عن ظاهرة أحمد فؤاد نجم
نيسان تستدعي عددًا من سياراتها الكهربائية في أميركا بسبب مخاوف من اندلاع حرائق ناجمة عن الشحن السريع للبطاريات ظهور شاطئ رملي مفاجئ في الإسكندرية يثير قلق السكان وتساؤلات حول احتمال وقوع تسونامي إصابات متعددة جراء حريق شب في أحد مستشفيات مدينة زاربروكن الألمانية وفرق الإطفاء تسيطر على الموقف إلغاء ما يقارب 100 رحلة جوية في مطار أمستردام نتيجة الرياح القوية التي تضرب البلاد السلطات الإيرانية تنفذ حكم الإعدام بحق ستة أشخاص بعد إدانتهم في قضايا إرهاب وتفجيرات هزت محافظة خوزستان مظاهرات حاشدة تجتاح المدن الإيطالية دعمًا لغزة ومطالبات متزايدة للحكومة بالاعتراف بدولة فلسطين مصلحة السجون الإسرائيلية تبدأ نقل أعضاء أسطول الصمود إلى مطار رامون تمهيدًا لترحيلهم خارج البلاد الرئيس الفلسطيني يؤكد أن توحيد الضفة الغربية وقطاع غزة يجب أن يتم عبر الأطر القانونية والمؤسسات الرسمية للدولة الفلسطينية سقوط طائرة استطلاع إسرائيلية في منطقة الهرمل اللبنانية ومصادر محلية تتحدث عن تحليق مكثف في الأجواء قبل الحادث مطار ميونيخ يستأنف العمل بعد إغلاقه طوال الليل بسبب رصد طائرات مسيرة
أخر الأخبار

عن ظاهرة أحمد فؤاد نجم

عن ظاهرة أحمد فؤاد نجم

 صوت الإمارات -

عن ظاهرة أحمد فؤاد نجم

جلال أمين
بقلم: جلال أمين

فى إحدى مسرحيات برناردشو، الكاتب الأيرلندى الشهير، يدور حوار بين رأسمالى كبير وبالغ الثراء، وبين شاب يسارى فقير وشديد الحماس. لا يكف الشاب عن التنديد بذلك النظام الذى يسمح بأن يوجد الفقر المدقع إلى جانب الثراء الفاحش، بينما يدافع الرأسمالى عن هذا النظام الذى مكّنه من تحقيق كل هذه الثروة. أثناء الحوار يقول الرأسمالى للشاب اليسارى: «هل تعرف ما هو الفرق الحقيقى بينى وبينك؟ إن كلا منا يكره الفقر كرها شديدا لا يطيقه، ولكن بينما تقول أنت لنفسك عندما تصادف شخصا فقيرا «إننى لا يمكن أن أسمح قط بأن يستمر مثل هذا الشخص على هذه الحال من الفقر»، أقول أنا لنفسى إذا رأيت نفس الشخص: «إنى لن أسمح قط بأن أصبح أنا، فى أى يوم من الأيام، على هذه الدرجة من الفقر!».

وقد عرفت فى حياتى من المثقفين المصريين من ينتمى إلى كلا النوعين من الناس. كثير من المثقفين المصريين عانوا من شظف العيش فى بداية حياتهم، فلم تكن فترة صباهم، وربما شبابهم أيضا، فترة سهلة على الإطلاق، فكرهوا الفقر بالطبع، ولكن قضية الفقر ظلت فى نظرهم قضية شخصية، فقضوا بقية حياتهم فى محاولة لتجنب الوقوع فى الفقر من جديد، وقد دفع هذا الخوف الكثيرين منهم إلى مداهنة الممسكين بالسلطة والتقرب من الحكام، الذين يمكن لهم أن يجنبوهم هذا الفقر إلى الأبد.

ولكن هناك أيضا النوع الآخر، أى الذين ذاقوا شظف العيش أيضا فكرهوا الفقر بدورهم، ولكن الفقر فى نظرهم أصبح قضية عامة، فكرسوا بقية حياتهم لمحاولة تخليص المجتمع كله منه. من هذا النوع الثانى من الكتاب المصريين، أحمد فؤاد نجم، ذلك الشاعر الرائع الذى ذاق فى طفولته وصباه طعم الفقر والتشرد، فلم يدفعه ذلك قط إلى بذل ماء الوجه فى تملق أصحاب السلطة، بل ظل طوال حياته يتحداهم، ويندد بالظالمين منهم، ولا يمتدح منهم إلا من وقف إلى جانب الفقراء، بل وبقدر وقوفه إلى جانب الفقراء، لا أكثر ولا أقل. لم يكن من المنتظر بالطبع أن يجلب له كفاحه أى مكاسب مادية، بل على العكس، قضى جزءا كبيرا من حياته فى السجون، وعلى تتابع الحكام واختلاف مشاربهم. ولكن المدهش أنه عندما نجح فى تحقيق بعض الدخل من شعره وكتاباته، لم يفكر قط فى تغيير نمط حياته، لا فى الظاهر ولا فى الباطن، فاستمر يرتدى نفس النوع من الثياب، ويسكن نفس المسكن، إذ لم يكن تغيير نمط الحياة جزءا من طموحاته.

•••

كنت إذا نظرت إليه، أو تأملت صوره المنشورة فى الصحف أو على أغلفة كتبه، أرى على وجهه آثار ما مر به فى حياته من تجارب ومحن، ولكن لم أر أبدا، لا على وجهه ولا فى سلوكه، أى محاولة للظهور بغير حقيقته (على عكس ما تلاحظ على كثيرين من المثقفين). لم يكن يعطيك أبدا الانطباع بأنه يأخذ نفسه مأخذ الجد (ناهيك عن أخذ كثيرين غيره مآخذ الجد مهما كان مقامهم فى السلطة أو الثروة). انه لا يبخل عليك بعبارة مجاملة، ولكنه لا ينتظر منك أن تبالغ أنت أيضا فى أهميتها، وإلا فما أسرع ما يمكن أن تتعرض له من سخريته.

فى قصيدته الجميلة فى ذكرى جمال عبدالناصر (والمنشورة تحت عنوان «الزيارة») فاجأنا نجم بالكلام عن نفسه وعن أبيه فقال: «أبويا كان فلاح تعيس ــ فى ليلة ضلمة خلّفوه ــ وفى خرقة سودا لفلفوه ــ وفى عيشة غبرا طلّعوه ــ أبويا طلّعتوه حمار ــ ولا مين ما جاش ولا فين ماراحش...».

هكذا يصف نشأته، ولكنه يترك لنا أن نخمن كيف يمكن أن يتحول هذا «الجحش» إلى واحد من أعظم شعراء العامية فى مصر وأكثرهم شعبية. إنى لا أشك فى أن هذه النشأة، عندما اقترنت بموهبة عظيمة، لها علاقة وثيقة بما طرأ عليه فى مجرى حياته، بما فى ذلك صفة أخرى من صفاته التى تميزه عن كثيرين غيره من الشعراء، وهى استحالة إصابته بالاكتئاب.

لقد سمعنا عن إصابة بعض الشعراء المصريين المشهورين بفترات طويلة من الاكتئاب (سمعت ذلك عن بيرم التونسى وصلاح جاهين وصلاح عبدالصبور) ولكن لم أسمعه عن أحمد فؤاد نجم. لقد مر كما نعرف بالكثير من المحن، ليس أقلها الفقر الشديد والسجن، ولكنى أتخيله دائما وهو يقابل هذه المحن بالصبر والسخرية، وكأن الدخول فى حالة اكتئاب من قبيل الترف الذى لا تسمح به ظروفه. كان يبدو لى رجلا يتحلى بقدر عال من الحكمة التى اكتسبها بتسليط ذكائه الوافر على أحداث حياته المدهشة، وجعلته مستعدا لقبول أى شىء دون إسراف فى الغضب، ويتوقع أى شىء من أى شخص. كان ينطبق عليه ما يطلق على الفقراء المعدمين أحيانا من أنه (لم يكن لديه ما يفقده)، ولكنه استمر يشعر بذلك حتى بعد أن غادر فصيلة الفقراء المعدمين. نعم كان لديه ثلاث بنات عزيزات جدا على قلبه. وقد صدر سيرته الذاتية (الجميلة أيضا، والتى تحمل عنوان الفاجومى) بهذا الإهداء البليغ للبنات الثلاث: «يمكن ما تلاقوش فى حياة أبوكم شىء تتعاجبوا به، لكن أكيد مش حاتلاقوا فى حياة أبوكم شىء تخجلوا منه. ده اعتقادى اللى دافعت عنه، ودفعت ثمنه بمنتهى الرضا».

ولكنه كان من الحكمة، فيما أظن، بحيث كان يدرك دائما استحالة الاحتفاظ بهن إلى الأبد. لقد كتبت ابنته نوّارة مقالا جميلا جدا فى رثائه بعنوان «بابا» (الأهرام ــ 23 مايو 2014)، ومن هذا المقال، وكذلك مما سمعناه عن ظروف وفاته، نعرف أنه ترك الحياة بسرعة ودون إنذار، ودون أن يشغل الناس من حوله بطلب الإسعاف أو العلاج العاجل (ناهيك عن العلاج على نفقة الدولة).

تروى نوارة فى مقالها أنه فى مرض سابق اصطحبته زوجته (أم زينب) إلى العناية المركزة، فأصر على التدخين فيها، فلما امتنعت زوجته عن تسليم السيجارة له، قال لها «أنت طالق». ذكرت الزوجة ما حدث للطبيب وقالت له انه «رمى على يمين يا دكتور». فأجابها الطبيب «وده يجوز له أيمانات؟ واحد بيدخن فى العناية المركزة، ويعاكس الممرضات، كل واحدة فيهم تخرج فطسانة على روحها من الضحك.. المفروض ان ده طبيعى؟».

•••

من الملفت للنظر أيضا انه توفى قبل أيام قليلة من حضوره الاحتفال الذى كان يزمع حضوره لاستلام جائزة رفيعة، ليس من الحكومة المصرية بالطبع (التى تأجل تكريمها له إلى ما بعد أن اطمأنت إلى وفاته)، ولا من أمير عربى، ولكن من أمير هولندى قرر أن يخصص جائزة لشعراء أو كتاب موهوبين، من أى بلد فى العالم، تركوا أثرا كبيرا فى حياة شعوبهم، وحازوا شعبية واسعة، وقد قيل بحق إن أحمد فؤاد نجم، رغم أنه لم يحصل على جائزة واحدة من حكومة بلده، فانه حصل على جائزة أعظم وهى محبة المصريين له. ومع ذلك فإنى أعتقد أن الجائزة الأعظم حتى من هذا الحب، والتى حصل عليها أحمد فؤاد نجم بلا أدنى شك، كانت هى رضاه المستمر عن نفسه.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عن ظاهرة أحمد فؤاد نجم عن ظاهرة أحمد فؤاد نجم



GMT 21:31 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

كهرباء «إيلون ماسك»؟!

GMT 22:12 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان على مفترق: السلام أو الحرب البديلة

GMT 00:51 2024 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

مسألة مصطلحات

GMT 19:44 2024 السبت ,12 تشرين الأول / أكتوبر

هؤلاء الشيعة شركاء العدو الصهيوني في اذلال الشيعة!!

GMT 01:39 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

شعوب الساحات

نجوى كرم تتألق بالفستان البرتقالي وتواصل عشقها للفساتين الملوّنة

بيروت - صوت الإمارات
تُثبت النجمة اللبنانية نجوى كرم في كل ظهور لها أنها ليست فقط "شمس الأغنية اللبنانية"، بل هي أيضًا واحدة من أكثر الفنانين تميزًا في عالم الأناقة والموضة. فهي لا تتبع الصيحات العابرة، بل وبنفسها هوية بصرية متفردة تتواصل بين الفخامة والجرأة، قدرة مع خياراتك على اختيار الألوان التي تدعوها إشراقة وحضورًا لافتًا. في أحدث إطلالاتها، خطفت الأنظار بفستان مميز بشكل خاص من توقيع المصمم الياباني رامي قاضي، جاء المصمم ضيق يعانقها المشوق مع تفاصيل درابيه وكتف واحد، ما أضفى على الإطلالة طابعًا أنثويًا راقيًا، وأبدع منها حديث المتابعين والنقّاد على السواء. لم يكن لون الجريء خيارًا مباشرًا، بل جاء ليعكس راغبًا وظاهرًا التي تنبع منها، فأضفى على حضورها طابعًا مبهجًا وحيويًا مرة أخرى أن ألوان الصارخة تليق بها وتمنحها قراءة من الج...المزيد

GMT 00:12 2014 الثلاثاء ,02 أيلول / سبتمبر

تصميمات لأحذية مختلفة في مجموعة "صولو" الجديدة

GMT 15:50 2019 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

"واتس آب" توقف خدمتها على الهواتف الذكية خلال الأسبوع المقبل

GMT 02:28 2016 الأحد ,17 إبريل / نيسان

Prada تقدم حقائب PIONNIERE AND CAHIER

GMT 11:02 2017 الجمعة ,17 آذار/ مارس

توعية بثقافة ترشيد الطاقة في إمارة العين

GMT 22:15 2021 الإثنين ,04 كانون الثاني / يناير

عِزٌ وفخر لكل أردني بمليكه وقائده

GMT 14:35 2020 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

قائمة نشاطات سياحية في غراتس في النمسا

GMT 09:54 2019 الجمعة ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

المعهد الفرنسي ينظم سادس دورات "ليلة الفلاسفة"

GMT 20:37 2013 الثلاثاء ,29 كانون الثاني / يناير

الجزائر: 70 % من الأراضي لم تستكشف بعد في مجال الطاقة

GMT 12:58 2017 الجمعة ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار بسيطة للديكور مع حلول فصل الخريف

GMT 16:52 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

فستان "المتصنع" المانع للحركة الأحدث على السجادة الحمراء
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
Pearl Bldg.4th floor
4931 Pierre Gemayel Chorniche,Achrafieh
Beirut- Lebanon.
emirates , Emirates , Emirates