نشرة غالية وبنديرة عالية 2

نشرة غالية.. وبنديرة عالية -2-

نشرة غالية.. وبنديرة عالية -2-

 صوت الإمارات -

نشرة غالية وبنديرة عالية 2

بقلم : ناصر الظاهري

أحب أن أتذكرها بزهو المطر، حين يزاغي الريح، وحين ينهمر، مخبئاً بهجة الطفولة وشغبها، صبيب «المرازيب»، وابتهالات بيوت الطين وارتواء فرحها، أحب أن أتذكرها كلما علق بدوي سِعّنه على كتفه، واعتلى ظهر شداد بعيره، وقال للصحراء: «ما دام نجم سهيل هادياً، وأنا للإبل حادياً.. فكل المفازات لآلٍ وسراب وماء». أحب أن أتذكرها حين تدنو بنات نعش فوق رؤوس الجبال، وحين ترّعش خناجرها، وسيوفها الرجال، حين يدخل أحدهم «اليولة» بمحزم من رصاص، ويخرج منها فارغاً، يتبع غيّه وهواه، أتذكرها، وأتذكر ظلها البارد حين جاءت كبيرة وغالي مسيرها تسأل عن بيت لنا قديم في المعترض، لتشكر وتسأل عن فتى كان يومها غائباً تناديه المدن في أحد صيوفها، كم حزنت يومها، وكم فرحت، حزنت لأني لم أكن قريباً في فلج المعترض، ولا قرب ظل نخيله ذاك الصيف، وفرحت بقدم السعد التي تعبت وجاءت تسأل وتشكر، والواجب عليّ الشكر، ودوام السؤال، ولازماً عليّ أن أتعنى لها، ولو حافي القدم، لكنها كانت كبيرة النفس، وجليلة الحضور، لذا أتذكرها، وأحب أن أتذكرها كلما سمعت العَوَش والعوش والعاش وعائشة وعوشة كصنو لاسم الأم ورديفه، وأتذكر لغتها الصافية كمياه أفلاج العين، المنسابة كخيوط من محبة ونور، جذلة عبارتها، رقيقاً وصفها، حتى يكاد أن يتسرب لك شعرها مع نسمة الهواء، ومع ضروب الهوى: القول من تكثر هروجه هذيري ما قلّ دلّ وتفهم الناس معناه   ننظم عقوده في سلوك الحريري من الذهب خوفٍ من الخيط يشّعاه   لامرأة من وقت.. وسحر وهوى، كان يمكن لها أن تخط برجلها، وأثر حناء قدمها على الرمل، وتذهب.. كان يمكن أن تكتفي بظل باب البيت، ولا تقارع بيوت الشعر ونحورها، وتذهب.. كان يمكن لها أن تُسكّن وهج الحروف في صدرها، ولا تبالي بما يملأ عليها من سحر الكلمات، وتمضي، كان يمكن لها أن تكون امرأة عاشت، ثم مضت، كما تمضي كثير من النساء، متدثرات بما قيل إنه كُتب لهن، لكنها جالدت لتكون «عائشة»، هنا.. وهناك، ويكون لعمرها المديد كبير الصدى، تهزج به رياح الخليج، وتردده أطراف الجزيرة ورمالها، ولم تكتف بما كان يمكن لها، بل ما كانت عليه!   إنت فرضي لي مْصَلّنه وأنت وردي وأنت أتلافي   يعل يود السحب لمْدّنه لي برقها بات رفافي   والرعود مسَوّية حَنّة هَلّ وأسقى ذيك الأطرافي   لين يَنبِتّ وين واطْنّه بالزهور إمعَزّل الجافي   بو خدود فُوعَة إسْمنّه يسفِرِنّ من شيلٍ إرِهافي   تلك عوشة الشاعرة، فتاة العرب، عوشة السويدي، شاعرة الجزيرة، تعددت الأسماء والصفات، والشخص واحد: غير أنها عندنا نشرة غالية.. وبنديرة عالية، لروحها السكينة والطمأنينة، وللوطن العزاء، فبقدر ما يكون المرء كبيراً، يتسع حزن الوطن عليه، وعوشة كانت كذلك دوماً.. وأبداً. المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع
المصدر : جريدة الاتحاد  

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

نشرة غالية وبنديرة عالية 2 نشرة غالية وبنديرة عالية 2



GMT 09:11 2018 الجمعة ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

أحلام قطرية – تركية لم تتحقق

GMT 09:06 2018 الجمعة ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

تذكرة.. وحقيبة سفر- 1

GMT 09:03 2018 الجمعة ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

عندما تصادف شخصًا ما

GMT 08:58 2018 الجمعة ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

اختبار الحرية الصعب!

GMT 00:41 2018 الجمعة ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

وماذا عن الشيعة المستقلين؟ وماذا عن الشيعة المستقلين؟

GMT 11:47 2020 الإثنين ,01 حزيران / يونيو

كن قوي العزيمة ولا تضعف أمام المغريات

GMT 18:20 2018 الإثنين ,01 تشرين الأول / أكتوبر

وفاة مؤلف كتب "حصن المسلم" عن عمر يناهز 67 عامًا

GMT 07:14 2013 الخميس ,12 كانون الأول / ديسمبر

كيري يعود إلى الشرق الأوسط لدفع محادثات السلام

GMT 21:18 2017 الأربعاء ,13 كانون الأول / ديسمبر

عائلة تركية تتجول بين 26 دولة حول العالم بالدراجة الهوائية

GMT 03:08 2019 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

وكيل وزارة الدفاع يستقبل مساعد وزير الدفاع الباكستاني

GMT 05:57 2019 الأحد ,24 شباط / فبراير

عبدالله مال الله يكشف أصعب لحظاته في الملاعب

GMT 18:50 2019 الجمعة ,22 شباط / فبراير

"سانغ يونغ" تبدأ باختبار سيارات "Korando"
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates