المغامرة الشجاعة لمصطفى الكاظمي

المغامرة الشجاعة لمصطفى الكاظمي

المغامرة الشجاعة لمصطفى الكاظمي

 صوت الإمارات -

المغامرة الشجاعة لمصطفى الكاظمي

حازم صاغية
بقلم - حازم صاغية

في 2003 طرأ حدث أربك الثقافة السياسيّة العربيّة: تحرير العراق واحتلاله في وقت واحد. الإرباك مصدره أنّ تلك الثقافة وضعت التحرير والاحتلال في علاقة من الخصومة المطلقة: إمّا هذا أو ذاك. المفهومان يستحيل أن يحضرا معاً. لم يكترث أحد بدراسة الحروب النابوليونيّة التي احتلّت وامتهنت، لكنّها، في الوقت نفسه، حرّرت وعلّمت.
بالتأكيد حصل هناك تحرير لأنّ أحد أعتى المستبدّين العرب قد أطيح، هو الذي لم يتمكّن العراقيّون من إطاحته وإطاحة حزبه منذ 1968. وبالتأكيد أيضاً حصل احتلال؛ لأنّ من أطاحه، بالضدّ من القانون الدوليّ، كان دولة أجنبيّة أقامت قوّاتها العسكريّة في العراق ثمّ صاغت الحياة السياسيّة اللاحقة للبلاد.
لكنّ الثقافة السياسيّة العربيّة وجدت ما يُريحها بعد حين: لا التحرير بقي منه الكثير، ولا الاحتلال الأميركي الذي اتّبع نهج الانسحاب التدريجيّ. لقد حلّ نظام من الفساد المعمّم المصحوب بمحاصصة وتوتّر طائفيين. التوتّر سبق أن انفجر، عام 2006، حرباً أهليّة. المحاصصة أفقرت العراقيين.
إيران التي تواطأت مع الولايات المتّحدة عام 2003، صارت تردّد الخطاب العربيّ: إنّه احتلال لا تحرير. الفارق الكبير أنّ المقاومة السنّيّة ردّدته لخوفها من هيمنة شيعيّة ظنّت أنّ واشنطن تقف وراءها، بينما ردّدته طهران والمقاومة الشيعيّة بهدف ترسيخ تلك الهيمنة والحلول محلّ أميركا. في هذا، كان الخبيث المؤهّل يوظّف الساذج المحبط لحسابه. الخبث بلغ ذروته مع توسيع النطاق الإمبراطوري الإيرانيّ، بينما السذاجة غير المؤهّلة صبّت في «داعش».
النتيجة كانت أنّ الفاسدين الذين وقع البلد في يدهم روّجوا وطنيّة فائضة حيال أميركا المنسحبة، ووطنيّة معدومة حيال إيران المتوسّعة. الصراخ الآيديولوجي في الدفاع عن العراق والإسلام والمنطقة وفّر الغطاء للاستسلام أمام طهران بقدر ما غطّى سياسة نهب العراق من قبل الطرفين معاً. في الآن نفسه مضى الشرخ بين المذاهب والإثنيّات يكبر ويتعمّق بحيث بدا النظام العراقي نظاماً لحرب أهليّة قد تنشب في أي لحظة.
تطوّران كبيران هزّا هذا العفن: من جهة، ثورة العراقيين التي انطلقت في 2019 ضدّ نظام الشراكة بين إيران والمافيات المحلّية الذي أفقرهم. ما زاد في أهميّة هذا الحدث، وإن كشف ضعف الوطنيّة العراقيّة، أنّ البيئة الشيعيّة، الموصوفة بالولاء لإيران، كانت هي التي انتفضت. من جهة أخرى، الضعف الذي نزل بإيران في السنوات القليلة الماضية بسبب انسحاب الولايات المتّحدة من الاتفاق النوويّ. العقوبات الأميركيّة واكبتها الضربات الإسرائيليّة للإيرانيين في سوريّا، وهذا قبل هبوط سعر النفط. أضيف إلى هذين التطوّرين عجز الطاقم الحاكم في بغداد عن الإجماع حول مرشّح مقبول.
هكذا جيء إلى رئاسة الحكومة بوجه من خارج النادي الإيراني والقوى الشيعيّة الطائفيّة. هذا الوجه هو مصطفى الكاظمي الذي يجد نفسه مطالَباً بتصويب المعادلات التي حكمت العراق في مرحلة ما بعد صدّام، أي بالحفاظ على التحرير والاستثمار فيه مقابل التخلّص من الاحتلال الذي هو اليوم إيراني بالدرجة الأولى. والحال أنّ تصويب المسار إنّما يرقى إلى إنهاء الصدّاميّة المقلوبة، أي إنهاء مبدأ تحويل البلد ساحة للصراعات والحروب التي تتذرّع بالقضايا، علماً بأنّ صدّام توهّم أنّ عائدات تلك الصراعات ستعود بالنفع عليه وعلى العراق كما تصوّره، فيما هي اليوم تعود بالنفع على إيران. إلى ذلك، فالخروج من الصدّاميّة المقلوبة يمرّ في تخفيف الاحتقانات الطائفيّة المتراكمة والتي لعبت طائفيّة السلطة (السنّيّة مع صدّام، والشيعيّة بعده) دوراً بارزاً في تأسيسها. هنا، ليس تفصيلاً أنّ العلاقات التي تربط الكاظمي بالقوى السياسيّة السنّيّة والكرديّة، وخصوصاً رئيس الجمهوريّة برهم صالح، ممتازة. ليس تفصيلاً أيضاً اصطدام رئيس الحكومة الجديد بالقوى التي تنافس الدولة على حمل السلاح وصناعة القرار، كـ«الحشد الشعبيّ»، وخصوصاً «كتائب حزب الله». مفردات قاموسه، التي يفهمها اللبنانيّون جيّداً بسبب تشابه المشكلتين، هي: سيادة الدولة، ونزع السلاح غير الشرعيّ، ورفض تحويل الوطن إلى ساحة، والسيطرة على المنافذ الحدوديّة، ووقف النهب العامّ، وتفكيك المحاصصة في الإدارة...
ودائماً يبقى الهمّ الحارق إطعام العراق المنهوب، وهو طبعاً لا يتحقّق من دون إعادة الاعتبار إلى السيادة العراقيّة وسيطرتها على مواردها. فليس بسيطاً، والحال هذه، أنّ ذاك البلد الكبير والغني بات اليوم جائعاً وبلا وزن في الحسابات الإقليميّة والدوليّة. أموره تُبتّ في طهران.
ما يحاوله مصطفى الكاظمي قرار شجاع وخطير. ففي 2005 شهدنا محاولة لبنانيّة لاستخلاص لبنان من الوصاية السورية، لكنّها، كما نعلم جيّداً، صُبغت بالدم. أمّا استخلاص العراق من الوصاية الإيرانيّة فقد يكون أصعب وأشدّ استدعاءً للحذر واليقظة، خصوصاً أن التوتّر الإيراني – الأميركي يبلغ في المنطقة كلّها درجة غير مسبوقة. وبدوره، فنظام طهران ليس من تلك الأنظمة العقلانيّة التي تعترف بضعفها حين تضعف وتفاوض الآخرين انطلاقاً من توازن قوى جديد. إنّها أنظمة تكابر على ضعفها، فتُنكرهُ وترسم صورة عن انتصارات تتلاحق. إلا أنّها، في الوقت نفسه، تلجأ إلى أكثر الوسائل جرميّة لمنع الواقع من أن يتغيّر.
أغلب الظنّ أنّ الكاظمي يعرف عن هذه الأمور أكثر مما نعرف.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

المغامرة الشجاعة لمصطفى الكاظمي المغامرة الشجاعة لمصطفى الكاظمي



GMT 00:45 2024 الثلاثاء ,19 آذار/ مارس

«حماس» وإيران وثمار حرب غزّة!

GMT 00:44 2024 الثلاثاء ,19 آذار/ مارس

ما بعد التعويم ؟!

GMT 00:42 2024 الثلاثاء ,19 آذار/ مارس

مستعربون عاربون وعاربات مستعربات

GMT 00:41 2024 الثلاثاء ,19 آذار/ مارس

بوتين... تفويض باستكمال الطوفان

GMT 00:38 2024 الثلاثاء ,19 آذار/ مارس

المتنبّي في الجوف السعودية!

نادين لبكي بإطلالات أنيقة وراقية باللون الأسود

بيروت ـ صوت الإمارات
المخرجة اللبنانية نادين لبكي باتت حديث الجمهور خلال الساعات الماضية بعد أن تم اختيارها لتكون عضوا في لجنة تحكيم المسابقة الرسمية لنسخة مهرجان كام السينمائي الـ77، والتي ستقام ما بين 14 و25 مايو القادم، وذلك بعد أن سبق لنادين لبكي وقد شاركت كعضو في لجنة تحكيم في مهرجان كان السينمائي ضمن مسابقة "نظرة ما" عام 2015، وبمجرد أن تم الإعلان عن الخبر حرص جمهور نادين لبكي على تسليط الضوء على أجمل إطلالاتها التي ظهرت بها في بعض المهرجانات الفنية والتي تميزت بالبساطة والرقي في كل مرة. نادين لبكي سبق وقد ظهرت في إحدى الفعاليات الفنية بأحد المهرجانات مؤخرًا وهي مرتدية فستان باللون الأسود الذي يبدو وأنها تعشق الظهور به باستمرار، وجاء الفستان طويلًا ومجسمًا وبصيحة الكب، مع فتحات عند منطقة الخصر، وانسدل الفستان مريحًا بداية من تلك المنطقة�...المزيد

GMT 13:56 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك أجواء حماسية وجيدة خلال هذا الشهر

GMT 18:14 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

لا تتورط في مشاكل الآخرين ولا تجازف

GMT 19:20 2020 السبت ,31 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج العذراء الأحد 31 تشرين أول / أكتوبر 2020

GMT 02:18 2016 الأحد ,03 إبريل / نيسان

جددي غرفة طفلك بأجمل القطع

GMT 12:14 2020 الإثنين ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الثور الأثنين 30 تشرين الثاني / نوفمبر2020

GMT 17:24 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

إذاعة "نجوم إف إم" تحتفل باليوم العالمي للراديو

GMT 11:10 2018 الخميس ,11 كانون الثاني / يناير

محمد السبكي ينفي الأخبار المتداولة عن سجنه

GMT 20:48 2013 الثلاثاء ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

مطاعم متميزة ترحب بزائريها في فلورنسا

GMT 13:38 2013 الخميس ,24 كانون الثاني / يناير

ديوان جديد للشاعر العراقي سلام سرحان

GMT 11:08 2013 الأربعاء ,12 حزيران / يونيو

منحة فرنسية لدعم كفاءة الطاقة في الأردن

GMT 09:39 2019 الثلاثاء ,10 كانون الأول / ديسمبر

وفاة المخرج المصري سمير سيف

GMT 01:09 2019 الثلاثاء ,15 تشرين الأول / أكتوبر

إيمي طلعت زكريا تدعو الجمهور لزيارة قبر والدها الجمعة

GMT 23:34 2019 السبت ,12 كانون الثاني / يناير

العماني شهاب الحبسي يتوج بطلا "للفورمولا 4" في الإمارات
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates