بقلم - ناصر الظاهري
قاسية على النفس صورة الإنسان، تلك التي تنعكس في شظايا المرايا المكسورة، كأنها ليست له، مخلوقة كالرماد، فاضحة الروح، مثقلة القلب، وتاركة فيه ذلك الوجع:
- ما يثقل القلب ليس وجود الكذب، ولكن وجود المتعلقين به، والباحثين عنه، والساعين له، ما أجمل الطفولة تلك المساحة البيضاء!
- ما يثقل القلب ليس وجود الجبن، ولكن وجود من يتحولون بسرعة الخوف، ورعدة الضعيف إلى جبناء، ولا يبالون!
- ما يثقل القلب تلك الصُفرة اللابثة تحت الجفون، وبروز عظام الأكتاف، والتي لا يمكنها أن ترى العالم بحب، ولا تحمل صديقاً وقت الضيق!
- ما يثقل القلب مشاهدة المُرائي كل يوم، والذي لا يمكن لرؤيته جلب إلا الضيق، وتلك المرارة التي يصعب التخلص منها بسهولة، ويسر!
- ما يثقل القلب عبور الناس الخاوين على فجر الحياة، ولا تسمعهم يقولون: صباح الخير أيتها الدنيا الجميلة!
- ما يثقل القلب أن يتصدر الوقت والأمكنة المتحولون، بأقنعتهم لا بقناعاتهم!
- ما يثقل القلب ألا تجد في مكان امرأ تستوقفه دمعة صغير أو مغلوب أو طاعن نسيه الوقت، والقلوب الميتة!
- ما يثقل القلب أن لا نجد للنظيف موقعاً بيننا، ولا نجد إلا من يريد أن يلحق به الوسخ والدرن دون أن يدري!
- ما يثقل القلب أن يجد الأولون موقعهم في ذيل المتأخرين!
- ما يثقل القلب أن تظل تحمل أوزار غيرك، وأثقال خيرك، فلا يشكرك الأول على حمله، ولا يشكوك الآخر من ثقل ما حملت!
- ما يثقل القلب أن تغيب قليلاً عن المكان، وحين تعود بكل أوجاع حنينك، لا يعرفك المكان!
- ما يثقل القلب رؤية رجفة البهتان في الشفة السفلى، والغدر في قاع العينين الغائرتين، وتريد أن تقول له: لا تجزع، فيسبقك بنعم التي تكاد تقول للمريب خذوه، فغلّوه!
- ما يثقل القلب أن يقابلك الحسد، بلونه المكتئب، وأنت منشرح، حامل له عطر الصباح!
- ما يثقل القلب أن تجد من يلغي لك جهداً بكلمة، ومنجزاً بهمزة، وخيراً بهمسة!
- ما يثقل القلب أن تعمل في النور، وغيرك يهدم في الظلام!
- ما يثقل القلب من لا يسمي، ولا يصلي على النبي، ويقول: ختمت عملي!
- ما يثقل القلب غياب العافية.. وفقط!
- ما يثقل القلب أن تجد رجلاً متكتفاً بتاء التأنيث، منصوباً بفعلها، مجروراً بأمرها، يا لدمعته آخر عمره، وهزيمتها آخر عمرها!
- ما يثقل القلب أن يصيح الأخ، ولا يجد له قلباً ثانياً يضخ له العافية، وكلمة لبيك.. وعونك!
- لكن.. ما يفرح القلب، ويجعله أخضر على الدوام، أن تفتح للشكر بابك، وأن تستقبل الحمد مثل إشراقة شمس آتية بالبشارة أو مثل رفيف أجنحة حمائم طائرة من على عتبات نوافذك المطلقة لها، وأن تُضفي عليك حُلّة القناعة كثوب من سندس، موشّى بالطُهر، مزين بالرضا، وأن تقول للناس حُسناً، ولا تلتفت، وأن تأخذهم رفقاً، ولا تكترث، فأقسى ما يلاقي المرء في هذه الحياة أن يرى صورته في مرآة مشروخة أو في شظايا مرايا مكسورة!