه، كنوع من الأنانية المسكوت عنها، لكنه يصبح متساهلاً ومتسامحاً لو أن الحظ جلب له فتاة رقيقة تختصر ساعات السفر الطويلة، وهنا التسامح من أجل المصلحة، ثم يكبر عدم التسامح في النفس، والتعالي على الآخر، حين يشاطرك في المقعد شخص من غير لونك أو شخص تنظر له على أنه أقل مرتبة اجتماعية منك أو أقل ثقافة وعلماً أو من ملة دينية مختلفة، هذه النظرة قد تكون متبادلة أيضاً بين الطرفين، فما يدريك أن الآخر المنزوع منه التسامح أيضاً، ينظر لك نظرة دونية بطريقة مختلفة، كنظرة المتضادات «الأسود للأبيض، الفقير للغني، المرأة للرجل، المسلم للمسيحي، والمسيحي للمسيحي من طائفة أخرى، واليهودي للأمم الأخرى، باعتباره المختار». 

هكذا يكبر التسامح من نفس إنسانية فردية إلى المجتمعات والكيانات البشرية، وهنا أقل الشرر يمكن أن يفجر الأشياء، والتخلي عن روح التسامح قد يخلق حرباً، فالفرد يسامح فرداً مختلاً، ويتسامح معه بسمو أخلاقه، وضبط نفسه، وكتم غيظه، لكن المجتمعات لا يمكن التحكم في توجهاتها، ولا ضبط ثوراتها وانفعالاتها، وهنا نصل بالتسامح إلى الأشياء الكبيرة والتي تشكل معاني وقيماً إنسانية وحضارية، فبدونها يرجع الإنسان إلى شريعة الغاب، ويحكّم سياسة الإقصاء وإلغاء الآخر، وتسود الأنانية والحروب الأهلية، ويكبر حب التملك، وتغيب القناعة، ويتخلى الإنسان عن سنوات من مسيرته الحضارية عبر التاريخ والحروب والصراعات ثم القناعة بالسلام كحل، والتسامح كخيار، غير أن التسامح لا يقوى عليه كل أحد، مثله مثل القناعة، صعب أن تقنع به وبها أحداً، فإذا لم يكن الأمر نابعاً من قلب رضيّ، ونفس سامية، واختيار واع، وتربية أخلاقية متراكمة، ستبقى القناعة، وسيبقى التسامح رهن المزاجية، ومخادعة النفس، ومداهنة الناس، وردات الفعل، وهذه أمور أبعد ما تكون عن القناعة، وعن التسامح الحقيقي.ما أحوج هذا العالم المتناحر اليوم لمثل كلمة القناعة والتسامح، لأنهما صنوان، ومتداخلتان، فلا تسامح دون قناعة، ولا قناعة ورضا دون أن يبتل قلبك بالتسامح، ولنا في رسول الله قدوة حسنة في المحبة، ومثل أعلى في التسامح.
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع
نقلا عن الاتحاد

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

التسامح وأهل السماح التسامح وأهل السماح



GMT 09:11 2018 الجمعة ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

أحلام قطرية – تركية لم تتحقق

GMT 09:06 2018 الجمعة ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

تذكرة.. وحقيبة سفر- 1

GMT 09:03 2018 الجمعة ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

عندما تصادف شخصًا ما

GMT 08:58 2018 الجمعة ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

اختبار الحرية الصعب!

GMT 00:41 2018 الجمعة ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

وماذا عن الشيعة المستقلين؟ وماذا عن الشيعة المستقلين؟

GMT 12:23 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك أجواء هادئة خلال هذا الشهر

GMT 18:59 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

النزاعات والخلافات تسيطر عليك خلال هذا الشهر

GMT 11:27 2020 الإثنين ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج القوس الأثنين 30 تشرين الثاني / نوفمبر2020

GMT 19:26 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

أخطاؤك واضحة جدًا وقد تلفت أنظار المسؤولين

GMT 20:03 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

يبشّر هذا اليوم بفترة مليئة بالمستجدات

GMT 00:44 2024 الأحد ,18 شباط / فبراير

النفط يرتفع بسبب التوترات في الشرق الوسط

GMT 04:15 2019 الجمعة ,07 حزيران / يونيو

تضحية غريبة من شاب هندي لإعادة محبوبته

GMT 02:26 2020 الخميس ,30 كانون الثاني / يناير

غادة عبد الرازق تكشف عن حقيقة زواجها مرة أخرى

GMT 13:23 2019 الإثنين ,11 شباط / فبراير

وضع أول دليل لإعداد وصياغة التشريعات في دبي

GMT 14:34 2018 الثلاثاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

شركة "تسلا" تُعلن نيتها إطلاق أول "بيك آب" كهربائية

GMT 21:25 2018 الخميس ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

راندا المهدي تحقق أنجازًا تاريخيًا في سباق "إيرون مان"

GMT 13:13 2013 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

عرض فيلم زبانا لسعيد ولد خليفة للمرة الاولى في فرنسا
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates